تحول شارع الحمرا في العاصمة اللبنانيةبيروت من مجرد شارع شهير بمقاهيه ومطاعمه ومحاله التجارية الى بقعة ثقافية لفترة وجيزة يوم الجمعة الماضي، حيث انتشر عدد من موظفي دار نشر عريقة لتوزيع أكثر من 200 كتاب على المارة ورواد المقاهي في محاولة ل"إعادة الناس الى القراءة". جال موظفو "دار الساقي للطباعة والنشر"، على مدى أكثر من ساعة، في الشارع المكتظ، يوزعون الكتب بشكل عشوائي على المارة فاجأ رواد هذا الشارع، الذين انقسموا بين من أبدى تقديره لهذه الخطوة، ومن أظهر لامبالاة تجاه ما يحصل. لكن آخرين، رأوا أنها "محاولة يائسة" لإعادة "إحياء ما قد مات"، فأكثر ما يحتاجونه اليوم هو المال من اجل الصمود في وجه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد. لم تأتِ مبادرة دار الساقي من فراغ، فناقوس الخطر قد دق منذ فترة في العالم العربي، حيث أن نسبة القراء فيه لا تتجاوز 5% من إجمالي عدد السكان البالغ 360 مليون نسمة. ولم يكن هدف الحملة لفت نظر الناس الى موضوع محدد، بل فقط محاولة اعادتهم الى زمن اجواء المطالعة "الجميل" وحثهم على القراءة. وقالت ساندي مومجي، مسؤولة التواصل في الدار، إن القائمين على فكرة توزيع الكتب في شارع الحمرا اختاروا 200 كتاب من مختلف العناوين والمواضيع من أجل توزيعها عشوائيا على المارة وداخل المحال التجارية والمقاهي والمطاعم. ولفتت مومجي في حديثها الى "الأناضول"، إلى أن هذا النشاط الذي أتى بمناسبة "الأسبوع الوطني للمطالعة" هو "محاولة لإعادة الناس الى القراءة"، موضحة أن أصداء هذه الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي "إيجابية جدا". وأضافت أن كل كتاب يتم توزيعه مرفق برسالة "إقرأه وأعطه لغيرك"، متمنية أن يتم توسيع هذه الحملة في الأعوام المقبلة. من جهته، قال محمد الرباعي، الطالب العراقي الذي حصل على كتاب مجاني ضمن جولة "دار الساقي"، إن هذه الخطوة تشجع المجتمع على القراءة وترفع المستوى الثقافي فيه. ووعد الرباعي في تعليق ل"الأناضول" بأنه سيقرأ الكتاب الذي حصل عليه في وقت فراغه "بالرغم من أنني لا أقرأ كثيرا". أما يوسف شحادة، فرأى أنه "لا فائدة من هذه الخطوة"، لأن الناس اليوم في ظل ما تعيشه من أوضاع أمنية واقتصادية وسياسية متردية "لا تحتاج لكتاب أو صحيفة بل للمال" من أجل أن تؤمن قوتها اليومي، عارضا على المنظمين إعطاءهم عشرات الكتب التي يحتفظ بها ولا يقرؤها. واعتبر شحادة أن توزيع هذه الكتب "مجرد محاولة يائسة لإعادة إحياء ما قد مات". وبدأت نسبة قراءة الكتب والمطبوعات الورقية تتراجع في لبنان شيئا فشيئا مع بداية القرن الواحد والعشرين وانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الانترنت، إضافة للتردي في الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية. وبحسب مسؤولين في وزارة الثقافة، فإن نسبة القراءة باتت اليوم "منخفضة جدا" لا تتعدى 10% من طلاب المدارس والمعاهد، بعدما كان الكتاب يمثل لدى الآباء والأجداد "الصديق الأوفى والأغلى والأنفع". واعتبر يقظان التقي، المسؤول عن الصفحة الثقافية في جريدة المستقبل، أن ما قام به "دار الساقي" يأتي في سياق "التحفيز على القراءة" في لبنان الذي يعيش كغيره من الدول العربية أزمة واضحة في هذا المجال، مشيرا الى أن نسبة القراءة في العالم العربي لا تتجاوز 5%، وفي لبنان 10% عند الطلاب. وأوضح التقي في حديث ل"الأناضول" أن العلاقة مع الكتاب والقراءة مرتبطة بالأمن الاقتصادي والاجتماعي، لافتا الى أن سبب تدهور هذه العلاقة بين المواطن اللبناني والكتاب يعود إلى "الظروف المتداخلة" في البلاد حيث "لا أمن على الأرض ولا أمن اجتماعي ولا أمن سياسي". ولفت الى أن ما يؤشر بشكل واضح لتراجع معدلات القراءة في البلاد هو على سبيل المثال انخفاض مبيعات الصحف في لبنان من أكثر من 100 ألف نسخة يومياً في ستينيات القرن الماضي، بينما اليوم فإن "مجمل الصحف اللبنانية لا تبيع مجتمعة 35 ألف نسخة في اليوم الواحد"، واصفاً هذا الرقم بأنه "مخيف جدا". لكن التقي أوضح أن مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها "فيسبوك" و"تويتر" ليست "السبب الرئيسي" وراء هذا التحول "الخطير" في انخفاض عادات المطالعة، او "تدهور العلاقة بين المواطن والكتاب". وشدد في الوقت نفسه على أن لبنان ما زال يعتبر "مطبعة المنطقة" لوجود العديد من دور النشر فيه التي توزع مطبوعاتها في كل الدول العربية "وهذا عامل ثقة في لبنان". ورأى أن إعادة تربية الجيل على مفاهيم ثقافة المطالعة هي من أهم وسائل إحياء القراءة في المجتمع، مشددا على ضرورة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي لهذه الغاية. وحذر من "التأثيرات السلبية" للبرامج التلفزيونية "السخيفة والتافهة جدا" التي تغزو المنازل، لافتا الى أن ضحية هذه الظاهرة هو الكتاب. وكان تقرير أصدرته مؤسسة الفكر العربي أظهر أن متوسط قراءة الفرد الاوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا، بينما لا يتعدى المتوسط في العالم العربي 6 دقائق. وبحسب إحصاءات منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم ( يونسكو)، لا يتجاوز متوسط القراءة الحرة للطفل العربي بضع دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة في العالم الغربي.