يحاول جاريد دايموند في كتابه "الانهيار- كيف تختار المجتمعات السقوط أو النجاح"، تحليل الأسباب التي أدّت إلى تداعي وانهيار بعض المجتمعات الأخرى، ليس فقط القديم منها بل أيضا بعض المناطق الأحدث مثل رواندا، ليس بالضرورة وراء كل انهيار مجتمع سبب بيئي، لكن صدى الانصهارات البيئية وانهياراتها عادة ما تكون المحفّز الرئيسي لذلك، لاسيما لو اتحدت مع استجابة المجتمع، أو تجاهله، للكوارث الوشيكة. يسوق دايموند أمثلة تاريخية دالّة تكرس أن العوامل البيئية والعوامل الاقتصادية كلٌّ واحد لا ينفصم، ويقول إنه يأمل، من خلال كتابه، أن "يلكز" الذاكرة الجمعية كي نتجنب السقوط في القياسات الزائفة أو نسيان التجارب السابقة حتى ننقذ أنفسنا من إمكانيات التدمير الكامنة داخل الأرض ومحتملة الحدوث. يطرح الكتاب تساؤلا كيف يمكن لعالمنا أن يتفادى ما يمكن أن نسميه الانتحار البيئي؟ قضية انقراض الحضارات كنتيجة حتمية للتضارب والصراع والتناقض الحادث بين طرائق وأساليب الحياة التي مارستها تلك الحضارات بالفعل من أجل أن تكرّس وجودها الاجتماعي وبقاءها، وبين طرائق وأساليب الحياة التي كان من المفروض أن تتبناها من أجل أن تكرّس وتحمي وجودها البيولوجي. في القسم الأول يسلط جارد الضوء على الحضارات القديمة: المستعمرات الإسكندنافية في جرينلاند، وسكان الجزر الشرقية، سكان أمريكا الجنوب غربية، ثم شعب حضارة المايا في جنوب أمريكا، وفي القسم الثاني يوجه الضوء إلى سكان رواندا في العصر الحديث. يحاول جارد تفسير كل شيء في تفاصيله الدقيقة: التاريخ، عوامل البيئة، الجغرافيا والحفريات والآثار، لكي يستجلي أبعاد فكرته من جوانبها المختلفة. ويعزو الكتاب انهيار هذه المجتمعات إلى كونها لم تتبين في وقت مبكر محدودية المصادر الطبيعية والبيئية المتاحة، ويقوم المؤلف بتعريف العوامل المجتمعية السلبية التي قد تُعزى لدورات الأرض، مع ترك الباب مفتوحًا لتلك العوامل التي لم تُكتشف بعد، وكذلك العوامل التي قد يكون الإنسان ذاته مسؤولا ومتورطا فيها.