يوقع اليوم الشاعر والمترجم محمد ابراهيم عيد، كتابه الجديد "تحولات جمهورية الوعي" الصادر عن الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة، وذلك بجناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي تصريح خاص ل"محيط" أشار "عيد" إلى أنه في ظلّ هذه التحولات الثورية التي تغمر بلادنا ومنطقتنا العربية، تبث الثورة لهيبها في النفوس، ووميضها في العقول، وتتقمّص قميصها في الروح؛ ولأن منطق الحكمة قد تناهى إلى منطق الجنون أحياناً، وضرَبَ العبث بمذراته في كلّ شيء حتى اختلط الحابل بالنابل، والثوريّ بمناهض الثوريّ، والجادّ الصارم بالحادّ الأهوج، لربما ينبغي أن تكون الآن للشعر كلمة. مضيفا أنه سعى من جهته لأن تتعدّد نصال هذه الكلمة لتحضن عدداً كبيراً من الشمائل، سواءً من جهة الشعراء في قارات الأرض كلها تقريباً، أو باستعراض نماذج مختلفة مستنيرة من الشعر العالمي، خدمةً لإسار الجمال بأطيافه المختلفة ودعماً للمقاومة وزلفى للتائقين إلى السُلوان. ويقول : حاولتُ في تقسيمي الثلاثيّ "الجماليّ"، في هذا الكتاب، طرح نماذجَ مشهورة وأخرى غُفلٍ لم يقدّمها أحدٌ للقارئ العربيّ من قبل. فاخترتُ بالقسم الأول (من أوربا)، بعض حاملي جائزة نوبل في الآداب (جنتر جراس، شيموس هيني، فسلافا شيمبورسكا) استعراضاً لبعض منجزهم الشعريّ الباهر، مع (د.ج. إنرايت) وهو أحد حاملي الشعلة بعد ت. س. إليوت في بريطانيا، و(جونار أكليوف) الصوفيّ السويدي الذي تعاطى مع الثقافة العربية والفارسية بحسٍ حداثيّ، وأضفتُ إليهم نموذجين (من الصرب والبوسنة) تدليلاً على نبوءة الشعر حول ما دار بينهما من صراع دامٍ فيما بعد. ولم يفتني تقديم نموذجٍ فذٍّ غرائبيّ هو (البرتغاليّ فرناندو بيسوا) الذي كتب بأربعة أسماء مختلفة التوجهات الشعرية، أو "أقنعة" كما كان يُطلق عليها. واخترتُ بالقسم الثاني (من أمريكا)، شاعرة صوفية (إميلي ديكنسون) التي توفيت وهي لا تعلم أنها شاعرة بل شاعرة كبيرة، وشاعرة الاعتراف بالغة الحسيّة (آن سكستون) التي طرحت نموذجاً للتعبير الشعريّ المستجدّ في التعامل مع الأساطير بلمسة شخصية، وأبرز شاعرات أمريكا التي توفيت مؤخّراً (أدريان ريتش) التي ترتكب تقنيات عالية في المجاز الشعريّ. كما قدمتُ أربعة من مناهضي الثقافة الأمريكية (برغم كونهم أمريكيين)، سواء (شارلز بوكوفسكي) الذي يندّد بالأطر الشكلية ويصدم بإفراطه المجازيّ الحالة الثقافية الأمريكية، أو أشعار (الهنود الحمر) التي تطرح الماضي التليد بأيامهم السالفة مقابل الحاضر الأثيم بآلامهم الحالية، أو (أميري بركة) الذي ينافحُ عن قيم الزنوج بصورة عدوانية حتى ليدعو لقتل البيض الأمريكيين الذين انتهكوا أرواحهم بصورة مُستذلّة وهو المسلم الذي يهاجم إسرائيل أحياناً، أو (ألن جنسبرج) الفذّ عرّاب جماعة "beat generation"، الذي يقدّم نشيداً طليعياً مناهضاً لأمريكا، موازياً لما فعله والت ويتمان في أواخر القرن قبل الماضي وأول القرن الماضي، حيث يصرخ جنسبرج: "أمريكا، لا أتحمّل عقلي، فمتى تنتهين من حروب البشر؟" أما القسم الأخير (قارات أخرى)، فاخترتُ فيه مزيجاً من شعراء الصوفية والمقاومة، فقدمتُ (سولجنيتسن) المعارض لديكتاتورية النظام البائد في روسيا ضد قهر روح الإنسان، في مقطّعات من "قصيد النثر" والتي تظهر ربما في العربية للمرة الأولى، واقتطفتُ ديواناً شعبياً شهيراً لشاعر "داغستان بلدي" من جورجيا (رسول حمزاتوف) والذي يسطّر فيه توقيعات عن أصول البادية وشروط الإنسانية في عمومها الأزليّ، ولا يسعني أن أتأبّى على استضافة (مولانا جلال الدين الرومي) في نشيدٍ إشراقيّ راقٍ وهو الذي ترجمتُ من قبل بعضاً من رباعياته التي أهداها لروح القطب شمس الدين التبريزيّ، كذلك عطفتُ إلى الشرق، فترجمتُ نماذج باهرة من (الشعر الأفغانيّ المعاصر) تعبّر عن تلك الروح المستضعفة أمام غولٍ غربيّ شرسٍ يسعى لتدمير كلّ شيء دون حساب. وتوالت بعدئذ نماذج شعرية متألّقة (من جنوب إفريقيا) و(من الهند) و(من جزر الكاريبي)، في سعي من جهتي لتقديم نماذج من الثقافات المقهورة التي أطاحت بأُطرها الثقافية فظاعات الكولونيالية التي "تخبز لنا المرارة" دائماً. وهكذا تراني قد اخترتُ تقريباً بين ثلاثة مناحٍ فنية: شعراء مقاومة إنسانية، شعراء مقاومة صوفية، وشعراء مقاومة جمالية. وبين هذا الثلاثيّ تدور القصائد جميعها، بدرجةٍ أو أخرى. عساي أكون قد قدّمتُ بها إليكَ، أيها القارئ الكريم، قوسَ قزحٍ شعريّاً بتحولات متباينة هنا وهناك، كأني بعباءة درويشٍ أدقّ نواقيسَ الزمنِ، بين ذئابِ الوَحشة، كي لا تتأسّى على نفسكَ فلا نريدُ سوى الشمس.