يتطلع المستثمرون العرب والأجانب، إلى فرص استثمارية واعدة في العراق في السنوات المقبلة، رغم حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي التي تسود البلاد، والتي تتجسد معالمها في عدة تفجيرات ضخمة يشهدها العراق في الوقت الحالي، ومعارك عسكرية تدور في محافظة الأنبار، فضلا عن سجال سياسي عنيف مصحوب باتهامات بالفساد والهدر المالي مع بدء انتخابات المجلس النيابي الجديد. وتتركز الأنظار في الوقت الحالي، على انتخابات المجلس النيابي، الذي من المفترض أن يقدم حلول لعدد من القضايا الاقتصادية المجمدة، من أهمها التصديق على موازنة 2014 المجمدة، وحل الخلاف القائم بين الحكومة المركزية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان على تصدير النفط وعائداته. ويبدو أن العراقيين يتكيفون مع التطورات الأمنية والسياسية، المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات مع بدء الاحتلال الأميركي والإطاحة بنظام صدام حسين فالهيئة الوطنية للاستثمار، تؤكد تفاؤلها بالإقبال الكبير للمستثمرين على الاستثمار، متجاوزين المخاطر الأمنية. وأشارت الهيئة، إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية في العراق بكافة المناطق، تجاوزت 22 مليار دولار في عام 2013، وشملت الاستثمارات أربعة قطاعات غير نفطية، وهي: السكن، والصناعة، والخدمات، والزراعة، ونفذت المشاريع الاستثمارية شركات عربية من ، الإمارات، والكويت، والأردن ، ولبنان، بالإضافة إلى شركات أخرى من تركياوإيران والهند والبرازيل، وباكستان وماليزيا وهولندا وبريطانيا وسلوفينيا. وذكرت وكالة "الأناضول" أن عدد الشركات الأجنبية، التي تم تسجيلها في وزارة التجارة بلغ 412 شركة في عام 2013، وتراوحت بين فروع ومكاتب تمثيل للشركات العربية والعالمية. ويستفيد المستثمرون في العراق، من إعفاءات الرسوم والضرائب، التي قد لا تتوافر لهم في مناخات استثمارية مستقرة ، ورغم هذه الميزة النسبية إلا أن خبراء يعملون في منظمة التطوير الصناعي التابعة للأمم المتحدة (يونيدو) قالوا إن إعفاء الشركات من الرسوم جيد، إلا أنه ليس كافياً لجذب المستثمرين للعمل في العراق ، لذلك على الحكومة خلق بيئة مشجعة من خلال تفعيل نظام النافذة الواحدة لإنهاء إجراءات الاستثمار، وتقليص خطوات إنجاز التعاملات، إضافة إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، والقضاء على الفساد. ولا يخفي بعض خبراء المال والاقتصاد ، أن سبب فشل الخريطة الاستثمارية العراقية يعود إلى هيمنة شخصيات على مفاصل مهمة في الحكومة المركزية والمحافظات، لا لكفاءتها وإنما لانتمائها إلى حزب معين مسيطر على الحكم، إلى جانب أن الشركات الأجنبية الكبرى لا تستطيع الدخول إلى العراق، بسبب الفوضى الاقتصادية والسياسية والأمنية، وعدم وجود ضمانات حقيقية من قبل الدولة. خطط استثمارية واعدة ومع خروجه من البند السابع للأمم المتحدة ، والذي خضع له أكثر من 23 سنة بعد غزوه الكويت، يتطلع العراق إلى جذب استثمارات عربية وأجنبية، لتنفيذ 740 مشروعاً بقيمة 32 مليار دولار، وذلك ضمن خريطة استثمارية تستمر على مرحلتين، مدة كل مرحلة خمس سنوات، وتضم عدداً كبيراً من المشاريع النفطية والكهربائية، وبدأت بشائر هذه الخطة تلوح في الأفق مع قيام عدد من الشركات، التي ستتولى تنفيذ تلك المشروعات، بإرسال مهندسيها وعمالها إلى المواقع العراقية. وينص، البند السادس للأمم المتحدة، على حث الدول على حل الخلافات فيما بينها، بطريقة سلمية، في حين يسمح البند السابع لمجلس الأمن الدولي ، باللجوء إلى سلسلة خيارات تتراوح بين العقوبات إلى العمل العسكري، في حال رفضت إحدى الدول الإذعان لمطالب مجلس الأمن. وتأتي تلك المشاريع ، في اطار الخطة الوطنية للتنمية في العراق، والتي تشمل مشروعات تقدر قيمتها بنحو 357 مليار دولار، في قطاعات الصناعة والطاقة والاستثمار والاسكان والزراعة والموارد المائية والتعليم والنقل، وهي موزعة بنسبة 79 % للاستثمارات الحكومية، مقابل 21 % للاستثمار الخاص، وكذلك الاستثمار في قطاعات البنى التحتية ، والقطاعات الاقتصادية المتنوعة. ويعلق العراق آمالاً كبيرة على انجاز هذه الخطة، التي ستؤمن نحو عشرة ملايين فرصة عمل، الأمر الذي يساهم في حل ثلاثة من أكبر مشكلات العراقيين ، وهي: البطالة، الفقر، والإرهاب. وتشمل الخطة في المرحلة الأولى مد خطوط أنابيب جديدة، وبناء موانئ جديدة لتصدير النفط بما يسمح بالاستغلال الأمثل لقدرات العراق في تصدير البترول، والتي سترتفع إلى ستة ملايين برميل بترول بدءا من العام 2015. وتتضمن المرحلة الثانية، توقيع عقود لبناء مصافٍ جديدة، والتي تم بالفعل دعوة الشركات لتقديم عروضها لهذه المشروعات، وتشمل هذه الحزمة مشروعات متعددة من بينها، بناء مصفاة واحدة بطاقة 300 ألف برميل يوميا، بهدف رفع القدرة التكريرية لتلبية حاجة العراق الاستهلاكية من المشتقات النفطية . أما المرحلة الثالثة، فهي تضم خطة متكاملة للصناعات التحويلية، تدفع الإنتاج المحلى لهذا القطاع الصناعي بدلا من الاعتماد على استيراد منتجات هذه الصناعة من الخارج ، وبما يساهم في جعل الصناعة العراقية ، متطورة بالمستوى العالمي للصناعات الكيماوية . وبدأ العراق تنفيذ مراحل الخطة، والتي من المنتظر أن يتحول بعد انتهائها في عام 2030، ووفقا لتصريحات نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني، من بلد يعتمد على النفط ، إلى بلد يعتمد على الاقتصاد، لرفع المستوى المعيشي للمواطن العراقي. ويذكر أن البنك الدولي أعلن تأييده للخطة ، وذلك على لسان ممثله في العراق سايمون ستولب الذي أكد خلال حفلة اطلاقها ، أن " البنك الدولي سيدعم العراق لتنفيذ هذه الاستراتيجية، وهو مستعد لمساعدته فنياً ومالياً " . ولكن هل يمكن نجاح الخطة، في ظل استمرار التطورات السلبية التي يشهدها العراق ؟. النفط ... والإرهاب استغل العراق غياب إيران عن ساحة المنافسة، نتيجة تراجع إنتاج النفط الإيراني إلى نحو مليون برميل يوميا، متأثرا بتطبيق العقوبات الأميركية والأوروبية، فاحتل المرتبة الثانية عالميا كأكبر منتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية، داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، وارتفع إنتاج العراق من النفط في 2013 إلى 3.15 مليون برميل مقارنة بعام 2012 حيث وصل إنتاجه إلى 3 مليون برميل . أما موازنة العراق لعام 2014 ، والمجمدة حاليا في انتظار اعتماد مجلس النواب، بسبب خلاف حكومة بغداد مع حكومة اربيل حول صادرات إقليم كردستان من النفط، ، فقد بلغت نحو 150 مليار دولار بزيادة 30 مليار دولار، وبارتفاع 20 % عن موازنة عام 2013، وهي أعلى موازنة في تاريخ العراق. وتستند الموازنة الجديدة بنسبة 93 %على إيرادات النفط، ، وتفترض الموازنة أن سعر النفط سيكون في حدود 90 دولاراً لسعر البرميل، وأن الإنتاج سيكون 3.4 مليون برميل يومياً، وعلى الرغم من ذلك، حمل مشروع الموازنة عجزا بلغ 35 تريليون دينار، أو ما يعادل نحو 30 مليار دولار، ولكن وزير المالية صفاء الدين الصافي، أعد مسودة مشروع مرفق للموازنة، يتضمن خفضاً لهذا العجز بمقدار 5.3 مليار دولار، إلى 23.7 مليار دولار. ومن أجل تمويل الخطة الوطنية للتنمية، يخطط العراق لزيادة إنتاجه من النفط بشكل تدريجي، إلى تسعة ملايين برميل في عام 2020. وتعمل في العراق حالياً شركات نفط عملاقة مثل: بي. بي البريطانية، اكسون موبيل الأمريكية، رويال داتش الهولندية البريطانية، وشركة ايني الايطالية في الجنوب في حقول الرميلة، وفي غرب القرنة رقم واحد، ومنطقة الزبير، وذلك منذ عام 2010، وتنتج تلك الحقول 600 ألف برميل يوميا، ويبلغ حجم الاستثمارات الإجمالية لهذه الشركات من 2010 حتى 2013 ، نحو 30 مليار دولار. ولكن مع اتساع أعمال الإرهاب وزيادة عمليات التفجير التي أصبحت تشمل معظم مناطق العراق، وتعرض بعض الشركات العاملة هناك، ولا سيما شركات النفط لسلسة اعتداءات متكررة، فالوكالة الدولية للطاقة حذرت، من المخاطر المتزايدة في إنتاج النفط العراقي، خاصة بسبب المخاوف من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، فضلاً عن استمرار البيروقراطية، والقيود اللوجستية، والتشغيلية، والتي تشكل تحديات كبيرة، وتؤدي إلى تأخير العمل في المشاريع الاستثمارية. ولم يستبعد، نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، مخاطر الإرهاب على أنتاج النفط في العراق، مشيراً إلى قلق الحكومة من ازدياد العمليات الإرهابية، ومؤكدا أن الحكومة تهتم بشؤون كل العراقيين في انحاء البلاد، مؤكدا أن العراق يبذل جهده لمحاربة الإرهاب، وقال الشهرستانى أيضا، أن الوضع الأمني لم يؤثر في حقول النفط في جنوب ووسط العراق، وأن الحكومة لم تلحظ أي تردد أو تباطؤ في الاستثمار من جانب الشركات. كركوك .. والبصرة وثمة مشاكل تواجه عمليات تصدير النفط في كركوكالعراقية إلى ميناء جيهان التركي، بسبب عمليات تفجير خط الأنابيب الذي لم يعد صالحا، ما اضطر البلدان إلى الاعتماد على خط أنابيب جديد بدأ العمل به لضخ نفط شمال العراق إلى تركيا منذ ثلاثة أيام بحسب ما ذكره وزير الطاقة التركي تانر يلدز. ولكن هذا الاضطرابات في عمليات نقل الغاز من إقليم شمال العراق إلى تركيا، تزيد الاهتمام بصادرات النفط من جنوبالعراق في منطقة البصرة. وكانت شحنات خام كركوك ، قد توقفت بعد تفجير تعرض لها خط الأنابيب في آذار / مارس الماضي، الأمر الذي زاد من خسارة العراق ، لا سيما وان هذا الخط تسيطر عليه بغداد، وتبلغ طاقته القصوى 1.5 مليون برميل يومياً. ولذلك اتجهت صادرات النفط من مرافئ جنوبالعراق ، إلى تسجيل مستوى قياسي مرتفع في نيسان / ابريل 2014، حيث وصل إلى 2.5 مليون برميل يوميا، وهو الأعلى منذ عام 1979، أي منذ 35 سنة، مع الإشارة إلى أن بعض تجار النفط ، لا يتوقعون عودة وشيكة لخام كركوك. ومن هنا، برزت أهمية قيام الحكومة المحلية في البصرة ، بالضغط على الحكومة المركزية في بغداد للإسراع بإقرار الموازنة العامة للبلاد لعام 2014، مهددة باتخاذ قرارات خاصة من بينها التصرف بإدارة شؤون شركة "نفط الجنوب" وأموالها، ومركزها البصرة، في حال تأخر إقرار الموازنة. وأيد رئيس مجلس محافظة البصرة خلف عبد الصمد، موقف حكومة بغداد بعدم السماح لإقليم كردستان بتصدير نفطه من دون موافقتها، وأكد في الوقت نفسه ضرورة تخصيص نسبة للإقليم من الموازنة العامة للعراق ، التي تعتمد بشكل كبير على عائدات نفط البصرة، مشيراً إلى أن تأخير إقرار الموازنة ، على الرغم من مرور أربعة أشهر من عام 2014، تسبب بمشاكل كبيرة للدوائر، والمؤسسات الحكومية في البصرة، والتي من بينها الجهات المسئولة عن الإنفاق على الأدوية والمستشفيات.