مر أحد عشر عامًا على سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ودخول الدبابات الأمريكية إلى شوارع، وميادين العاصمة بغداد في التاسع من أبريل/نيسان 2003، وبذلك ظفر الرئيس الأمريكي وقتها "جورج دابليو بوش" بتحقيق الهدف الذي فشل والده "جورج بوش" (الأب) في إنجازه إبّان حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)، أو من خلالها، فسقط صدام، تلك الغصة التي وقفت في حلق الغرب (الولاياتالمتحدة بشكل خاص) لفترة طويلة من الدهر. ولست هنا في مجال الدفاع عن صدام حسين، أو مهاجمته، كل ما في الأمر أنني اطًلعت، فعرفت، وتعمقت، ففهمت، وحللت، فأدركت (بعض الشيء)، حسب ظني، وخرجت بآراءٍ شخصيةٍ تحتمل الخطأ قبل الصواب... كان "صدام حسين" ديكتاتورًا بحق، حُكمهُ حكمًا شموليًا متسلطًا لا خلاف حوله، استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وتحديداً في بلدة "حلبجة" ب "كردستان العراق"، لإخراج القوات الإيرانية منها خلال حرب "العراق" و"إيران" (كما أُعلن وقتها)، مما أدى إلى مقتل أكثر من (5500) كردي، بخلاف عمليات الذبح والقتل التي ارتكبت بحق "الثوريين الأكراد"، الذين كانوا يطالبون بحكم ذاتي، ومن هنا يمكن الحكم بمنتهى الثقة بأن "صدام حسين" كان حاكمًا باطشًا، ديكتاتورًا، وقاتلاً أيضًا. هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى الخارجي، الدولي، كان ثمة "صدام" آخر تمامًا، في تعامله مع الغرب، الذي كان، ولا يزال، يمثل للعرب أجمعين ذلك "البلطجي" الذي لا يمكن الاحتماء منه إلا به، فيدفعون له اتقاءً لشره، وهو في المقابل لا يضربهم أو يهددهم أو يسرقهم بالإكراه أمام العالم، لكنه يستبيح أموالهم وبيوتهم بل وأعراضهم في الخفاء، وهم في غاية السعادة، ظنًا منهم أنهم بعيدون عن شروره، أو اقتناعاً منهم بمبدأ "في الخفاء أفضل من العلن"... لم يرضخ "صدام" للضغوط التي مارسها عليه الغرب؛ لذبح مشروعات التسليح الخاصة بجيشه، واستمر فيها حتى كاد يتملك سلاحًا نوويًا بالفعل، لولا تدمير الصهاينة للتوربينات قبل شحنها إلى العراق، ثم ضربهم للمفاعل ذاته. كان قويًا، عراقيًا، عروبيًا قوميًا بامتياز، لكنه كان سهل الخداع، ففي حين كانت إمكانيات الجيش العراقي تُستنزف في الحرب مع إيران، وأمريكا تعلن دعمها للعراق في تلك الحرب أمام الجميع، وتحذر من دعم إيران أو المساهمة في تسليحها، كان الرئيس الأمريكي "ريجان" يزود إيران بالأسلحة بوساطة إسرائيلية في الخفاء، غير آبه برعاياه المحتجزين في طهران وقتها، فيما عرف بعد ذلك إعلاميًا بفضيحة (ايران – كونترا)، وسميت بذلك نسبة الى الغطاء المعلن لعملية التسليح، وهو بيع أسلحة لحركات "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في "نيكاراجوا"، وتم بيع تلك الأسلحة بأسعار تزيد عن قيمتها الحقيقية، واستخدام فرق السعر في تزويد إيران بالسلاح، وأوَّد أن أنبه ثانية بوساطة إسرائيلية. وكل هذه المؤامرة، التي دعمت فيها الولاياتالمتحدة بلد تعتبرها "عدوًا" بشكل خفي، كان الهدف منها الخلاص من "صدام"، ويكفي القول أن أحد الأهداف التي وضعتها الولاياتالمتحدة لمعركة درع الصحراء (عاصفة الصحراء فيما بعد)، بمنتهى التبجح، كان قتل "صدام حسين" شخصيًا، رغم أن الذريعة الأمريكية لإعلان الحرب كانت استغاثة "آل الصباح" لإخراج القوات العراقية من الكويت فقط، وليس ضرب العراق أو قتل الرئيس العراقي.. وأي رجل ذلك الذي يتآمر عليه الغرب إلى هذا الحد من أجل الخلاص منه؟، هذا بخلاف الخطط المخابراتية، فقد أثبتت وثائق المخابرات الأمريكية (CIA) أن رجالها آنذاك قد وضعوا مخططًا للإطاحة بالرئيس العراقي، من خلال الاتفاق مع بعض ضباط الجيش على القيام بانقلاب عسكري ضده. أسأل نفسي مرارًا أي رجل هذا الذي تضافرت جهود قوى عظمى مثل الولاياتالمتحدة وانجلترا، وحُيِّدت أخرى كالاتحاد السوفيتي، لأجل الإطاحة به لا غير، وأستأذن القارئ الكريم أن يطرح على نفسه ذات السؤال بشيء من التجرد؟ وأخيرًا يجدر القول أن أكبر خطأ وقع فيه صدام حسين كان "غزو الكويت"، وذلك برغم الاستفزازات الكويتية آنذاك، والتي تمثلت في عدم التزام الكويت بالحصص النفطية التي حددتها "الأوبك" - مما أدى إلى انخفاض أسعار البترول، الذي كان يمثل وقتها المصدر الرئيس لاقتصاد العراق المنهك بعد الحرب، هذا من جهة، إضافة إلى رفضها إسقاط ديون العراق المستحقة من جهة أخرى، ورغم ذلك لم يكن أي من هذه الاستفزازات أبدًا مبررًا لغزو دولة عربية لدولة عربية، أما اذا كان مبرره للغزو هو الحقوق التاريخية للعراق في الكويت، فلماذا اعترض إذن على ما تدعيه إسرائيل من حقوق في فلسطين ؟؟ أردت، عزيزي القارئ، فقط أن أبيّن أن صدام حسين لم يكن شيطانًا، أو ملاكًا.. وإنما هو إنسان، له ما له وعليه ما عليه... وفي رأيي المتواضع، كان صدام باختصار: وطنيًا، عروبيًا، قويًا، قاتلاً، ديكتاتوراً، وغبيًا... دمتم في أمان