"هنكتب دستور جديد" هو ليس فقط عنوان لعرض مسرحي، ولكنه كان هم المواطن المصري وشغله الشاغل منذ انطلاق ثورة 25 يناير، هذا العرض الذي انطلق في أعقاب استفتاء مارس عام 2011، ومازال يعاد عرضه حتى الآن لما حققه من نجاح كبير، وحصوله على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الإبداع الفني والمواطنة. تم عرض المسرحية التي انتجتها فرقة "مسرح الشباب" ضمن عروض البيت الفني للمسرح، في عدة مسارح بالقاهرة وأسيوط والإسكندرية، كما تم إنهاء الموسم الفني الأول للعرض نهاية شهر أكتوبر الماضي على المسرح "العائم" بالمنيل، واستكمل موسمه الثاني منذ 26 أكتوبر وحتى نهاية عام 2013، كما تم عرض مقتطفات من المسرحية منذ بضعة أيام في معرض القاهرة الدولي للكتاب على هامش ندوة "مسرح ما بعد الثورة آمال وتحديات" ضمن البرنامج الثقافي. المسرحية بطولة مصطفى أبو سريع، نجاح حسن، حنان عادل، محمد مهران، سارة إسماعيل، بسمة شوقي، سمر نجيلي، مصطفى محمود، أحمد خالد، أحمد مبارك، إسلام خليفة، منير يوسف، رحاب رسمي. دراماتورج محمود جمال، وأشعار أحمد خالد، ديكور وملابس عمرو الأشرف، استعراضات ضياء محمد، رؤية موسيقية وألحان عمرو جاهين، والعرض فكرة وإخراج مازن الغرباوي . انتهج هذا العرض الأول لمخرجه الغرباوي طريقة المسرح التفاعلي في تناوله لموضوع المسرحية؛ حيث اعتمد على ارتجال الممثلين في الأداء، الذين نجحوا في توصيل فكرة العرض التي عبرت عن عنوانه "هنكتب دستور جديد" عن طريق السخرية من بعض السلبيات أحيانا، وأحيانا أخرى بتقديم مواقف درامية تعبر عن أحلام المواطن المصري في المواد التي يرغب كتابتها في دستوره الجديد الذي يضمن حقوقه، ويحقق العدل والمساواة بين أفراد الشعب. وكأن الفنانين المؤديين للعرض يشرعون في كتابة دستور جديد على المسرح يحقق آمال المصريين. ولم يكتفي مخرج العرض بمحاولة شخصيات المسرحية بنسج دستور جديد، بل جعل المشاهدين يشاركون في ابداء آراءهم في كتابة دستور مصر، وخاصة في اللوحة الأخيرة من المسرحية والتي قامت بالكامل على فكرة الارتجال وصياغة فكرة اللوحة عن طريق سؤال الجمهور عن رغباتهم في المواد الجديدة التي يحلمون بإضافتها إلى دستورهم الجديد, ومن ثم بدء ممثلي العرض في ارتجال اللوحة.| والملفت والجديد في هذا العرض أن المخرج والمؤلف قاما برسم بعض أفكار مواد الدستور ووضعها في قالب درامي في شكل لوحات مسرحية، منها ما يتناول قانون الطوارئ, وغيرها يتناول حرية التعبير. كما ناقشت إحدى اللوحات البنود الخاصة بالتحرش وذلك من خلال بعض اللوحات الساخرة التي تستعرض تلك المشكلة عبر العصور منذ أيام الملوك وحتى الآن. كما تناولت لوحات أخرى عدة عناوين تهدف إلى تقديم حلول للمشاكل التي يعيشها المواطن المصري منها "ابدأ بنفسك"، كما ناقشت لوحة أخرى قضية الكرامة وحق المواطن في العيش بكرامة في بلده. وحملت لوحات أخرى عناوين: "صوتك ثورة وحرية"، "سيادة الشعب"، "حق تقرير المصير"، "إلغاء قانون الطواريء"، "عملك أصدق من قسمك". وطالبت إحدى اللوحات الدولة بالإلتزام بتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين دون التمييز بين رجل وامرأة، بالإضافة إلى بعض اللوحات التي طالبت بحماية المرأة والاعتراف بحقها في التعبير عن نفسها. وكانت هناك لوحة خاصة بأم الشهيد، وأخرى عن فتاة ليل استخدمها المخرج والمؤلف للاسقاط حول بعض السلبيات التي نعيشها في مجتمعنا. وبعض اللوحات تم استدعاء المشاهدين فيها لمشاركة الممثلين بالغناء والشعر ضمن دراما العرض بشكل غير مخل بالنص الأصلي. وبجانب بساطة فكرة العرض وقربها الشديد من المواطن المصري؛ حيث أن مضمون العرض ما هو إلا ترجمة لأحلام المواطنين, اعتمدت المسرحية على البساطة في باقي عناصرها الفنية من ديكور وملابس وموسيقى وأسلوب في الإخراج. فجاء الديكور في شكل بسيط وبأسلوب المسرح الفقير والذي يوصل فكرة العرض بأبسط الأدوات والإكسسوارات بشكل جيد لا يقلل من قيمة العرض ولا يلاحظ المتفرج ذلك؛ فكان الديكور عبارة عن خلفية سوداء مرسوم فى بعض اجزائها شكل رمزي لكتاب الدستور, وفي أجزاء أخرى منه نجد بعض العبارات التي تمثل موادا من الدستور التي تحقق مبادئ الثورة في العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وغيرها من المواد. ويقوم ممثلي العرض بالمشاركة التفاعلية بعد كل لوحة بإضافة مادة جديدة من مواد الدستور إلى ديكور المسرح يتم لصقها في بعض الأماكن الخالية على هذه الخلفية السوداء. أما عن ملابس العرض فلم تختلف في بساطتها عن ديكور العرض؛ حيث ارتدى جميع فريق العمل ملابس سوداء اللون، عبارة عن بنطلون أسود وتي شيرت أسود مثبت عليه فى منطقة الصدر مادة الدستور التي يتم استعراضها وذلك عن طريق شريط سهل اللصق؛ حيث يقوم الممثلين بنزع مواد الدستور من على صدر التي شيرت في نهاية كل لوحة وتثبيتها ضمن ديكور المسرح في أماكن خالية وبشكل عشوائي. ووفقا لبساطة الديكور ذو الخلفيات السوداء والملابس السوداء جائت اضاءة العرض بسيطة أيضا وعميقة في تأثيرها الدرامي، لم تعتمد على الإبهار، لكن بساطتها خدمت معظم لوحات المسرحية والتي كانت عبارة عن استوديو تليفزيوني لمذيع هو نفسه بطل العرض مصطفى أبو سريع أو مراسل خارجي لنقل التقارير, أو استعراض مادة من مواد الدستور والتي هي عبارة عن لوحة سوداء مكتوب عليها باللون الأبيض والتي كان يستخدم لها الضوء فوق البنفسجي (الالترا فايلوت) في بعض الأحيان. أما عن موسيقى العرض فكانت عبارة عن عزف حي على آلة "الكمان"، والتي يعزف عليها الفنان نوار مجدي عبيد، والذي قام مخرج العرض مازن الغرباوي بتوظيفه ضمن شخصيات العرض ليعبر وبشكل تفاعلي عن كل لوحات العرض, فجاء العزف بشكل حي ودرامي من على خشبة المسرح. وعن اسلوب إخراج وتقديم العرض فقد اعتمد مخرجه على اسلوب المسرح الارتجالي التفاعلي بشكل كبير، فكان ممثلي العرض يخرجون أحيانا من كواليس المسرح بالاسلوب التقليدي, أو يأتون من بين المتفرجين في أحيان أخرى مما يزيد من حميمية العلاقة بين الممثل والمشاهد. ويتبع المخرج اسلوبا جديدا في نهاية كل ليلة عرض بتوزيع ورقة بأسماء اللوحات على كل مشاهد لكي يبدي رأيه فى المسرحية ولوحاتها وبذلك يتم إعادة ترتيب اللوحات كل ليلة بناء علي رأي الجمهور واختتم مازن الغرباوي عرضه باسلوب جديد أيضا في تحية الجمهور يتماشى مع طبيعة ديكوره البسيط ذو الخلفيات السوداء، والملابس السوداء أيضا، واستخدم حروف اللوحات التي كانت تتناثر عبر أرجاء خلفية المسرح من خلال إعادة لصقها على صدور الممثلين مرة أخرى، وإعادة ترتيب نجوم العرض ليشكلوا بأجسادهم من خلال الإضاءة الفوق بنفسجية اسم المسرحية "هنكتب دستور جديد"، فيتفاجئ الجمهور بنهاية العرض وعودته من حلم مشاركته في كتابة الدستور إلى الواقع، وأننا بالفعل كنا منذ شهور قليلة بصدد كتابة دستور جديد.