يبدو ان مصر لن تعدم الفهلوية ولا الذين يلعبون بالبيضة والحجر وشغل التلات ورقات ، لكن المأساة الحقيقية ان يتم ذلك تحت سمع وبصر كل الجهات الرقابية. قبل أيام اتحفتنا وزارة العدل باعلان طلب موظفين لشغل عدة وظائف في المحاكم المختلفة داخل الجمهورية لكن هذا الاعلان لا يعدوا ان يكون وسيلة رخيصة للنصب على المواطنين ومداعبة مشاعرهم في الحصول على وظيفة ميري بعد سنوات من البطالة. الاعلان المزعوم اشترط دفع 20 جنيه في احد الحسابات بالبنك الاهلي وقامت بنشر رقم الحساب وهو غالبا تابع للوزارة او احدى جهاتها على ان يرسل راغب الوظيفة اصل ايصال الايداع ضمن الاوراق المطلوبة. لم يحدد الاعلان اية شروط خاصة لشغل الوظيفة لا من حيث السن ولا من حيث النطاق الجغرافي للعمل ولا من حيث المؤهل فقد فتح الباب امام كل المؤهلات العليا في الوظيفة 1، 2 والمؤهلات المتوسطة والفنيين في الوظيفة 2، 3. وطالما ان الباب مفتوح للجميع فان مبلغ 20 جنيه لن يكون عقبة في التقدم للوظيفة لكن لو علمنا ان نصف موظفي القطاع الخاص او اكثر غير مؤمن عليهم اضافة الي ملايين العاطلين من حملة المؤهلات العليا و المتوسطة اضافة الي ملايين العمال الحاصلين على شهادات ابتدائية وما دونها كل هؤلاء يمكنهم التقدم لهذه الوظائف المزعومة فكم يمكن ان يدخل الي خزينة وزارة العدل؟؟ لو تقدم 3 مليون شخص ،وهو رقم متواضع جدا فقد رايت اشخاص تجاوزوا سن الاربعين يلهثون وراء التقديم ، ودفع كل واحد منهم 20 جنيه ستكون الحصيلة 60 مليون جنيه. انتظر لسه .. نفترض ان ال3 مليون فيهم 250 الف بطاقة الرقم القومي لديهم منتهية ونحن نعرف ان المصريين لا يكتشفون انتهاء بطاقتهم الا عند استخراج اي مستند رسمي بالتالي لدينا 250 الف شخص سيدفع مل واحد منهم 15 جنيه مقابل استخراج بطاقة الرقم القومي – سنفترض ان احدا لن يلجأ الي المستعجل ابو 70 جنيه في العباسية بالتالي ستكون المحصلة 250.000 شخص في 15 جنيه يساوي 3.750.000 اربعة مليون الا ربع تقريبا. كل واحد من ال3 مليون متقدم سيحتاج الي استخراج فيش وتشبيه لا اعرف كم تكلفته لكن في المتوسط 5 جنيهات اذا لم نلجأ الي العادي ستكون المحصلة 15 مليون جنيه. خلاص كدا ؟ لا لسه كل واحد من المتقدمين سيرسل طلب الي اقرب محكمة ابتدائية من محل اقامته بالتالي البريد العادي يكلف 1 جنيه تقريبا اما المستعجل او المسوجر فله سعر اخر اعلى اذا هيئة البريد ستحصل على 3 مليون جينه. نسيت ان اذكر ان من بين ال3 مليون هناك اشخاص لا يحملون شهادة ميلاد فسيتضطر حوالي 100 الف منهم الي الوقوف في طوابير السجل المدني للحصول على شهادة ميلاد مقابل 7 جنيه لكل واحد المحصلة 700 الف جنيه تدخل خزينة السجل المدني. مع العلم ان الاعلان قال ان استمارة تقديم الطلب موجودة في المحاكم الابتدائية وقد كتب عليها تزوع مجاني لكن اتحدى ان يحصل عليها احد الا بعد دفع اتاوة لا تقل عن 5 جنيه وقد انتشرت الاستمارة في مكاتب التصوير المجاورة للسجل المدني والمحاكم ، نفترض ان مليون ونصف شخص سيشتري الاستمارة ب5 جنيه اذا المحصلة 5.5 مليون جنيه هذه المرة ستدخل جيوب العمال والفراشين في المحاكم والمواطنين الناصحين في الاكشاك ومكاتب التصوير. صحيح ان الوزارة وضعت الاستمارة على موقعها الالكتروني واتاحتها للمواطن بالمجان لكن الحكومة نسيت ان نصف المجتمع لا يقرا ولا يكتب وان 700 الف مصري تقريبا هم من يستخدم الانترنت ومن بين هؤلاء لا يوجد سوى عدد قليل يملك طابعة لطباعة الاستمارة فور تحميلها وكان من نتيجة ذلك ان ارتفع الترتيب العالمي لموقع وزارة العدل لتحتل المركز 2.526 داخل مصر بزيادة قدرها 70% طبقا لاحصائيات موقع اليكسا، مع العلم ان الموقع لم يتحمل كثرة الزيارات عليه فوقع وخصصت الوزارة رابط جديد لكن بالطبع الدخول عليه صار امرا مستحيلا وهذا في حد ذاته انجاز لفريق الاي تي بالوزارة فقد اصبح موقعهم في مقدمة المواقع التي يقصدها الشعب بعد ان بلغ متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص في الموقع 3.9 دقيقة اذا ربنا وفقه وقدر يدخل. هيا نحسب التكلفة المتوقعة مع العلم انني اعتمدت على الحدود الدنيا للتكاليف ، بسم الله ، 60.مليون قيمة رسوم + 3.750.000 استخراج بطاقات منتهية + 15 مليون قيمة فيش وتشبيه + 3 مليون قيمة ارسال الطلبات بالبريد العادي + 5.5 مليون قيمة الاستمارات المجانية + 1 مليون قيمة الاستمارات التي سيتم تحميلها من النت وطباعتها = 91 مليون و250 الف جنيه. هذا الرقم المتواضع اعتقد انه مرشح للزيادة ليصل الي 5 اضعاف في مقابل ماذا ؟ في مقابل وهم الوظيفة الحكومية . لكن الغريب في الاعلان انه لم يحدد عدد المطلوبين في كل فئة او وظيفة. المريب في الاعلان انه لم يشترط سن معين ولا تاريخ للتخرج. المفزع في الاعلان انه لم يتضمن تحديد ميعاد اعلان الطلبات المستوفاة للشروط بل على المتقدمين متابعة لوحة الاعلانات في المحاكم ، على اساس ان المحاكم فاضية والرجل عليها خفيفة. المؤسف في الاعلان انه لم يشترط خبرة معينة ولا مهارات خاصة في المتقدمين. الاعلان بهذا الشكل يذكرنا بحكاية الفنان نجيب الريحاني في فيلم ابوحلموس حين اكتشف ان ناظر العزبة سجل في الحسابات 39 جنيه و17 قرش و3 مليم قيمة ما صرف في بياض الغرفة البحرية بمنزل حارة قاوين. و18 جنيه تكاليف الخروف . وكلكم يعلم ماذا فعل الريحاني لمضاعفة المبلغ بعد ان لقن ناظر العزبة درسا في اصول النصب وناظر العزبة يقول له : بحبح.. بحبح!! هل نحتاج الي ريحاني جديد ليعلق الجرس في رقاب الفاسدين ؟