الزعرنة السياسية هي لون من ألوان المغامرة اللا محسوبة تمارسها القوى الفلسطينية المختلفة والزعرنة هي افتقاد المنهجية في التعامل مع الواقع والصراع والزعرنة هي عدم الشعور بالمسؤولية تجاه إرادة الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية والسياسية وفي النتاج العام تأتي الزعرنة أيضا كردات فعل تتسم باللخبطة وعدم البرمجية في التعامل مع المتغيرات ومواجهتها . ولا يمكن أن تكون الزعرنة السياسية وليدة الصدفة أو وليدة حدث طارئ بل هي عبارة عن تراكمات لها مركبات أمنية واقتصادية وشعبية وسلوكية . فالذي حدث في الساحة الفلسطينية هو نوع من أنواع الزعرنة تلك الزعرنة التي أخذت الألوان والأشكال المختلفة بحجة أن تلك الزعرنة يمكن أن تؤدي إلى طريق فتح الآمال في طريق طموحات الشعب الفلسطيني ولكن ما أتت به الزعرنة السياسية هي مزيد من التنازلات والإنسلاخات وتغذية حالات التشرذم والانقسامات في الساحة الفلسطينية . قضية أوسلو من أخطر القضايا التي تناولتها القيادة السياسية في عملية زعرنة مخفية لا شرعية تقودها مجموعة من البشر لها مصالح ورؤية سياسية لا تعبر عن القاعدة وعن الشعب وعن التجربة الفلسطينية ولذلك كانت أوسلو نقطة انهيار وانحدار في منحنيات التجربة الفلسطينية فظهرت زعرنة التمركز في المواقع وظهرت زعرنة الإملاءات الخارجية على اتفاقية بمقوماتها وعناصرها الفلسطينية وكانت نوع من أنواع الزعرنة التي اتخذت نوع الارتجال والانزلاق تفاديا لمطبات قد تم القفز عنها للنزول في مطبات أكثر عمقا وأكثر إيلاما للوطنية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني والتراث الفلسطيني فكانت للزعرنة برنامجها الثقافي الذي فصل بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي الخارج ، وكانت للزعرنة سمات التمييز بين من وطئوا أرض الوطن من الخارج وامتيازاتهم وبين من هم مقيمين على أرض الوطن وظهرت الزعرنة السياسية بإلغاء بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني ، وأتت الزعرنة بإلغاء وإنهاء دور حركة التحرر الوطني كطليعة لثورة شعبية ولحلم فلسطيني في فلسطين التاريخية كما أتت الزعرنة بالدمقرطة الأمريكية التي زادت الشعب الفلسطيني تشرذما وتوهانا وتمزقا . في ظل الزعرنة أصبح الاحتلال ومواجهته موقفا ثانويا وأصبح الصراع على السلطة بين فئات التشرذم والمصالح صراعا رئيسيا فأصبح تبادل المعلومات والمواقف مع قوى الزعرنة والاحتلال عملا مشروعا وأصبحت الزعرنة تقبل عمليا أن يقسم الوطن المحتل بالغالبية الديموغرافية الفلسطينية مجزءا في حين أن قوى الزعرنة لا تعدو أن تكون هي ومصيرها وممارساتها أحرف في جرة قلم ناتنياهو أو باراك . هذه هي الزعرنة . الزعرنة لها ردات فعل من زعرنة أخرى تتوافق مع الأسلوب المطروح من القوى المتناحرة ، فلا تلتئم للحوار ولا إلى إرادة وفكرة الإجماع الوطني والوحدة الوطنية وكل الزعران لا يتوافقون مع هذا الطرح ولغته فأصبح قانون الكفاح المسلح والمقاومة من التقزيم لكي يحصل الإنسان الفلسطيني على حاجياته وأصبح مفهوم الزعرنة يتخذ من ممارسات وسلوك السيادة ومفهوم الشرعية لغة مطاطة لكل من يطرح سياسة في الساحة الفلسطينية وكل يغني على ليلاه وعلى مكاسبه وقنوات إتصاله ومغذيات وجوده . هذه هي مظاهر الزعرنة في الساحة الفلسطينية فمن يقود اليوم منظمة التحرير يصفون أنفسم بالشرعية في حين أنهم متجاوزين للشرعية التي احتكم إليها الشعب الفلسطيني واقتنع بها ، الميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الداخلي الذي يفرض التجديد في مؤسسات وهياكل الشعب الفلسطيني ولذلك الشرعية تدخل في نطاق اللاشرعية والآخرون المتمردون على هذا الواقع يمارسون نفس الممارسة بالزعرنة السياسية التي تزيد الانقسام في الشعب الفلسطيني وتزيد من حالة التهتك الوطني عن طريق طرح مؤتمرات شعبية وغير مؤتمرات شعبية في حين أن الواقع الفلسطيني لا يرغب في كل فئات الزعرنة ولكن الشعب الفلسطيني مغلوب على أمره أمام تدفق الأموال من قنوات دعم الزعرنات المختلفة على الساحة الفلسطينية ، والزعرنة توظف لخدمة أهداف إقليمية وصراعات دولية وأصبحت القضية الفلسطينية مرهونة بتلك الصراعات ونتائجها ، حلف أميركي اسرائيلي فلسطيني وحلف إيراني تركي فلسطيني ، وأين يقف الشعب الفلسطيني ؟ ، بالتأكيد إلى مزيد من التشرذم في غياب حقيقي للإرادة الفلسطينية والسياسة الفلسطينية في حين أن الزعرنة كما قلت قد مارست وبقوة نهج إلغاء التجربة الموضوعي والإرادي للشعب الفلسطيني واستبداله بتصرفات وزعرنات لا تخدم إلا القوى الإقليمية والدولية في المنطقة . ومن سمة الزعرنات أن تحول قضية اللاجئين إلى لغة " حل عادل ومتفق عليه " و الزعرنة أن يصبح اللامشروع مشروعا في التنسيق الأمني بين قوى فلسطينية والإحتلال الصهيوني بإعتراف واضح من مسؤولي تلك القوى ، وإضافة إلى ذلك وفي قمة هذا التنسيق أن تسجل النياشين لهذه القوى لكشفها عملية محاولة تنتفيذ عملية عسكرية ضد الاستيطان من بعض المقاتلين الفلسطينيين وحجزهم وحبسهم او قتلهم وكذلك التوصيف بما هو مغلوط حول الفلتان الأمني في نابلس وجنين والخليل وطول كرم وتوصيفه بانهم فتية خارجين عن القانون واي قانون اذا كانت الضفة يتحكم فيها ضابط في الادارة المدنية للاحتلال. والزعرنة أيضا أن يتحول نهج البندقية من بندقية مقاومة وحارسة للمشروع الوطني إلى بندقية تكرس مجهوداتها لحرب العشائر ومحاربة قوى فتح بدون تمييز بين قوى فتح الحية والقوى المبندقة التي تصنع نوع من أنواع الزعرنة . هذه هي مصيبة الشعب الفلسطيني في الزعرنات المختلفة وعدم الشعور بالمسؤولية أو بيع المسؤولية مقابل المصالح المتشرذمة والمصالح المنغلقة في دوائرها والتي تطالب دائما بسيادية موقفها وإقصاء الآخرين وإقصاء التجربة الفلسطينية . زعرنة مدمرة فعلا للمشروع الوطني ولكن بمفهومنا الخاص ،وليس بالمفهوم المنغلق الذي يمارس في غزة او الضفة فحماية المشروع الوطني تأتي بتنازل هؤلاء عن مصالحهم وأهوائهم وأحلامهم مضحين بامتيازاتهم سواء داخل الوطن أو خارجه مقابل أحلام الوطن وشعب الوطن في الداخل أو في الخارج . ولكن هل للزعرنة نهاية ؟ ..إننا نقول أن الزعرنة تأخذ لها بيتا في كل منتجات اوسلو ومخرجاتها ومدخلاتها أما الشعب الفلسطيني فإرادته قائمة على أرض الوطن وصلابته قائمة وصموده خارج الوطن وداخله ولا يمكن أن تكون الموضوعية للزعرنة عندما تأتلف مشاريعها في بقايا دولة من الضفة وغزة وإهمال بنود الميثاق وحدود فلسطين التاريخية ، فالزعرنة لها هدف واحد ولكن المصالح تختلف .