برع الكاتب اليونانى " ذيميتريس س.ستيفاناكيس " فى روايته " أيام الإسكندرية " أن يصور لنا جزء من تاريخ مصر من وجهة نظر الآخر . يستعرض لنا الكاتب سيرة خمسون عاما فى الإسكندرية من النصف الأول من القرن العشرين و حتى ثورة 1952 و العدوان الثلاثى على مصر ، من خلال عائلة " أندونيس خاراميس " التى تحيا بالحى اليونانى الأرستقراطي بالإسكندرية ؛حيث ينشأ الصدام بين الحرب والتجارة ،وبين السياسة والحب،بين الاستعمار والوطنية،مما ينتج عنه نتائج غير متوقعة. تتألف الرواية من العديد من الشخصيات التى تنتمى الى جنسيات مختلفة، أندونيس خاراميس الذى يعيش مع زوجته وولديه بالحى اليونانى الأرستقراطي بالاسكندرية ،مقيدا بتقاليد الجالية اليوناني الصارمة .والذى يتمكن من خلال علاقة العمل التى تربطه باللبنانى الغامض إلياس خوري من أن يوقع تعاقدا مع الجيش البريطانى بالشرق الأوسط ، في اليوم الذى أعلن فيه قيام الحرب العالمية الأولى . هذا اللبنانى الذى لا يعرف سوى المصلحة و ليس له أى انتماء إلى مصر ، و السيدة الفرنسية السويسرية إيفت شانتون التى تصبح عشيقة خاراميس ، و اليهودى " صمويل " الذى كان يروج لإقامة دولة إسرائيل . و أولاد خاراميس الاثنين الذى أجبر خاراميس أحداهما على السفر لألمانيا رغم رفضه ، و يظل طوال حياته يحلم بالعودة لمصر تلك البلد التى ولد و عاش بها و يجرى عشقها فى دمه ، و الابن الثانى الذى بقى فى مصر و بنى مصنع ، و عندما قامت الثورة و أعقبها التأميم رفض المغادرة كبقية الأجانب الذين خشوا على أملاكهم قائلا أنا مصرى . و فى حفل إطلاق الطبعة العربية من الرواية بالمركز القومى للترجمة ، بحضور د. محمد حمدى إبراهيم أستاذ الدراسات اليونانية و اللاتينية بكلية آداب جامعة القاهرة ، و د. عادل سعيد النحاس أستاذ الدراسات اليونانية و اللاتينية بكلية آداب جامعة القاهرة ،و كونستنتينا أريتاكي أستاذة اللغة اليونانية بجامعة بنى سويف ،و د.محمد خليل مترجم العمل . ذيميتريس و حكايته مع الأدب تحدثت كونستنتينا أريتاكي أستاذة اللغة اليونانية بجامعة بنى سويف ، أنها قرأت هذا الكتاب منذ 4 سنوات ، و كان من أسباب حماسها للعمل فى مصر . و عن ذيميتريس قالت أنه ولد عام 1961م ، فى العاصمة اليونانية أثينا ، و قرر أن يصبح كاتبا و هو فى ال 12 من عمره ، و أتبع شغفه بالأدب ، و صدرت اول رواية له عام 2000 ، و له 7 روايات حتى الآن آخرها " apia" فى نوفمبر 2013 ، كما ترجم عدد من الأعمال الروائية . رواية "الإسكندرية مدينة الذكريات " هذة الرواية التى ترجمها ذيميتريس ، كانت دافعه لتأليف رواية " أيام الإسكندرية " و تم ترجمتها لعدة لغات منها الفرنسية و الإسبانية و احتلت أعلى المبيعات ، حتى ترجمت مؤخرا للعربية ، و تقول أريتاكى أن روايات ديمتريس تتمتع بلغة مميزة تفلسف الشخصيات و أفعالهم ، وفاز ديمتريس بجائزة كفافس عام 2011 . اليونانيين المصريين وقال د. عادل النحاس أن الرواية تستعرض حقبة من تاريخ الإسكندرية ، لنتعرف على جزء من تاريخ مصر من وجهة نظر الاخر ، من خلال تتبع حياة أسرة يونانية " خاراميس " تعمل فى الرخام ، عاشا فى الإسكندرية أكثر من عيشهم باليونان لذلك عرفوا كغيرهم من اليونانين الذين عاشوا فى مصر ب "اليونانيين المصريين " . برع ذيميتريس فى وصف الحياة بالإسكندرية و أورد فى روايته الكثير من الكلمات المصرية ، وبعض العبارات المصرية مثل " يوم عسل يوم بصل " ،و " كورباج ورا يا اسطى "، و يصور ذيميتريس ببراعة الباعة الجائلين و كيف أن كل بائع له ندائه المميز ، فطقطقة المعادن سويا تعلن عن قدوم بائع العرقسوس ، تلك المشاهد التى تعكس غوصه فى أعماق الشعب المصرى بالمعايشة ليخرج رواية بديعة . و يقرأ النحاس على لسان ذيميتريس : "الإسكندرية هى معجزة حقيقية حيث تجمع الكل تحت سمائها فلا يشعر أحد بالوحدة، تلك المدينة المضيافة التى فتحت لنا ذراعيها ". و أن فى حديثه عن ثورة 52 ، و كأنما ينبأ بثورة 25 يناير حين قال : سيأتى وقتا سينهض فيه هؤلاء ، و تحدث عن الصحوة العربية التى ستغير خريطة الشرق الأوسط و الثوابت التى وضعها الأوربيون فى المنطقة . من جانبه تحدث المترجم د.محمد خليل عن دراسته باليونان ، و مقابلته للمصريين اليونانيين و كيف لاحظ فى حديثهم مدى حبهم و شوقهم لتلك الأيام التى قاضوها فى مصر و الإسكندرية . و تحدث عن بداية معرفته برواية " أيام الإسكندرية " التى تصور تلك الحياة التى عاشها اليونانيين بمصر فى فترة من الزمن ، و مدى اقتراب المصريين من اليونانيين فى بعض العادات و التقاليد ليعرفوا ب " المصريين اليونانيين " ، و تلقى نظرة على اليونانيين الارستقراطيين و الفقراء ، و الامتيازات التى أعطت للأجانب ، فلم يكن يحاكم أى أجنبى فى محكمة مصرية بل فى قنصليته . و تابع المترجم أنه ظن فى البدء أن كاتبها عاش فى مصر ، و كانت المفاجأة عندما قابله و عرف أنه كتب تلك الرواية متأثرا برواية " الإسكندرية مدينة الذكريات " و أنه زار الإسكندرية ليراها بعينيه و لكنه لم يعش بها ، ليخرج لنا رواية غاية فى البراعة وكأنه عاش عمره كله بالإسكندرية . حكى المترجم محمد خليل عن الدراما الكبيرة فى الرواية و التى تصور مشهد التأميم و فرار الأجانب خوفا على أموالهم ، ليبقى ابن خاراميس الثانى آخر فرد من العائلة بالإسكندرية و يصمم على عدم الرحيل ، قائلا أنا مصرى و لن يتم تأميم مصنعى ، و يصور مشهد النهاية و هو خارج إلى المصنع فيموت فى الطريق ، ليصور الكتاب هنا التصوير الجذرى لانتقال مصر من مرحلة لمرحلة أخرى. و حيا المترجم د. عادل النحاس الذى قام بمجهود كبير فى مراجعة الرواية ، قائلا لولاه ما صدرت الرواية . و فى الختام قال د. محمد حمدى إبراهيم أن هذة الرواية تقوم على تصوير الواقع بحذافيره و يظهر ذلك فى اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة ، مع قليل من الفلسفة و العمق النفسى ، و الكثير من تصوير الحياة اليومية ، و لكنه أعاب على المترجم وجود أخطاء لغوية و نحوية بالترجمة .