رواية رضوى عاشور تستعيد مشاهد تصفية قرية فلسطينية محيط – شيماء عيسى الكاتبة تجيب أسئلة الحضور بعد أسبوع واحد فقط من إعلان قيام دولة الإحتلال الصهيوني لفلسطين ، قامت الكتيبة 33 التابعة للواء اسكندروني بمهمة جديدة في 23 مايو 1948 ؛ إذ كان مطلوب من عناصرها قتل ما يزيد عن 230 نسمة من قرية واحدة تقع على بعد 24 كم من مدينة حيفا ، بالإضافة لتشريد باقي أهلها البالغ عددهم آنذاك 1728نسمة ، لتقام محلها مستعمرتا "نحشوليم" و"دور" ، ولبث الرهبة بين المدنيين الفلسطينيين وخاصة في القرى المجاورة تمهيدا لتكرار عمليات التصفية بها ، وهو ما حدث بالفعل . هذه الوقائع استوقفت الأديبة المصرية د. رضوى عاشور لتكتب أحدث رواياتها "الطنطورية" نسبة للقرية ، وقد شهدت مكتبة الشروق بالزمالك مؤخرا حفل توقيع الرواية في حضور حشد من الإعلاميين وقراء الكاتبة الكبيرة ، كما حرص على الحضور زوجها الشاعر الفلسطيني المعروف "مريد البرغوثي" ، ورئيس مجلس إدارة دار "الشروق" إبراهيم المعلم . أشارت عاشور في كلمتها عن الرواية إلى أنها مشغولة منذ طفولتها بفلسطين المسلوبة ، ولكنها مع ذلك لم تكتب عنها أي رواية حتى ظهرت "الطنطورية" أحدث أعمالها ، وترجع ذلك لأن العمل الأدبي لابد أن يفرض نفسه على الأديب ويلح عليه كي يكتبه ، فهو مختلف عن الكتابة التاريخية المعروفة بأنها تسرد الحقائق وتحللها فحسب ، وقد عاشت فترة كانت مشاهد إجبار الفلسطينيين من أهالي القرية على تركها وقتل مئات منهم بدم بارد على يد عناصر مسلحة إسرائيلية كانت تجبرهم كذلك على حفر قبورهم بأنفسهم ، مشاهد تلح عليها بشكل مفزع أحيانا ولفترة من الزمن إلى أن قررت الكتابة . جانب من الحفل معظم الأبطال متخيلين ، أي ليسوا بأساميهم هذه وسيرتهم شخصيات حقيقية ، وإنما هم يشبهون بالفعل معظم أهالي القرية ، وأهمهم "رقية" السيدة الفلسطينية التي راح أبوها وأخوها في المجزرة ، وظلت تركض بالشوارع خوفا من فقدان شخص جديد من ذويها وأحبائها . ولكتابة الرواية قامت رضوى عاشور بقراءة متعمقة في تاريخ القرى الفلسطينية وقرية الطنطورة بالتحديد ، حتى أنها كانت تحسب المسافات التي يقطعها الفرد في الطرق من قرية للثانية ، وكانت تشاهد أفلام وثائقية تحدث فيها لاجئون فلسطينيون يعيشون حاليا بالجنوب اللبناني ، وهم من أبناء القرية الذين تم تهجيرهم ، يقصون اللحظات العصيبة التي عاشوها وكيف شاهدوا الموت في كل لحظة مخيما على القرية . وتؤكد "عاشور" أنها كانت تترك يدها بحرية على لوحة المفاتيح الخاصة بحاسبها الشخصي تتخيل مشاهد إنسانية في هذه الظروف ، وكيف كان البشر يعيشون رغم كل ذلك وهو نوع من المقاومة ، فرأت كيف تقوم الأم بربط شريطة بيضاء على جدائل صغيرتها وكيف تحمم ابنها وتبدل لهما ملابسهما التي اتسخت من أثر العدوان الإسرائيلي على المنزل ، ثم ترسلهما للمدرسة من جديد ! بمنتهى الشجاعة والإقدام على الحياة . قرية الطنطورة ونرى كيف فتحت أسر بمخيمات اللاجئين غرفة قديمة جدا لحمام قديم يدرس بها الأولاد ، ويدخل طفل صغير لا يرتدي خفا في قدميه وسأله المعلم لماذا يأتي هكذا ، قال أن أخيه يرتدي خفه ، ودخل الفصل وجلس يقول "إنني هكذا مرتاح أكمل درسك أيها المعلم" ولم يرتض بالعودة لبيته وأصر على سماع الدرس ، وهي موقف به الكوميديا الحياتية وله معنى . أهدت الكاتبة عملها لزوجها الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي والذي حضر للقاهرة خصيصا لحضور حفل التوقيع ، وقالت: لم أكن لأتجرأ على الكتابة عن الفلسطينيين لولاه ؛ فقد تشربت منه كل شيء عنهم وعن حياتهم . أما المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق ، وناشر الرواية ، فقال عن مريد زوج عاشور ، أنه كان يحتفى به في نادي القلم بلندن ككاتب عربي شهير في الغرب ، وحضر جماعة من المهاجرين ليسألوه أسئلة كثيرة لاستفزازه ككاتب فلسطيني ، فكان رده من الحكمة بحيث جعل هؤلاء يقتنعون بعدالة القضية الفلسطينية ويعترفوا بذلك . وأعرب "المعلم" عن فخره بنشر الرواية ، فهو يعتبر المؤلفة من قمم الفكر ، وهي برأيه تكتب بتجرد المؤرخ الجاد واقتدار الباحث المتعمق دون خطابة مباشرة أو وعظ أبدا بل بريشة الأديب الذي يسبر أغوار النفوس البشرية ،ويتميز أدبها بأنه يخاطب الإنسان حول العالم ، وهي تمارس ما تقول به من مباديء مهما كانت ثمن التضحية ، مؤكدا أن النشر لعائلة البرغوثي كلها يثمن دور أي دار نشر ، وأن الرواية تسد فراغا كبيرا في المكتبة الأدبية العربية والعالمية . إسرائيليون يقودون رجال الطنطورة لقتلهم وردا على تساؤل لباحث فلسطيني يعيش بقرية قريبة من الطنطورة وطهرت بنفس الشكل الذي جرى مع هذه القرية ،سألها هل استندت الروائية لشهادات حية من أهالي القرية ؟ ، فقالت عاشور أنها بالفعل تقرأ حينما تكتب عن أي موضوع كثيرا وبلغات عدة ، وهناك شهادات تعرضت لها بمجلات أردنية وفلسطينية ، ورسالة المؤرخ الإسرائيلي "تيدي كاتس" الذي تعرض لدعوى تشهير بعد كشفه عن ملابسات المجزرة في الطنطورة بدراسة ماجستير في جامعة حيفا عام 1998 ، حتى سحبت جامعة حيفا اعترافها برسالته الأكاديمية ! ، ثم يدعون أنهم دولة الديمقراطية. كما اعتمدت عاشور على موقع تشير إليه بتقدير كبير وهو ذاكرة فلسطين http://www.palestine-info.info/ ، فقد أجرى مقابلات حية مع اهالي القرى الفلسطينية. توقيع الرواية وقد عرف الكاتب أحمد الزياتي في بمستهل الندوة برضوى عاشور ككاتبة انتاجها متنوع بين الثقافة والرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي ، ورغم أنها تخرجت من قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة لكنها متيمة بالأدب العربي وإبداعها جاء به . حصلت على الدكتوراة من أمريكا بالأدب الأفريقي الأمريكي ، وهي أستاذة بآداب جامعة عين شمس ، وعضو بأبرز اللجان الوطنية المطالبة بحماية الثقافة الوطنية ومقاومة الصهيونية بالجامعات المصرية ومجموعة "9 مارس " التي تنادي باستقلال الجامعة ، وأي حركة بها دفاع عن الديمقراطية والوطن والعروبة والأصالة ، ومن اهم أعمالها ملحمة "ثلاثية غرناطة " و"ما اشبه الليلة بالبارحة " ، "فرج " ، "سراج" ، "تقارير السيدة راء " ، وتنشر مقالاتها كبرى الصحف .