الأمريكي يتعجب من العربي دائماً .. ولنحذر من النازيين الجدد غريب المنسي محيط – مي كمال الدين "غريب المنسي" .. اسم معروف في عالم الكتابة الصحفية محليا وعالميا ، فهو مثقف مصري ورئيس تحرير جريدة "مصرنا" الصادرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية عن المركز الأمريكي للنشر الإلكتروني . دفعنا للقائه مقالاته التي عُرف بها في الخارج والداخل ، وكانت بوابة لرؤية العالم العربي ومصر بالأخص بشكل أعمق وأصح ؛ فهو بارع في تحليل مشكلاتنا المزمنة وإلقاء الضوء على حلولها . في حواره ل"محيط " تحدث "المنسي" عن مشواره ، وأضاء نقاط عدة مثل نظرة الامريكيين للعالم العربي ، أزمات حرية التعبير ، شبهة الإرهاب التي يتهم بها كل مسلم ، مشاريع الرئيس الأمريكي أوباما ، كما تطرق الحوار للنازيين الجدد وثقافة الهزيمة التي مني بها العالم العربي .. محيط: باعتبارك رئيس تحرير جريدة تصدر من أمريكا، كيف ينظر الشعب هناك للعالم العربي ؟ المنسي: هناك عملية سوء فهم من الطرفين, فالمواطن العربي يعتقد أن المواطن الأمريكي مواطن مميز لديه سيارة ومنزل وزوجة جميلة وأطفال سعداء وحصان وكلب وحساب بنكي لا ينفذ . هذه الصورة الدعائية التي يعتقد فيها العرب عن الغرب عموما ، ولكن لو اقتربنا قليلا إلى الصورة الواقعية لوجدنا أن المواطن الأمريكي هو مجرد إنسان واعي متعاقد مع الدولة بعقد رسمي ، وهذا العقد الاجتماعي من شروطه أن يعمل المواطن بجد وأن يدفع ضرائبه التي تستخدمها الدولة في بناء الطرق والمدارس والمستشفيات وفى هذا العقد يحق للمواطن أن يتبرم على الحاكم وأن يأتي برئيس جديد كلما سنحت له الفرصة حتى يتم تجديد خلايا الدولة بانتظام. ولا يوجد هناك مكان للصوص والأفاقين, فالكل يعمل هنا من أجل أن يكون هناك نظام سياسي واجتماعي واقتصادي قادر على مواجهة التحديات والتغيرات التي تطرأ على المجتمع. وهذا هو سر راحة المواطن الأمريكي الذي يعمل ويكد يوميا ضعف المواطن العربي المحاصر بنظام سياسي واقتصادي واجتماعي عفى عليه الزمن !! ومحاصر بقيادات سياسية فرضت عليه من المهد إلى اللحد. ومن هذا المنطلق ينظر المواطن الأمريكي لنظيره العربي ولسان حاله يقول:" كان الله في العون!!" ولكن لماذا انتم صامتون على كل هذه الأمور ؟ لابد أن تغيروا من أوضاعكم بأنفسكم. وبصراحة ينظر الأمريكي للعربي بعيون الاستغراب. محيط: ما هي ملامح حرية التعبير الغربية..هل هي مطلقة فعلا ؟ المنسي: حرية التعبير في الدستور الأمريكي هي حق مكتسب لكل مواطن ويمكن لأي إنسان أن يتحدث عن أي موضوع في أي وقت كيفما يشاء ولكن هذه الحرية نسبية وليست مطلقة ؛ فالمواطن في الولاياتالمتحدة محاط بكل أنواع القوانين التي اسميها "قوانين ايجابية " وفى نفس الوقت وبنفس الحجم محاط بكمية" قوانين سالبة" مهمتها هي خلق توازن بين حرية الفرد والمجتمع والفوضى المنظمة التي قد تنشأ نتيجة استخدام هذه الحرية بطريقة غير ملائمة. ولكي نتفهم طبيعة هذه الحرية لابد من النظر بدقة إلى طبيعة النظام الرأسمالي الحر والذي جعل الحلم الأمريكي واقع وليس خيال, فمثلا يمكن لأي إنسان في الولاياتالمتحدة قانونيا أن يصل إلى قمة تخصصه سواء كان سياسيا أو تجاريا وخير دليل على ذلك هو عملية إعداد ووصول أي رئيس أمريكي للبيت الأبيض. أما على المستوى الشخصي فمفهوم الحرية يختلف من بيئة ثقافية إلى أخرى.. ففي حين يرى العرب مثلا أن هناك مناطق شائكة حمراء لا يستطيع أي إنسان من الاقتراب منها تحت بند الأمن القومي، يرى الغرب أن النقد لنفس هذه المناطق الحمراء هو في صالح الأمن القومي نفسه لأنه يسلط الأضواء على شخصيات معينة في مواقع المسئولية وبالتالي يجعلهم مراقبون من الرأي العام وهنا تقل حدة التسلط والاحتماء بالموقع والجلوس فوق القانون. أوباما محيط: أوباما ..هل يقود رياح تغيير جذرية، وهل يحق للعرب التفاؤل بتوليه الحكم؟ المنسي: لا يستطيع أي رئيس في الولاياتالمتحدة أن يقوم بعملية تغيير جذرية في المجتمع الأمريكي وهذا يعود لعدة أسباب منها: قصر المدة الزمنية التي يقضيها الرئيس في الحكم، وثانيا أن الولاياتالمتحدة دولة مساحتها الجغرافية كبيرة وفيها تتعدد الأجناس والأعراق والاهتمامات والأمزجة مما يجعل من الصعب على أي رئيس مهما بلغت قوة شعبيته من الفوز بأكثر من 60% من أصوات ورغبات الناخبين, أضف إلى ذلك أن البنية الأساسية لمكونات الدولة الحديثة قد وصلت لمرحلة الكمال في الولاياتالمتحدة وهذا يجعل من الرئيس مجرد شخص يباشر إدارة سياسات قائمة وليس صنع هذه السياسات من الصفر. ففي حالة أوباما مثلا وظروف مجيئه إلى الحكم لم تكن لرغبة الأمريكان في التغيير من طبيعة الدولة الأمريكية ولكنها كانت لرغبة الأمريكان في إدارة مصالح الدولة بطريقة مختلفة عن الطريقة السابقة ، ولكن تبقى الأهداف واحدة وثابتة ولا يستطيع أي شخص مهما بلغ حجمه أن يتلاعب في طبيعة الدولة وثوابتها ولو حتى لأسباب تكتيكيه. باراك أوباما قد يكون هو رجل العلاقات العامة المطلوب لتسهيل مصالح بلاده مع العالم وبالذات العالم العربي في هذه المرحلة ولكنه لا يستطيع أن يقوم بالتغيير في الثوابت الأمريكية القومية, وعلى الرغم من انه هو أول رئيس زنجى للولايات المتحدة وعلى الرغم من أن خلفيته الاجتماعية والدينية تختلف كثيرا عن أي رئيس سابق إلا أنه كان الشخصية المطلوبة ليقوم بدور جديد غير معهود من قبل لإعادة الولاياتالمتحدة إلى حظيرة المجتمع الدولي في صورة جديدة وبمبادرة جديدة.. وهو في الواقع مؤدى للدور كالممثل ولا يستطيع أن يغير من الدور المكتوب له ولو حتى بسطر واحد. باراك أوباما هو الرجل المرحلي لهذه المرحلة الصعبة والتي وجدت الولاياتالمتحدة نفسها متورطة فيها..ربما لشدة رعونة اليمين الجمهوري. محيط: هل لازال على العرب في الخارج دفع شبهة الإرهاب عن أنفسهم ؟ المنسي: طبعا..طبعا.. فصفة الإرهاب ستظل معلقة على رقاب العرب لفترة غير قصيرة, والآن وبعد ذهاب بوش " الجمهوريين" ومجيء أوباما "الديموقراطيين " لسدة الحكم بدأت تظهر على السطح المخالفات القانونية الجسيمة في استعمال وتطبيق الدستور الأمريكي على المشتبه فيهم من العرب ، فلقد نجح المحافظون الجدد وتحت عنوان " الحرب على الإرهاب" من النزول بالدستور الأمريكي إلى منخفض شديد الخطورة ، والمناقشات الدائرة الآن في الولاياتالمتحدة تنصب على سؤال واحد وهو: هل يصح للولايات المتحدة أن تنزل لمستوى الإرهابيين في حربها عليهم؟ أم تستخدم القانون وكل آليات الدولة الحديثة في مواجهة هذه الحرب الضروس؟ فجوانتناموا والسجون السرية للمخابرات المركزية حول العالم وطرق التحقيق واستخراج المعلومات من المشتبه فيهم, والتسجيلات التليفونية السرية للعرب في الولاياتالمتحدة لم ولن تخدم النموذج الأمريكي في الريادة وأقصد هنا الريادة القانونية . وهنا ظهرت فجوة كبيرة بين الواقع وبين ما هو مفروض. وعملية مراقبة العرب بعد أحداث سبتمبر في الولاياتالمتحدة ليست جديدة بأي حال من الأحوال على نظام الأمن الأمريكي ، فكلنا يعرف الآن أن المباحث الفيدرالية كانت تتجسس على المواطنين الأمريكيين في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تحت دعوى" محاربة المد الشيوعى" ولكن بطرق سرية. ولكن بالنسبة لمحاربة الإرهاب فلقد كانت هذه الحرب تدار بطريقة معلنة ومعظمها يتنافى مع روح الدستور الأمريكي الذي يعطى للإنسان حريات كبيرة, هذا الدستور الذي ساعد الولاياتالمتحدة في أن تطلق على نفسها وبكل بساطة أنها "زعيمة العالم الحر.." . هتلر محيط: تحدثت بمقالة عن "النازيين الجدد" بأمريكا.. فمن هم وما دورهم حاليا ؟ المنسي: الفكر النازي لم يزول بزوال هتلر كما يعتقد البعض. والواضح أن هذا الفكر استخدم فترة الكمون التاريخي وصعود الولاياتالمتحدة وتفكك الاتحاد السوفيتي ليؤصل أفكاره من خلال شبكة واسعة من المفكرين الألمان. فكما نعرف جميعا أن التقدم العلمي الذي وصلنا إليه اليوم في الاقتصاد والتسليح وغزو الفضاء وغيره كلها معلومات كانت موجودة بالفعل في مراكز أبحاث " النازي" وتمت سرقتها وإعادة تغليفها مرة أخرى واستخدامها بالمناصفة بين روسياوالولاياتالمتحدة في فترة الحرب الباردة بخبراء ألمان. الصعود للقمر وإنتاج القنابل النووية والتسابق المحموم بين القوى العظمى في فترة الحرب الباردة كان في الواقع يتم بعقول ألمانية في روسياوالولاياتالمتحدة. وكانت العولمة هي الفرصة المناسبة لخروج هذه الأفكار مرة أخرى وبطريقة قانونية من خلال الشركات متعددة الجنسيات, فنحن لا نعرف هويات من يديرون هذه الشركات التي تؤثر بشكل مباشر في الواقع الاقتصادي العالمي ولكن هذا التأثير يصل لنا بطرق غير مباشرة ونستطيع أن نراه ولكننا لا نستطيع إيقافه. محيط: كتبت سلسلة مقالات عن "ثقافة الهزيمة" وتداعياتها في مصر .. ما هي ملامح الأزمة وحلولها برأيك؟ فلسفة ثقافة الهزيمة هي تدمير الوعي الفطري والمكتسب لدى المواطن حتى يكون مشوش وتابع. فمن خلال تجربتي الإنسانية يمكنني أن أقول: لا يوجد فروق جوهرية بين البشر في أي مكان وزمان، ورغبة الإنسان للاستمرار وتذليل الطبيعة لخدمة الحياة معروفة, ولكن في دول العالم النامي ومنها مصر وجدت الحكومات والأنظمة السياسية أنه من السهل عليها أن تهزم الشعب نفسيا أولا حتى تستطيع أن تسيطر عليه سياسيا.. والفرق بين المواطن العربي عموما والغربي تحديدا يبدأ من هذه النقطة المهمة فنحن مهمشون في كل شيء وهم مشاركون في صنع حياتهم من خلال أنظمة حكم ديموقراطية. وكما اتفقنا فالديموقراطية كلمة مرسلة لا تمنح لنا ولكن هي في الواقع حق مكتسب للإنسان. يبدأ من التفكير في التغيير للأحسن والتغيير لن يتم إلا إذا كان هناك آلة تساعد على التغيير هذه الآلة تعمل من خلال بناء الوعي العام لدى المواطن في مراحل طفولته وعدم الاستهانة به, يليها حقه في المشاركة في صنع مستقبله وحاضره من خلال المحليات في أصغر قرية وأبعد نجع. ونحن لكي نصل إلى تغيير إيجابي لابد أن يتعلم الأطفال في المدارس أن هناك حقوق وواجبات للمواطن وكلما كانت المسافة بين الحقوق والواجبات معقولة كلما تفانى هذا المواطن في تصليح أوضاعه والإحساس بأنه عضو مهم في منظومة الدولة وهذا لن يتأتى إلا بوجود شخصيات مجردة من الهوى في كل موقع من مواقع التأثير على الجمهور. نعم نحن نفتقد القدوة الحسنة في كل موقع ولابد لنا من التفكير في هذه النقطة بجدية لأنه لن يكون هناك أي تغيير في واقعنا إلا إذا كانت هناك مواطن إيجابي وحاكم إيجابي وعندما يندمج المواطن مع الحاكم في سبيل إصلاح الواقع ستكون النتائج باهرة فالشعوب تضحى من أجل البقاء والشعب المصري معروف عنه التضحية عندما يجد زعيما يستحق الثقة. محيط: ما الذي تفتقده في مصر وأنت مغترب في أمريكا ؟ المنسي: أنا من جيل الثورة ولولا التغيير الذي حدث في مصر بقدوم الثورة لربما كنت مازلت أعمل بالزراعة في القرية. فوالدي كان فلاح محدود الدخل ولكنه مثل ملايين الفلاحين البسطاء كان يملك الأمل والحكمة والبساطة. والثورة أعطت لنا الأمل في غد أحسن وأعطت لرجل مثل والدي وملايين من الآباء المصريون الأمل في غد أحسن لأولادهم, وهنا قفز المصريون واستوعبوا ثقافة النصر وتحولنا جميعا إلى شعب يبنى ويكافح ويتعلم ويناضل من اجل مستقبل أحسن. وهذا أكبر دليل على أن الشعوب يمكن ترويضها ويمكن لها أن تحصد نتائج ايجابية في فترات قصيرة إذا ما أخلصت النية من القيادة السياسية, كل هذا يتوقف على نوع الرسالة ونوع الطلب. أنا لست مغتربا بالمعنى الحرفي للاغتراب فمصر في فؤادي وأنا على يقين من أننا لو وجدنا القيادات المخلصة النزيهة ووضعنا خطط للتطوير متفائلة واعتمدنا على سواعدنا وقدراتنا وخبراتنا لاستطعنا أن نلحق بركب التقدم مرة أخرى.. الفرق يبدأ من محاولة صنع الإنسان وإعطاؤه قيمة والتأكيد على قدراته إذا ماأردنا أن نتقدم أما نشر ثقافة الهزيمة بين الناس لن يؤدى إلا إلى الطريق المسدود.