مكرم محمد أحمد لا أعرف لماذا الضجة, ولماذا الغضب من قرار ينقل وضعية مؤسسة المقاولون العرب من شركة قطاع أعمال تملك الدولة أصولها بالكامل ويحكمها دون شركات قطاع الأعمال الأخري قانون خاص صدر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بعد تأميم الشركة بالكامل عام62 ليضمن للشركة مرونة القرار وسرعته, لكن هذا القانون الخاص علي الرغم من حسن نياته وصحة الأسباب وراء إصداره لم يعد يصلح لمرحلة تطور جديدة لهذه المؤسسة الضخمة تمكنها من المنافسة في السوق المحلية والعالمية كواحدة من أكبر225 شركة مقاولات في العالم يجيء ترتيبها في النصف تماما لحجم أعمالها الضخم الذي تجاوز28 مليار جنيه, وبات من الضروري أن تتحول إلي شركة مساهمة مغلقة علي الدولة يسري عليها قانون الشركات المساهمة193 لتصبح أكثر قدرة علي توسيع أعمالها في الداخل والخارج وتلبية مرحلة جديدة كبرت فيها طموحات المقاولون العرب بعد أن أنجزت الشوط الأكبر من إصلاح هيكلها المالي؟! ولماذا اعتبر البعض هذه النقلة الحيوية الجديدة للشركة, التي لابد أن يعززها قانون جديد يصدر من مجلس الشعب, خصخصة أو بيعا رغم أن الدولة هي المالك الوحيد في الحالتين, ورغم أن هذه النقلة تتم بناء علي طلب مجلس إدارة المقاولون العرب, خصوصا أن المقاولون العرب تكاد تكون شركة المقاولات الوحيدة من بين28 ألف شركة مقاولات مصرية تملكها الدولة والقطاع الخاص جميعها يسري عليه قانون الشركات المساهمة الا المقاولون العرب التي لاتزال تتبع قطاع الأعمال. ولو أن المقصود من هذه النقلة الخصخصة أو البيع لمستثمر رئيسي, الذي عادة ما يكون الاسم الكودي لمستثمر أجنبي, لكان الغضب مبررا, ولكانت الضجة ضرورية, لأن المقاولون العرب بحق هي يد الدولة التي تبني وتشيد كما قال المهندس الكفراوي, ولأن96 في المائة من انجازاتها وأعمالها يكاد يكون مكرسا لتنفيذ مشروعات مصر الضخمة, ابتداء من السد العالي إلي بناء حوائط وقواعد الصواريخ في الفترة ما بين حربي67 و73 التي راح ضحيتها30 شهيدا من أبناء هذه المؤسسة الوطنية يخلدهم نصب تذكاري أقيم في منطقة شبرا, إلي شبكة الكباري الضخمة في القاهرة وفي طول البلاد وعرضها أبرزها كوبري أكتوبر, إلي مكتبة الاسكندرية هذا العمل الهندسي الفذ والعملاق, إلي شركات الصرف الصحي التي تضطلع المقاولين العرب ب40 في المائة علي الأقل من حجم أعمالها, الي مترو الأنفاق والمطارات وشركات الأسمنت ومشروعات أخري عديدة تؤكد أن بيع المقاولون العرب لمستثمر رئيسي أو خصخصتها كان يمكن أن تكون أكبر حماقة يتم ارتكابها في حق اقتصاد مصر الوطني, لكن يبدو أننا كصحفيين وكتاب اعتدنا أن نغفل عن تدقيق الخبر أو نوثق صحته, تحكمنا الأفكار المسبقة, وتسبق عواطفنا وميولنا وعقولنا, نحاول أن نصنع من كل قضية حكاية, ومن كل حكاية فضيحة, ويسيطر علينا إحساس غريب بأن كل قرار يصدر عن الحكومة لابد أن ينطوي علي فساد أو مصلحة ذاتية, وننصب أنفسنا قضاة لا دعاة, نصدر أحكاما نهائية غير قابلة للاستئناف أو النقض!, ولو حاول أحدنا أن يناقش أو يصحح أو يرفض عقلية القطيع يكون نصيبه القذف بالحجارة وحصاره بصراخ ديماجوجي ممجوج. ولحسن الحظ فإن عمال المقاولون العرب الذين يربون الآن علي56 ألفا ينتمون إلي90 تخصصا وحرفة يقودهم4500 مهندس من كل التخصصات بمعدل مهندس الي كل12 عاملا كانوا في الصورة, يعرفون الهدف الحقيقي من هذا التغيير الذي هو في صالح مؤسستهم, وإلا كنا أمام حريق مدمر يشعله سوء الفهم وانعدام التدقيق والخلط المشين بين الخبر والشائعة الذي ترفضه أبسط المعايير المهنية. ولمن لا يعلم, فإن المقاولون العرب واحدة من أهم مؤسسات العمل الوطني في مصر, التي لاتزال تحكم علاقاتها بالعاملين فيها روح الانتماء, تنجز في العام الواحد أعمالا تربو علي6 مليارات داخل البلاد ومليار آخر خارج البلاد, يمكن أن تتضاعف في غضون فترة قصيرة إذا ما تم تعزيز قدرة المؤسسة علي المنافسة, تنفق أجورا في الشهر تتجاوز90 مليون جنيه بمتوسط يتجاوز1300 جنيه للعامل, ويعمل فيها مئات من الأسطوات المهرة تصل أجورهم إلي4 آلاف جنيه راتبا أساسيا, وينشر علي جميع العاملين فيها مظلة اجتماعية صحية, تتكفل بعلاج المعاقين من أبناء العمال,1200 طفل, وتمنح راتبا شهريا للمجدين من أبناء العاملين طلاب الجامعات الذين يحصلون علي تقدير جيد جدا وممتاز, وتعطي الجميع منحة كسوة مع بدء الدراسة, وتكفل للكل رعاية وخدمة صحية جيدة ولمن لا يعرف أيضا, فإن المقاولون العرب كان يمكن أن تشهر إفلاسها, وتأخذ معها عددا من البنوك الوطنية إلي قاع النهر أو البحر بسبب ديونها لدي الحكومة التي وصلت قبل عدة أعوام إلي4 مليارات جنيه. استحقاقا لأعمال ومشروعات تم إسناد تنفيذها للشركة بالأمر المباشر دون أن تكون مدرجة في الخطة والموازنة بأمر من الوزير المختص أو رئيس الوزراء, وبسبب أعباء وفوائد الديون التي تجاوزت في العام الواحد640 مليون جنيه, تآكلت كل الأرباح وزاد حجم الخسائر حتي وصل الحال إلي أن أكلت الديون التي وصلت إلي3 مليارات جنيه لبنك مصر وما يقرب من مليار جنيه لبنكي الأهلي والاستثمار سحبا علي المكشوف رأس مال الشركة وأصولها. وبسبب علاقة الإذعان بين الشركة والحكومة وقلة معدلات سداد الديون لم يعد هناك اهتمام كاف بالجودة, ولم يعد هناك التزام بتنفيذ المشروعات في مواعيدها المحددة رغم وجود عقود عمل تنص علي ذلك, ولم تعد هناك رقابة هندسية حكومية يقظة, في الوقت الذي انفتحت فيه سوق المقاولات التي يبلغ حجم أعمالها في مصر80 مليار جنيه في العام علي مصاريعها لمنافسة شرسة بسبب دخول شركات المقاولات الأجنبية والشركات الخاصة الجديدة, التي حققت نجاحات باهرة لمرونتها وقدرتها الفائقة علي الحركة, بينما المقاولون العرب عاجزة عن المنافسة. إنني رغم كثرة انتقاداتي لحكومة د.نظيف لكثرة غياب البعد الاجتماعي في اهتماماتها, لا أجد ما يمنعني من تحية الحكومة للجهد الذي بذلته أخيرا لإنقاذ المقاولون العرب ومساعدتها علي أن تعبر أزمتها, اتصالا مع جهد سابق بذلته حكومة د. عاطف عبيد, التي تحملت ديون عدد من شركات المقاولات التابع لقطاع الأعمال, ومنحت المقاولون العرب مساحة أرض علي طريق السويس, جاوزت11 ألف فدان تم نقل ملكيتها من هيئة المجتمعات العمرانية إلي المقاولون العرب لإنشاء مجتمع عمراني جديد, الأمر الذي ساعد الشركة علي سداد معظم ديونها, وتصحيح هيكلها المالي, وإعادة تجهيز قدراتها كي تتمكن من المنافسة وتوسيع أعمالها واستشراف مستقبل جديد يليق بالدور الوطني الذي لعبته المقاولون العرب علي مدي تاريخها, وقد يكون من مآثر الحكومة أيضا, أنها انهت أوامر الإسناد المباشر, ومنعت تنفيذ أي أعمال أو مشروعات لا تكون ضمن الخطة والموازنة إلا في حالات الطواريء والكوارث لا قدر الله, لتصبح المنافسة وتدقيق المواصفات وجودة المنتج والالتزام بمواعيد التنفيذ والوفاء بشروط العطاءات هي العامل الفيصل في المنافسة بين شركة وأخري. ويبقي أن نسأل أنفسنا, ما الذي يمكن أن يحققه الوضع الجديد للمقاولون العرب, إن كان قد وضح للجميع, أن المؤسسة سوف تبقي مؤسسة وطنية مصرية مملوكة بالكامل للدولة, ينظم عملها قانون جديد أكثر مرونة يمكنها من المنافسة في سوق مفتوحة؟! الأمر المؤكد أن القانون الجديد سوف يغير صورة المؤسسة التي انطبعت في الأذهان نتيجة ما يروجه المنافسون في القطاع الاستثماري من أنها مؤسسة محض حكومية تعتمد علي الإسناد المباشر, يصعب ساعة الخلاف معها حول المواصفات أو مواعيد التنفيذ أن يحصل العميل علي حقه إذا لجأ إلي التقاضي, وذلك كان دائما هو السلاح الخطير الذي تستخدمه الشركات المنافسة لإزاحة المقاولون العرب من كثير من العطاءات الخارجية, وفي بعض الحالات كان يصل الأمر إلي حد اتهامها بأنها تابعة للمخابرات المصرية دورها أن تتجسس لا أن تنافس أو تعمل! لن أتحدث عن سخافات أخري صغيرة, كانت تلزم الشركة اللجوء إلي رئيس الوزراء لشراء سيارة ركوب لتوصيل المهندسين إلي مواقع أعمالهم, أو التعرض لمخالفات الجهاز المركزي للمحاسبات لأنها سمحت لمهندسيها دون درجة مدير عام أن يستخدموا سيارات الركوب في الوصول إلي مواقع العمل, لكن الشركة التي تجاوز حجم الأعمال المسندة إليها28 مليار جنيه كانت تضطر طبقا لقانونها القديم إلي تقييم أصولها وفقا لقيمتها الدفترية في حدود مليار جنيه بما في ذلك المعدات, علي حين لا تقل قيمة الأصول الثابتة طبقا لأسعار السوق عن ستة مليارات جنيه وكانت ملزمة بعدم رفع رأس مالها الذي لم يتجاوز800 مليون جنيه رغم ضخامة أعمالها, الأمر الذي كان يحرمها من مستندات التأهيل لدخول عطاءات عالية, تشترط حدا أدني من قوة القدرة المالية للمؤسسة, وبسبب هذا الشرط الذي يطلقون عليه الملاءة المالية خسرت المقاولون العرب عشرات العطاءات الدولية آخرها أربعة عطاءات في سلطنة عمان رغم أنها كانت الأفضل سعرا وجودة, غير أن تطبيق القانون193 الذي ينظم عمل الشركات المساهمة علي المقاولين العرب دون الاخلال بطبيعة ملكية الشركة بدلا من قانونها الخاص, سوف يمكنها من زيادة رأس المال, وتصحيح قيمة أصولها الثابتة, وزيادة قدرتها علي الاقتراض, كما يحقق لها ملاءة مالية جديدة تمكنها من الدخول في معظم العطاءات الدولية. تلك هي فزورة المقاولون العرب التي كانت العناوين الرئيسية لصحف المعارضة التي اتهمت الحكومة بتخريب الاقتصاد الوطني وتسليمه إلي الأجانب, لا تخرج عن قانون جديد لا ينقل ملكيتها إلي مستثمر رئيسي ولا يطرح أسهمها للاكتتاب العام, يحافظ علي وضعها المالي باعتبارها شركة مغلقة الاسهم تملك الدولة جميع أسهمها, يحكمها قانون جديد يزيد من قدرتها علي المنافسة في السوقين الوطنية والعالمية اللتين أصبحتا في الحقيقة سوقا واحدة في مصر العولمة يحكمها المنافسة علي السعر والجودة. عن صحيفة الاهرام المصرية 15/9/2007