تعجبت مؤخرًا من دعوة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة للمفتي ودار الإفتاء بإعداد قانون لضبط وتنظيم الفتاوى من أجل العرض على الأزهر وإقراره، على الرغم من معرفتي بأن الرجل وزير للأوقاف وليس شيخًا للأزهر ولا مفتيًا للجمهورية ولا عضوًا في هيئة كبار العلماء حتى يطلب مثل هذا الأمر، ربما كان الأفضل أن يدعو إلى قانون لتنظيم الخطاب الدعوي، والحد من الاستغلال السيئ لمنابر المسجد، أو ذلك الخطاب التحريضي على مؤسسات الدولة، أو حتى دعوة الخطباء إلى تبني خطاب إصلاحي يقدمون من خلاله العلاج لكل أزمات الوطن. لكن يخرج علينا بمثل هذا الأمر فهذا أمر أثار حفيظتي، وبالأخص مع دار الإفتاء في حقلها العملي، فدار الإفتاء كان لها السبق في إنشائها لمرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة، والذي أثبت نجاحه بالفعل، والصحف تطالعنا بين حين وآخر على آخر التقارير والدراسات التي يصدرها هذا المرصد، والتي تدل على جهد مبذول وردود رصينة وآراء فقهية جادة عن كل الشبهات والآراء الشاذة التي تخرج عن المتشددين، الأمر الذي لم نرَ مثله في أي مؤسسة دينية أخرى بالبلاد والتي منها وزارة الأوقاف التي يرأسها الدكتور مختار جمعة. هذه التجربة الرائعة من دار الإفتاء كان لها صدى كبير وهذا ليس بالأمر المستغرب على هذه المؤسسة العريقة التي لا يجهل فضلها أحد سواء من فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أو من سلفه فضيلة الدكتور علي جمعة المفتي السابق، حتى إن هذه التجربة قد أثارت غيرة ملحوظة في المؤسسات الدينية الأخرى على دار الإفتاء، وطالعنا في الصحف أن وكيل الأزهر قد اقترح على فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر إنشاء مرصد للفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة على غرار ما بدأته دار الإفتاء فكان لها قصب السبق والفضل في هذا المضمار، وبالفعل تم إنشاؤه في مجمع البحوث الإسلامية. دعوة ضبط الفتوى ليست بالأمر الجديد، حتى إن مفتي الجمهورية الحالي في المؤتمر الأول له نادى بضبط الفتاوى وذلك بعد توليه المنصب مباشرة، وها هو قد صدق وشرع في العمل الجاد من خلال المرصد الذي أنشأه وبالفعل أصبحنا نرى له ثمارًا، من خلال معالجاته لهذه الآراء والفتاوى الشاذة. الأمر المستغرب هو دعوة وزير الأوقاف دار الإفتاء لإعداد قانون ينظم شئون الفتوى، وهذا شأن خاص بدار الإفتاء ولا أعلم لماذا أقحم الوزير نفسه في هذا الأمر، والأولى به كان يدعو إلى مؤتمر لتجديد الخطاب الدعوي، يقدم فيه الحلول الناجعة لترشيد هذا الخطاب، وعلاج القصور الحادث به، والتأكيد على الدور الدعوي للمساجد. كما أنه كان عليه أن يسعى لمحو الأمية الدينية لدى البعض وهذا الأمر ليس بخفي فيما نراه في الإعلام من فتاوى تتحدث عن الوضوء والاغتسال من الجنابة وكيفية قضاء المرأة ما عليها من أيام نتيجة العذر الشرعي وغيرها من الأحكام الشرعية التي تمتلئ بها الساحة الإعلامية وتركهم لما هو أهم، أيضًا عليه بيان كيفية عودة الوسطية إلى الخطاب الدعوي، وكيفية إعداد الداعية الجيد الذي لا تشغله الأعمال الأخرى عن الدعوة والتي ينصرف إليه نتيجة لضعف راتبه التي تعجز الوزارة عن تحسين أجورهم، في الوقت الذي تهدر فيه أموال الأوقاف في كل مكان. ننتظر من وزير الأوقاف قانونًا يحظر على الدعاة ممارسة الأعمال التي تتنافى ووسطية الدين لا قانونًا عن الإفتاء، كما ننتظر من وزير الأوقاف قانونًا ينظم أوقاف الوزارة، وآخر لإعداد الداعية الحق، وثالث لإنشاء قناة فضائية تتبنى الفكر الوسطي، الأمة بحاجة للدفع للأمام يرحمكم الله.