" أن تكون شاباً وعربياً في أمريكا" .. قصص حية بكتاب غلاف الكتاب محيط – رانيا صالح عن دار بنجوين برس للنشر في نيويورك صدر مؤخرا كتاب للصحفي مصطفى بيومي بعنوان " كيف تشعر ولديك إحساس أنك مشكلة .. أن تكون شابا وعربيا في أمريكا " ، وفيه يؤكد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تسببت في إحداث شرخ عميق داخل جسد المجتمع الأمريكي بعد أن ظهرت وبنسبة كبيرة مظاهر الاضطهاد والتمييز ضد المواطنين الأمريكيين من ذوي الأصول العربية. يسرد بيومي في كتابه قصصا لسبعة من الشباب العربي الأمريكي في العشرينات من العمر ويعيشون في " بروكلين " من خلال حوارا أجراه معهم ناقش فيه جوانب من حياتهم وكفاحهم ومعاناتهم من أجل الاحتفاظ بهويتهم. المؤلف هو أستاذ مساعد بكلية بروكلين بجامعة ستي بنيويورك. ولد في زيوريخ بسويسرا ونشأ بكينجستون بكندا. يعمل حاليا كمحرر لميدل ايست ريبورت، كما نشر له العديد من المقالات في عدد من الدوريات الأكاديمية الدولية وفي العديد من الصحف بأنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية. يبدأ الكتاب بسرد قصة رشا التي تركت بلدها سوريا وهي في عمر الخمس سنوات لتعيش بالولاياتالمتحدة، ورغم أنها عادت لسوريا بعض السنوات في طفولتها فقد ظلت تحلم بحياتها السابقة وبالفعل تمكنت الأسرة من معاودة الحياة بأمريكا عبر وسيلة قانونية . ولكن تنقلب حياة الأسرة الهادئة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ؛ ففي احدى ليالي فبراير من عام 2002، تم اقتحام منزل الأسرة من قبل قوات من الجيش ومكتب الهجرة ومكتب التحقيقات الفدرالية ال اف بي آي ، كان أفراد الأسرة نائمين وتم اعتقالهم جميعا وترحيلهم مكبلين بدعوى التحقيق معهم فيما إذا كانت لهم صلة بجماعات ارهابية، وتم إيداع رشا ووالدتها وأختها بسجن خاص بالنساء في حين تم ارسال والدها وشقيقها الأكبر لسجن الرجال وأما أخيها الأصغر فقد تم ارساله لمركز احتجاز الأحداث. تحكي رشا تفاصيل اعتقالهم وكيف تعامل الضباط معهم بعجرفة ، وكانت أجسادهم تنتهك بحجة التفتيش الذاتي والتصوير الفوتوغرافي وكم كانت الزنزانة قذرة مثل مختبر فئران التجارب التي يمكن مراقبتها عبر حاجز زجاجي ، ومن هنا يفقد السجين الشعور بإنسانيته ويتملكه اليأس الشديد ، الحالة التي وصلت برشا لمحاولة الإنتحار . وتم الإفراج عن رشا وأسرتها بعد ثلاثة أشهر بعد تجربة مريرة أدت بشقيقتها لأن تلجأ للمعالج النفسي. عربي يحارب عربا يستعرض الكتاب تجربة " سامي " وهو لأب فلسطيني وأم مصرية ، نشأ في الولاياتالمتحدة وليس لديه أية ميول سياسية خاصة عندما يتعلق الأمر بالاضطرابات في المنظقة العربية . كان يقضي معظم وقته بالمدرسة ويعمل بوظيفتين بالليل. بحلول ربيع عام 2001 وبعد انتهاء العام الدراسي، اتصل به مكتب التجنيد للبحرية الأمريكية مما شجعه على خوض التجربة والتقدم للتجنيد نظرا لحاجته للعمل ، فقد وعد بمرتب مجز وبالسفر حول العالم. كانت الاستعدادات تبذل كل يوم لنقل الجنود والمعدات الى الخليج العربي للتمهيد لحرب العراق. وأصبح سامي أكثر قلقا، فلا أحد يعلم بحقيقة أصوله العربية ، كان الجميع يعتقد بأنه من أصل أسباني. بعدها أخبر سامي قادته بأن لديه مشكلة وهي تضارب المصالح ؛ فهو عربي وبالتالي لا يمكنه القتال ضد شعبه ، وكانوا يلتفون عليه بحجج مثل أنه مسيحي وسيحارب مسلمين ، وبالتالي فهو ليس واحدا منهم ، وبالفعل تم تجاهل إلتماسه تماماً. عبر سامي وفرقته الحدود إلى العراق، ورأوا عددا من أطفال الفلاحين وأسرهم على الطريق في حالة مزرية من الفقر. شعر سامي بالعطف تجاههم وخشى من هذا الشعور كثيرا. بعد الغزو توافد عدد من المترجمين العرب المدنيين الذين جاءوا من الولاياتالمتحدة واستخدموا من قبل الجيش للتواصل مع العراقيين وانضم سامي لهم ، الأمر الذي أسعده لأنه مكنه من القراءة كثيرا عن العراق ومحادثة أهلها بالعربية . على الرغم من ذلك كان سامي مقتنعا تماما بشرعية حرب العراق – حسبما أفهمه قادته الأمريكيون – ولكن هذه القناعات انهارت تماما أمام فيلم مايكل مور " فهرنهايت 9 – 11 " الذي شاهده بصحبة مجموعة من الجنود في المعسكر . أدرك سامي هنا أنه جاء لتحقيق مكاسب شخصية لمجموعة ما فحسب . وبعد أربعة سنوات من الخدمة في البحرية الأمريكية عانى سامي كثيرا بعد أن تعمق لديه الإحساس بعروبته. حفلة الرقص المدرسية ضمن التجارب التي يعكسها الكتاب لشباب عرب يعيشون بأمريكا ، نقرأ عن " ياسمين " وتعيش في بروكلين أبوها مصري مسلم وأمها فلبينية كاثوليكية وقد اعتنقت الاسلام فيما بعد. التحقت ياسمين بمدرستين اسلاميتين للفتيات بنيو جيرسي حتى الصف السابع. أراد والدها تعليما أفضل لها فألحقها بمدرسة ثانوية خاصة متميزه ببروكلين ، وما لبثت ياسمين أن تميزت داخل مدرستها الجديدة، كما رشحت نفسها في انتخابات الطلبة لبرنامج القيادة. كان ينافسها على منصب السكرتارية فتاة جميلة روسية وفتى يوناني ذو شهرة واسعة بالمدرسة. رأت ياسمين التي ترتدي الحجاب بأنها لا تملك مظهرا يستطيع أن ينافس أي منهما. الا أنها فوجئت بفوزها وعلمت أن الطلبة العرب والمسلمين بالمدرسة قد أعطوها صوتهم وأخبروها بأنهم فخورين بها. نظمت المدرسة حفلة الرقص المعتادة وأخبرت ياسمين منسق شئون الطلاب عن عدم رغبتها في الحضور لأن هذه الحفلة تخالف معتقداتها. الا أن منسق شؤن الطلبة أخبرها بأن منصبها يلزمها بحضور جيمع المناسبات المدرسية بما فيها حفلات الرقص وان لم تفعل فليس أمامها غير الاستقالة. شعرت ياسمين بالضعف والهزيمة والغضب وقامت بكتابة خطاب استقالة رسمي موضحة فيه بأنها اضرطت لذلك نظرا لعدم قدرة النظام على فهم التزاماتها الدينية. قررت ياسمين أن تكافح لاسترجاع حقها قانونيا ، أصبحت تقضى عدة ساعات بعد المدرسة في المكتبة العامة ببروكلين تقرأ في كتب القانون والحريات المدنية والحقوق القانوينة للشباب وتسجل كل ما تجد له علاقة بقضيتها. قررت ياسمين خوض الانتخابات مرة أخرى الا أنها فوجئت بأنهم قد أضافوا شرطا جديدا لاستمارة الترشيح وكأنه وضع خصيصا لها وهو الاقرار بالموافقة على حضور جميع المناسبات التي ترعاها منظمة الطلبة. بعثت ياسمين قصتها الى مجلس العلاقات الاسلامية الأمريكية (كير) الذي كتب رسالة الى مدير المدرسة يناشده في حق ياسمين للترشيح، الا أن الرسالة تم تجاهلها. وبعد عدة محاولات يائسة توصلت ياسمين في النهاية من خلال شبكة الانترنت الى المدافعين عن حقوق الأطفال وأرسلت اليهم قصتها. وبالفعل قام محامي تابع لهم باتهام المدرسة بأن سياستها غير دستورية، كما اتهمها بالتمييز. قاومت المدرسة في البداية، ثم ما لبثت أن رضخت وأعادت صياغة سياستها وفقا لمعايير معقولة. وفي عام 2002 أعادت ياسمين ترشيح نفسها مرة أخرى بدون عراقيل وفازت هذه المرة بمنصب الرئيس. أكملت الفتاة فترتها المدرسية بنجاح وحازت على إعجاب الجميع ، حتى أن منسق شئون الطلبة كتب خطاب توصية لها في الترشيح للكليات وكان ذلك لاعتبارات منها " تفانيها لمعتقداتها الدينية والثقافية " وأنها استطاعت أن تقود المدرسة من مجرد مناخ من التسامح الى مناخ من التفاهم والقبول. عنصرية وتضامن يتحدث الكتاب عن شخصية "أكرم" وهو شاب فلسطيني يعيش بأمريكا ، يحب الفكاهة والمرح . يعمل ببقالة والده والتحق بمدرسة ادوارد مورو الثانوية ببروكلين. المدرسة عبارة عن أربعة طوابق ضخمة ولها جغرافيا سياسية خاصة بها. فالطابق الثاني خصص لذوي الأصول الأسبانية، أما الطابق الثالث فخصص للطلبة الروس والأفارقة الأمريكيين ومتعددي الأعراق بما في ذلك الباكستانيين والسود والعرب واليهود والفلبنيين. اعتاد أكرم ارتداء الكوفية الفلسطينية على كتفية وهو ذاهب للمدرسة ، وحكى عن معاناته النفسية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فهو يتذكر مثلا أن المدرسة طلبت من كل طفل في فصله أن يفصح عن ما يشعر به تجاه الهجمات. هنا اعرب الأطفال عما يجول بخاطرهم بدون علم مسبق بكون أكرم عربيا. وصب الأطفال غضبهم على العرب وناشدوا بقتلهم جميعا. لم يتمالك أكرم نفسه ولم يستطع السيطرة على دموعه وصرخ طالبا منهم أن يكفوا. كما يحكي أكرم عن الرعب والقلق الذي تملك أسرته بعد أن تم قتل عدد من مالكي البقالات من العرب والمسلمين على يد مدنيين أمريكيين أخذا لثأر ضحايا الهجمات الارهابية ، إلا أنهم فوجئوا بالعديد من زبائنهم يمرون عليهم ليس بنية الشراء إنما للإطمئنان والسؤال عليهم ، وزبائن آخرين طالبوا المارة بالكف عن الشراء منهم . خلافا لكثير من الشباب المسلم في بروكلين ، لم يصبح أكرم أكثر تدينا بعد الهجمات. ولكنه قرر أن يترك الولاياتالمتحدة ويتجه الى دبي. فدبي أصبحت الحلم الجديد للعديد من الشباب العربي الأمريكي ؛ فهي بالنسبة لهم أرض العجائب التي تضم ناطحات السحاب الزجاجية وملاعب الجولف والغابات الخضراء والجزر الاصطناعية. إعلامي عربي قصة " عمر" مختلفة ، ولد لأب فلسطيني مسلم ولأم تشيليه مسيحية وحصل على بكالوريوس في الاتصالات وأتم تدريبه في أهم المنظمات الاعلامية في العالم ومنها "الجزيرة". كانت مشكلته أنه كلما أرسل سيرته الذاتية للعمل بإحدى المنظمات الإعلامية داخل الولاياتالمتحدة يجد تجاهلا واضحا ، ثم أدرك أن مشكلته مع العمل كإعلامي في أمريكا أن أصله عربي وأنه تلقى تدريب في منظمات عربية تعتبر " إرهابية " بنظر إعلاميين أمريكيين . بدأ اليأس يعرف طريقة الى نفس عمر فما كان منه إلا أن فتح سيرته الذاتية أمامه على شاشة الكمبيوتر وبعد أن تمعن فيها لبرهة، ما لبث أن أختار كلمة "الجزيرة" ثم ضغط على أمر "حذف" ! . خديعة وقصة أخرى لفتى يدعى " رامي " ولد لأبوين فلسطينين في عمان بالاردن وانتقل الى الولاياتالمتحدة وهو ذو ثمانية عشرة شهرا ونشأ في بروكلين. وأبدى موهبة رياضية ومستقبلا مشرقا وهو في سن مبكرة، ونظرا لتفوقه ألحقه والده بإحدى مدارس نيويورك المتميزة أكاديميا. كافح والده كثيرا حتى تحقق حلمه بامتلاك متجرا ببروكلين لتصبح حياتهم والتزاماتهم المادية أكثر استقرارا عن قبل. الا أنه بعد هجمات سبتمر الارهابية، ركزت السلطات بشدة على المتاجر المملوكة للعرب خاصة في مجتمعات الطبقة العاملة في بروكلين وكوينز ومناطق من نيو جيرسي، لقناعتها بأن هذه المتاجر تمول الإرهاب الدولي. وبحلول منتصف عام 2002، زرعت السلطات مخبرا عربيا أردنيا بين المتاجر ، والذي كان يحرر لهم شيكات بدون رصيد ، من ثم بدأ يعرض عليهم الحصول على أسلحة. بعد حوالى ثمانية أشهر، بعد انتشار الشائعات تحركت الشرطة والقت القبض على جميع الرجال بما في ذلك والد رامي. وخلال فترة احتجاز والده ، وجد رامي في نفسه حنينا لدينه لم يعتده من قبل، فاقبل على الصلاة والاستماع الى تلاوة القرآن وفهمه من خلال قراءة الترجمة الانجليزية له. وبعد مضي عدة أشهر أفرج عن الوالد وعاد لرامي لاهتماماته الرياضية وانشغل عن دينه مرة أخرى ، ولكنه فوجيء بأمر اعتقال مرة أخرى للوالد ، وكانت عودة رامي مجددا لدينه والتحق برابطة الطلاب المسلمين بالكلية وكثرت أنشطته الدعوية. جسد بيومي في كتابه من خلال هذه القصص الانسانية السبعة معاناة الشباب العربي الأمريكي الذي كشفت له أحداث سبتمبر مدى سطحية اندماجه في نسيج المجتمع الأمريكي مما أيقظه من شبح "الحلم الأمريكي" ودفعه للتشبث بجذوره العربية التي بالكاد كان يعرفها وللتمسك برموزه والاحتماء بالدين تحديا للتمييز العرقي ضده وبحثا عن هويته الضائعة.