كشفت أوساط سياسية لبنانية متقاطعة في وقت يبدو أن المحاولات الداخلية في لبنان لن تنجح في تجنيب البلاد الفراغ الرئاسي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار/مايو الجاري، عن "صيغة حل" يجري بحثها بين "التيار الوطني الحر" بزعامة ميشال عون المنضوي في تحالف "8 آذار" الداعم لنظام السوري، و"تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري الذي يقود قوى "14 آذار" المؤيدة للثورة، تتضمن تعديلات دستورية ولا يشكل انتخاب الرئيس سوى جزء منها. وفي خضم هذا الحراك السياسي في "الوقت الضائع" الذي يطبع الجو الاقليمي بانتظار "تسويات" مرتقبة، كان لافتاً تحذيررئيس الجمهورية عمال سليمان من أي مؤتمرات تأسيسية تستغل الفراغ الرئاسي من أجل المس باتفاق الطائف، الذي وضع حدا للحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت بين 1975 و1990 من خلال اعتماد اصلاحات دستورية، أو تغيير صيغة العيش المشترك والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وأشارت وكالة "الأناضول" الإخباريى إلى أنه في حين بدت تصريحات سليمان وكأنها رد على دعوات للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لعقد "مؤتمر تأسيسي" يهدف لادخال تعديلات على صيغة تقاسم السلطة، فإن مصادر متقاطعة كشفت ل "الاناضول"، أن "سلة الحل" المطروحة تشمل تعديلات دستورية تتضمن توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية ووضع قانون انتخابات نيابية جديد، وتنتهي بانتخاب عون رئيساً وعودة الحريري رئيساً للوزراء، لكنها تؤدي الى تغييرات في توزيع الحصص والصلاحيات الطائفية داخل النظام. وكشف مصدر في "التيار الوطني الحر" ل "الأناضول"، أن تياره السياسي يعرض خلال التواصل مع "المستقبل" سلة حل متكامل تشمل "تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية"، وبموجب ذلك يصبح كل قانون يرده رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي لاعادة دراسته "بحاجة الى غالبية ثلثي اعضاء البرلمان لاقراره". وأضاف أن التعديل الثاني يعفي الرئيس من مهل التوقيع على المراسيم وبالتالي "لا مهلة محددة للرئيس للتوقيع على المراسيم"، وهذه صلاحية يتمتع بها رئيس الوزراء وكذلك رئيس مجلس النواب وحتى الوزير المختص. ولفت المصدر أن التسوية التي يجري بحثها تمهيداً لاجراء الانتخابات الرئاسية، تتضمن كذلك "قانون انتخابات نيابية دائم يعتمد النسبية، ومقابل ذلك يعود سعد الحريري رئيسا للحكومة اللبنانية وبالطبع يتم التوافق على ميشال عون رئيساً للجمهورية". من جهته، رأى مصدر قريب من القوى المسيحية في "14 آذار"، أن هذا الطرح يعني "اعادة احياء للمثالثة بشكل او بآخر"، في اشارة الى الدعوة لتعديل الدستور بشكل يعيد تقسيم السلطات مثالثة بين السنة والشيعة والمسيحيين، بدل المناصفة الحالية بين المسلمين والمسيحين في البرلمان وسائر وظائف الفئة الاولى. وكشف المصدر ل "الاناضول" أن المطروح هو اعتماد قانون الانتخابات الذي كانت طرحته الحكومة السابقة برئاسة نجيب ميقاتي، وبالتالي فإن "اعتماد هذا القانون النسبي يجعل الكتلة الشيعية الناخبة قادرة على الاتيان بنحو ثلث عدد نواب البرلمان وكذلك يرفع حجم تأثير الكتلة المسيحية، لكن كل ذلك يأتي على حساب حصة السنة الذين لن يكسبوا الا عودة الحريري رئيسا للوزراء". وفي هذا السياق، أشار مصدر قريب من "حزب الله" في حديث ل "الاناضول"، إلى ان "كل الامور لا تزال موضع نقاش ولا توجد مواقف نهائية"، لكنه اكد أن "المقاومة خط أحمر" وليست موضوعاً للتفاوض. وأوضح المصدر الذي لم يرغب في الخوض بالتفاصيل، ان "عون هو من يفاوض وما يتفق عليه مع الحريري يدرس من قبل حزب الله الذي ينتظر انتهاء المفاوضات" بين الطرفين "ليبني على الشيء مقتضاه". وكشف عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" مصطفى علوش أن ما يطرحه "التيار الوطني الحر" خلال لقاءات يجريها تحديداً وزير الخارجية جبران باسيل مع الحريري "يتضمن بشكل أساسي انتخاب عون بما يمثل اي قوى 8 آذار رئيساً للجمهورية على أن يعود الحريري بما يمثل اي قوى 14 آذار رئيساً للوزراء"، لكنه شدد على أن ذلك "وهم"، وهكذا تسويات "غير واردة من قبلنا". وأضاف النائب السابق علوش في اتصال مع "الاناضول"، إنه من الافضل لعون أن يناقش امر ترشيحه مع القوى المسيحية في "14 آذار" وهو ما اقترحه عليه الحريري، مشدداً على أن "المستقبل لن يتخلى عن حلفائه" في اشارة الى قوى "14 آذار" وتحديداً رئيس حزب القوات اللبنانية ومرشح هذه القوى للرئاسة سمير جعجع. وأكد وجود طروحات "تتعلق بتعديلات دستورية وقانون الانتخابات" لكنه أوضح في الوقت نفسه انه "لم يجر البحث في تفاصيلها وبقيت اقتراحات عامة جاءت في اطار اقرب الى الدردشة منه الى البحث". وذكّر ان الاقتراحات المتعلقة باعادة تكوين الحصص الطائفية داخل السلطة "ليست جديدة" وكان رئيس البرلمان نبيه بري "من اوائل من طروحها حتى لو نفاها حاليا"، بينما لمّح اليها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من خلال كلامه على "طائف جديد". ولفت إلى أن أمين عام "حزب الله" دعا مرارا الى مؤتمر تأسيسي، بل "وكان حزب الله اول من طرح المثالثة في مؤتمر الحوار اللبناني الذي انعقد في سان كلو، ويقال ان الطرح تبنته ايران"، في اشارة الى مؤتمر الحوار اللبناني – اللبناني الذي رعته فرنسا في ضاحية سان كلو الباريسية وانعقد في في تموز/يوليو 2007 برعاية وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير. ورأى علوش أن "حزب الله امام اشكالية تتمثل بأنه يسابق الزمن قبل اي تسوية قد يتم التوصل اليها بشأن سوريا او الملف النووي الايراني، لانها ستشمل سلاحه غير الشرعي"، موضحاً أنه نتيجة ذلك أن الحزب "يحاول الكسب مسبقاً على مستوى المعادلات السلطوية في لبنان وتحويل الحكم الى ما يشبه الفيدرالية". وتحاول القوى السياسية اللبنانية ملء الفراغ الذي يتيحه غياب اي تسويات اقليمية او دولية حالياً تشمل لبنان، في محاولة لتشكيل صيغة حل محلية تلاقي اي تسوية اقليمية إذا حصلت، أو تبقى حبرا على ورق اذا لم تنتهي الرياح الاقليمية بحسب ما تشتهيه السفن اللبنانية. لكن يبقى السؤال: إذا كان التوصل إلى اتفاق الطائف تطلب 15 عاماً من الحرب الاهلية ومباركة اقليمية ودولية لا تبدو متوفرة حالياً، فهل يمكن في ظل الاشتباك الإقليمي الحاصل إجراء تعديلات من هذا المستوى على بنية النظام اللبناني؟.