انتخابات الصحفيين.. ودور القضاة حسين عبدالرازق المواجهة الغريبة التي شهدتها نقابة الصحفيين بين عدد من أعضاء النقابة وبعض القضاة المشرفين علي إجراء الانتخابات مساء 17 نوفمبر ،2007 بعد انتهاء التصويت في انتخابات النقابة وإعلان فوز الزميل مكرم محمد أحمد بموقع النقيب، قضية خطيرة ولها دلالاتها المهمة التي يجب التوقف أمامها بكل مسئولية. لقد مرت عملية التصويت والتي استمرت من التاسعة صباحاً وحتي الساعة الخامسة مساء، في هدوء ويسر ودون مشاكل، رغم لجوء جهات معروفة لترويج أكاذيب ضد بعض المرشحين من أعضاء المجلس المنتهي ولايته،وتوزيع منشورات »منحطة« في الأسبوع السابق للانتخابات استهدفت تحديداً الزميل الفاضل »أحمد النجار« أحد ألمع الكتاب الاقتصاديين في الصحافة المصرية، والذى كشف بالوثائق الفساد المستشرى في المؤسسات القومية وفي مؤسسة »الأهرام« تحديداً، وتورط رؤساء مجالس إدارات وصحفيين »كبار« في هذا الفساد، ورغم الزحام الشديد الناتج عن إدلاء 3590 صحفياً بأصواتهم يمثلون 71.71% من أعضاء الجمعية العمومية وعدم مغادرة عدد كبير منهم للنقابة بعد الإدلاء بأصواتهم »في انتخابات 2003 أدلي 3328 صحفياً بصوته بنسبة 82.76%«.. فقد مرت عملية التصويت بهدوء وسلام كالعادة في نقابة الصحفيين. وبدأت الأزمة عندما أعلن المستشار صلاح مرعي رئيس اللجنة الإدارية »المسماة باللجنة القضائية في القانون 100 لسنة 1993«، عن فوز مكرم محمد أحمد، وامتنع عن ذكر الأصوات التي حصل عليها كل من المرشحين الخمسة لموقع النقيب، قائلاً: »فاز الأستاذ مكرم محمد أحمد بمنصب نقيب الصحفيين علي وجه قطعى.. وسوف يتم الإعلان عن الأرقام وتفاصيل النتيجة بمراجعة المستشار رئيس محكمة جنوبالقاهرة ولكن نعلن فوزه نقيباً«. وأثار هذا الموقف من اللجنة المشرفة علي الانتخابات اعتراض أعضاء في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين بمن فيهم النقيب مكرم محمد أحمد الذي أكد ضرورة أن تعلن النتائج تفصيلاً داخل النقابة، كما جرت العادة، وقال: »نحن قوم شكاكون نريد أن نتيقن من هذه الأرقام ولو بصفة غير رسمية، لابد أن تعلن نتيجة الانتخابات في نقابة الصحفيين قبل أن تعلن في مكان آخر«. إلي هنا وكان الأمر يمكن تجاوزه باعتباره مجرد خلاف إجرائي بسيط لا يؤثر علي العملية الانتخابية ونتائجها، ولكن التطورات اللاحقة والمتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النقابة هى التي فرضت المواجهة بين النقابة والقضاة أعضاء اللجنة الإدارية المشرفة علي الانتخابات. بدأت الأزمة عندما تسرب خبر قيام اللجنة المشرفة علي الانتخابات بإرسال محاضر فرز الأصوات في عشر لجان انتخابية »عدد لجان التصويت 20 لجنة« إلي المستشار فاروق سلطان رئيس محكمة جنوبالقاهرة رئيس اللجنة المسئولة عن انتخابات النقابات المهنية، وهو ما أثار غضب جموع الصحفيين الموجودين في النقابة والذين تابعوا الفرز وسجلوا الأصوات الحاصل عليها كل مرشح في كل صندوق أولاً بأول. وكان هناك في ضوء التدخلات السافرة للحزب الحاكم وأجهزة الدولة، حالة من الشك في وجود نية مبيتة لتزوير النتيجة لإسقاط مرشحي تيار الاستقلال الحكومي وفرض قائمة الحزب الوطنى. وزاد الأمر اشتعالاً عندما عبر رئيس اللجنة المشرفة علي الانتخابات داخل مقر النقابة »المستشار صلاح مرعي« عن عدم رضاه عن إرسال محاضر الفرز إلي مقر محكمة جنوبالقاهرة، وقال إن ضميره لا يستريح إلي نزاهة الانتخابات بعد خروج أوراق 10 لجان من مبني النقابة قبل انتهاء الفرز. وانفجر الموقف بعد »اختفاء« المستشار صلاح مرعي من مبني النقابة وما قيل عن صدور تعليمات عليا بإعفائه من رئاسة اللجنة المشرفة على الانتخابات وحلول المستشار جمال قطب محله، الذى قرر أن تعلن النتيجة النهائية من محكمة جنوبالقاهرة، بعد انتهاء الفرز وليس من نقابة الصحفيين، وما تردد عن اتصال تليفونى تم بين أنس الفقي وزير الإعلام والمستشار جمال قطب. وتوتر الجو أكثر بعدما قيل إن الزميل أحمد موسي عضو مجلس النقابة السابق، والذي لم يرشح نفسه في هذه الانتخابات وهو مندوب »الأهرام« في وزارة الداخلية، قد أعلنه من خلال برنامج تليفزيونى في قناة »أوربت« الفضائية من أن النتائج الأولية تشير إلي سقوط أربعة من أعضاء مجلس النقابة وحددهم بالاسم، بينما كانت أرقام الفرز التي سجلها مندوبو المرشحين في لجان الفرز، تؤكد فوز هؤلاء الأربعة تحديداً. ووقع الصدام بين الصحفيين والقضاة، وترددت هتافات قوية داخل النقابة تقول »عشرة بره وعشرة جوه (فى إشارة لخروج عشرة محاضر فرز خارج النقابة).. زوروها.. زوروها.. باطل.. باطل«، واشتبك بعض الصحفيين مع القضاة بصورة حادة غير مسبوقة، وفرضوا حصاراً حولهم لمنع خروج أية محاضر أو أوراق التصويت من النقابة، بل واتهمهم البعض بالمشاركة في تزوير النتيجة. وشعر القضاة بالإهانة، وهم الذين أداروا عملية التصويت بمنتهي الهدوء والدقة والسرعة، وكان الاحترام متبادلاً بينهم وبين الصحفيين طوال اليوم. وقال أحد القضاة »من يرد لنا اعتبارنا.. ويعوضنا عن الاتهامات والشتائم الفظيعة التي ألصقت بنا علناً ويعاقب عليها القانون«. وأضاف قاض آخر »مأساة أن نتهم بالتزوير والتشكيك في نزاهتنا«. وعند الفجر، أعلنت نتائج انتخابات مجلس النقابة لتضع نهاية لهذا اليوم الصعب، ولكن ما جري كان كاشفاً عن المأساة التى سببها القانون 100 لسنة 1993 المسمي زوراً »قانون ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية«. لقد تابعت كصحفي ونقابى انتخابات نقابة الصحفيين منذ عام 1963 وحتي اليوم. وكنت كعضو في مجلس النقابة مسئولاً عن إحدى لجان التصويت والفرز عام ،1981 وكان الفرز وتجميع الأصوات وإعلان النتائج يجري في جو أسري ومرح وتعليقات ضاحكة أحياناً من الزملاء. إلي أن قرر نظام الحكم الاستبدادي القائم التدخل في النقابات المهنية واخضاعها لهيمنته، وأصدر القانون 100 لسنة 1993. وخطورة هذا القانون أنه تصدى لتنظيم الانتخابات في جميع النقابات المهنية في مصر، متجاهلاً التنوع والتباين والاختلاف بينها، ووجود قانون خاص لكل منها. ويوجد في مصر حالياً 24 نقابة مهنية، بدأت بنقابة المحامين عام ،1912 ويتفاوت عدد أعضاء كل نقابة بصورة ملفتة.. فبينما يزيد عدد أعضاء نقابة المعلمين علي مليون، يصل عدد أعضاء نقابة الزراعيين إلي أكثر من 400 ألف والعدد نفسه تقريباً في نقابة التجاريين بشعبها المختلفة وحوالي 300 ألف فى نقابة المهندسين و150 ألفاً في نقابة المحامين، بينما يصل عدد أعضاء نقابة الصحفيين إلي 5000 صحفي وأقل من ذلك في نقابات التشكيليين والسينمائيين.... إلخ. وهناك نقابات لها مركز واحد »أو مقر رئىسى ومقر فرعي« مثل نقابة الصحفيين في القاهرة وفرع الإسكندرية، وأخري لها مقر رئيسى وعدد من الفروع مثل نقابة المعلمين »10 فروع« ونقابات لها فروع في كل المحافظات مثل المحامين والأطباء والمهندسين والزراعيين والتجاريين... إلخ، ونقابات لها لجان فرعية في المراكز وعدد من النقابات النوعية أكبر من عدد المحافظات مثل نقابة المعلمين. وهناك نقابات تتوزع العضوية فيها علي أساس شعب متخصصة كنقابة المهندسين »شعبة المدنى - العمارة - الميكانيكا - الكهرباء...«، وكل نقابة لها طريقة مختلفة في انتخاب مجالس إداراتها، فيختار أعضاء الجمعية العمومية ممثليهم مباشرة كما هو الحال في نقابة الصحفيين أو نقابة المهندسين »يختار المهندس مباشرة من يمثله في الشعبة والنقابة الفرعية ومن يمثله في النقابة العامة«، أو يتم الانتخاب علي درجات مثل نقابة المعلمين، حيث ينتخب المعلم من يمثله في اللجنة الفرعية فى المركز أو المدينة أو الحي وينتهي دوره عند ذلك، وتجتمع اللجان الفرعية المنتخبة لتنتخب بدورها مجالس النقابات الفرعية، ثم تجتمع مجالس النقابات الفرعية لانتخاب مجلس النقابة العامة. وصدر القانون 100 لسنة 1993 في 17 فبراير 1993 لتخضع جميع النقابات المهنية لهيمنة لجنة إدارية سميت اللجنة القضائية يرأسها رئيس محكمة جنوبالقاهرة، تتولي الإشراف علي إجراء انتخابات جميع النقابات المهنية، واشترط القانون حضور نسبة 50% علي الأقل من الأعضاء الجمعية العمومية المقيدة اسماؤهم في جداول النقابة ولهم حق التصويت لإجراء الانتخابات، وهي نسبة مرتفعة للغاية لا يشترط توافرها مثلاً في انتخاب رئيس الجمهورية »نسبة الذين أدلوا بأصواتهم في انتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة لم تتجاوز 23%«، أو انتخابات مجلس الشعب »في الانتخابات الأخيرة لم تتجاوز النسبة 69.24%«. وينص القانون على أنه في حالة عدم اكتمال النصاب تدعي الجمعية العمومية لاجتماع ثان خلال أسبوعين يكون النصاب في هذه المرة صحيحاً بحضور ثلث الأعضاء »3.33%« وهي بدورها نسبة كبيرة خاصة في النقابات كبيرة العدد. وفي حالة عدم اكتمال النصاب في المرة الثانية تدعي الجمعية العمومية للانعقاد للمرة الثالثة بعد ثلاثة أشهر بالنصاب نفسه، فإذا لم يكتمل النصاب تعين لجنة برئاسة أقدم رئيس بمحكمة استئناف القاهرة وعضوية 4 من مستشاري ذات المحكمة و4 من أقدم أعضاء النقابة المقيدين في جدولها، لإدارة النقابة ويمارسون اختصاصات النقيب ومجلس النقابة لمدة ستة أشهر ويدعو للانتخابات في نهاية الأشهر الستة فإذ لم يكتمل النصاب تمتد ولاية اللجنة ستة أشهر أخرى. وهكذا زج بالقضاة في إدارة النقابات المهنية دون أن يكون لهم دراية بأوضاعها ومشاكلها ودفعهم للاحتكاك مع أعضاء النقابة، وتصادم القانون مع نص المادة 56 من الدستور التي تنص علي إنشاء النقابات والاتحاد علي أساس ديمقراطي وتكون لها الشخصية الاعتبارية، ويحدد القانون إجراء الانتخابات في أي يوم في الأسبوع في غير أيام الجمع والعطلات الرسمية علي غير ما اعتادته النقابات المهنية من عقد جمعياتها العمومية وإجراء الانتخابات بنجاح في أيام الجمعة، ثم أجري تعديل للمادة الخامسة من القانون عام 1995 استهدف زيادة هيمنة اللجنة الإدارية علي النقابات المهنية بمنحها اختصاص تحديد مواعيد فتح الباب للترشيح وقفله ومواعيد الانتخابات وتعيين مقار لجان الانتخابات، ومراجعة سجلات قيد الأعضاء بالنقابة العامة والنقابات الفرعية للتأكد من سلامتها، وفحص كشوف الناخبين التي تعدها النقابة، والفصل في طلبات الاعتراض علي قيد الاسماء في كشوف الانتخابات وإهمال قيدها بغير حق. وأدي هذا التعديل إلي ممارسات خاطئة متكررة. ففى نقابة الصحفيين قررت اللجنة الإدارية إجراء الانتخابات في مقار المؤسسات الصحفية القومية وليس نقابة الصحفيين، أي تحت هيمنة رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير وهو ما رفضه جموع الصحفيين، مما أدى إلي تراجعها ونقل التصويت إلي مبني النقابة مع تقسيم اللجان علي أساس المؤسسات. واحتاج الصحفيون إلي خوض معارك متصلة حتي تم تقسيم اللجان علي أساس الحروف الأبجدية، وتدخلت اللجنة الإدارية عام 2003 بطريقة فظة في جدول القيد الخاص بالمشتغلين - لأول مرة منذ إنشاء النقابة عام 1941 - فأدرجت أسماء 18 من غير الصحفيين من جدول المنتسبين أو ممن هم تحت التمرين أو من غير الحاصلين علي مؤهل دراسي عال وهو أحد الشروط الأساسية لمزاولة المهنة والانضمام للنقابة، وأدرجت اسم أحد الزملاء ضمن المرشحين لموقع النقيب رغم عدم تقدمه بطلب للترشيح خلال الفترة المحددة. واضطر مجلس النقابة لرفع قضية أمام القضاء الإداري لإلغاء كل هذه القرارات الخاطئة. لقد أدى تطبيق هذا القانون إلي تعطيل الانتخابات في عدد من النقابات »مثل نقابة الأطباء« واستمرار مجالس نقابات مطعون في شرعيتها لانتهاء مدتها القانونية منذ أمد بعيد ووضع عدد من النقابات المهنية تحت الحراسة، وتراجع دور النقابات المهنية المعبرة عن قطاع مهم من الطبقة الوسطى عن التأثير في المجتمع. ولعل تجربة ما حدث يوم السبت الماضى في انتخابات نقابة الصحفيين يكون حافزاً لتحرك واسع لإلغاء القانون 100 لسنة ،1993 واسمه الحقيقي »قانون (إلغاء) ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية«. عن صحيفة الوفد المصرية 25/11/2007