الرئيس الجديد بعرقه المختلط يمثل التغيير د. معصومة المبارك كل أربع سنوات بالتمام والكمال لا زيادة ولا نقصان يمر على العالم حدث كبير في تفاعلاته، عظيم في تداعياته ونتائجه انه الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتعود أهمية هذا الحدث لما تحتله الولاياتالمتحدة الأميركية ومن ثم منصب الرئيس فيها من مساحة وثقل على المستوى الدولي ومن تأثير ذلك على سير الاحداث الدولية صغيرها وكبيرها، ولا عجب أو مبالغة في ذلك فالولاياتالمتحدة هي القوة الأعظم، وما يحدث فيها أو منها لابد وان تكون له انعكاساته على المجتمع الدولي. حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة تفاعل معها العالم بشكل يفوق الحملات الانتخابية الأخرى، وذلك لانها تحمل في طياتها اموراً مختلفة لا من حيث البرامج الانتخابية والمعالجات المطروحة فيها للقضايا القومية الأميركية والدولية فحسب بل لطبيعة المرشحين الرئيسيين، السيناتور جون ماكين أكبر المرشحين الأميركيين سناً مما يجعلنا نحترم اصرار هذا الرجل اللا نهائي وبتفان لتحقيق الطموح. فهو ابن ال72 عاماً ومازال لديه طموح ومازال يبحث في أجندته عن مستقبل يبذل من أجله الجهد الجيد وهو في هذه السن المتقدمة والتي عادة ما يركن فيها الإنسان للراحة ومراجعة الذات استعداداً لمغادرة الدنيا، فالبرغم من الاختلاف معه في أطروحاته ومعالجاته للعديد من القضايا خاصة تلك المتعلقة بعالمنا واقليمنا تحديداً إلا اننا لا نملك إلا ان نقف احتراماً لإصراره ومثابرته ورفضه الركود والركون للراحة انتظاراً للأجل المحتوم. يعمل ويتحرك وكأنه شاب في مقتبل العمر تملؤه الحيوية والأمل بالمستقبل، كما نحترم هذا الإنسان للخطاب المتزن الذي اعترف فيه بالهزيمة. كلمة حق نقولها لهذا الرجل «ماكين»، ان خطابك بقبول الهزيمة فور ظهور النتائج يعكس احترامك اللامتناهي للديمقراطية ونتائجها وتقديسك لكلمة الشعب، وكم نتمنى ان تكن ذات الممارسة في مجتمعاتنا حيث يسود الهرج والمرج فور اعلان نتائج الانتخابات والطعون «على قفا من يشيل» نعم كنت مقاتلا شرسا خرجت في بعض الاحيان بالضرب تحت حزام خصمك ولكنك كنت نبيلاً في قبولك الهزيمة واعترضت بشكل حاسم وحازم على أصوات الاستنكار الصادرة عن مؤيديك عندما أعلنت لهم تهنئتك للمرشح الفائز وهذا أعطى العالم صورة رائعة عنك حتى مع اختلافهم في الكثير من اطروحاتك اننا نحلم بممارسة راقية مماثلة. اما المرشح الفائز بمقعد الرئاسة للدولة الأعظم «باراك حسين أوباما» فهو يحمل ويجسد شعار حملته الانتخابية «التغيير» بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، نعم هو بعرقه المختلط يمثل التغيير. وهو بلونه الاسود يمثل التغيير وهو بخلفيته البسيطة اقتصاديا واجتماعيا يمثل التغيير وهو بذكائه الحاد وفطنته وسرعة بديهته وجديته اللامتناهية وشخصيته الفائقة الجاذبية يمثل التغيير وهو بتحفيزه للناخبين وحشدهم خلفه ومعه ومن حوله يمثل التغيير وهو بما يحمله من قيم تم طمسها في السياسة الاميركية يمثل روح التغيير وهو باصراره على القفز من الصفوف الخلفية الى قمة الهرم السياسي يمثل بلا شك التغيير وهو بايمانه الراسخ بالحلم الجميل الذي اطلقه الداعية الرائع مارتن لوثر كينغ قبل 45 عاما لدى حلم I HAVE ADREAM يمثل صلب التغيير. بالرغم من طفولته البائسة آنذاك في احياء اندونيسيا لأم اميركية فقيرة واب كيني قرر ترك امه وزواجها من اندونيسي آملة بالاستقرار واذا بحلم مارتن لوثر يتجذر في خلايا باراك الصغير وعقله الباطن دون ان يدري ويترعرع واقعا جميلا بشكل طالب بارع الذكاء في هارفرد ومحام لامع مدافع عن الحقوق التي ضاعت من الكثيرين خاصة بني جلدته وسناتور في مجلس الشيوخ الاميركي وها هو بنهاية يوم 4 نوفمبر 2008 يعلن للعالم التغيير الاعظم في الدولة الاعظم ذات الديمقراطية الاعظم فوز ذلك الطفل البائس ليصبح صاحب المنصب الاعظم رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية ليصبح اول اسود يرأس البيت الابيض فهل بعد هذا الحلم حلم. هذا يجعلنا نؤمن وبقناعة انه ليس للحلم حدود. حلم بالتغيير اطلقه مارتن لوثر كينغ لينغرس في اعماق الملايين من المظلومين والمحرومين وفي اللاوعي لذلك الطفل باراك ونما واخضر وأزهر بشكل قناعات راسخة انتجت مرشحا رئاسيا اذهل الملايين داخل اميركا وخارجها بحماسه اللامحدود وايمانه المتجذر بأن المستقبل الافضل والاجمل لأميركا وللأميركيين بل وللعالم يجب ألا يتحقق الا بالتغيير ونعم نحن قادرون ما اقصرها من كلمات وما أعمقها من معان تحفيزية استطاع من خلالها ان يحرك الناخبين الاميركيين خاصة النساء والشباب فحقق نتائج كاسحة وغير مسبوقة في الانتخابات الرئاسية الاميركية بل وحقق ابعد من ذلك حقق تفاعلا عالميا شعبيا غير مسبوق وكأن الانتخابات حدثت في كل زاوية من زوايا العالم نعم روح التغيير التي حملها باراك خلال حملته الانتخابية رنت اصداؤها في العالم فرددها معه املا جميلا لتغيير واقع بائس مؤلم ودام في العالم نشرته السياسات الاميركية غير الموفقة في بقاع عديدة من العالم وهذا مادفع الكثير من البسطاء في الكثير من دول العالم وكذلك الرؤساء الى ان يعبروا فورا اعلان النتائج عن املهم في ان ينجح الرئيس المنتخب اوباما في إحداث التغيير في اميركا اولا وفي السياسات الخارجية الاميركية التي اصابها الكثير من الخلل واللاتوازن بفعل هيمنة اليمين المتطرف وفكر وسياسات «المحافظين الجدد». وبما ان حلم التغيير هو الذي قاد لهذه النتائج الباهرة وبما ان حلم التغيير ليس قصرا على الاميركيين بألوانهم خاصة اللون الاسود فانه حلم يمتد الى خارج حدود الولاياتالمتحدة ويعبر المحيطات انه حلم انساني بتغيير الواقع البائس الذي يخيم على الملايين كنتيجة مباشرة وغير مباشرة للسياسات الخارجية الاميركية اذا كان الامر كذلك فان من حقنا ان نصرح عن احلامنا بالتغيير ونرفعها للرئيس المنتخب اوباما بعد التهنئة له بالفوز الساحق. اننا نحلم بعالم تملؤه العدالة واحترام مبادئ القانون الدولي وان تقود الولاياتالمتحدة حملة نشر السلام محل تفجير الحروب والتنمية محل الدمار. اننا نحلم بأن يتحول وجه اميركا الدولة الاعظم والذي تحول في الكثير والكثير من القضايا الى وجه قبيح اننا نحلم بأن ينشط الذراع الدبلوماسي للسياسة الخارجية الاميركية ومن ثم الاذرع الدبلوماسية للسياسات الخارجية للدول كافة وتقصر بل وتغل الذراع العسكرية حتى يهدأ روع العالم ويتسيد الحوار بدلا من قصف المدافع ومحارق القنابل والصواريخ. اننا نحلم بأن تتحول مصاريف ونفقات الحروب لنفقات ومصاريف على التعليم والصحة والاستثمار في الانسان ومتطلباته سواء في ذلك الاميركي وغير الاميركي. اننا نحلم أن تنتهي سياسات التدخل الاميركية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة حماية الأمن القومي الاميركي ودعم الانظمة الجائرة في الدول خاصة الصغيرة والنامية وأن يتحول التدخل الى تدخل حميد ذي هدف سام وهو تنمية ديمقراطية حقيقية لا شكلية اساسها الانسان الذي عانى من الظلم واللاعدالة وهو ضحية السياسات الجائرة. إننا نحلم بإعلان إنهاء للحرب العشوائية على الارهاب واعلان برامج عملية اقتصادية واجتماعية للقضاء على مبررات الارهاب (من فقر وجهل وظلم ولاعدالة). إننا نحلم بإعلان حملة حقيقية تتبناها الولاياتالمتحدة لمعالجة الملفات المفتوحة والنازفة والمسببة نزفا للسمعة الأميركية وتمثل وصمة في جبين الانسانية بدءا من الملف الاقدم والأكثر ظلما وتعديا على القانون الدولي والمتمثل بالاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية وغيرها فإسرائيل لكل ذي بصر وبصيرة هي دولة معتدية منذ اللحظة الأولى لنشأتها والفلسطينيون هم شعب معتدى عليه فهل يحق لنا ولهم ان نحلم بلمسة عدالة والتفاتة حق من الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة رجل التغيير (أوباما)، إننا نحلم بذلك رغم إدراكنا صعوبة تحقيق ذلك الحلم لمعرفتنا بطبيعة آلية صنع القرار والدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني وتأثير جماعات الضغط المساندة له على القرار ولكننا نحلم ولا شيء يمنعنا من أن نحلم. ربما وعسى أن التغيير القادم للبيت الابيض ينجح في تغيير وجه السياسات الاميركية وليس فقط لون الرئيس الأميركي. إننا نحلم في منطقة الخليج ان تعمل الادارة الأميركية الجديدة على نزع فتيل التوترات في منطقتنا ومعالجة مبرراتها ومن ثم القضاء على نتائجها المدمرة والمنتجة لمخاطر عديدة لا تقف حدودها عند بوابة الخليج العربي بل تمتد امتداد النار في الهشيم الى مناطق خارجها وابرز مصادر هذه التوترات في المنطقة التي عانت الكثير والكثير من الحروب ونزفت الكثير والكثير من الدمار وبددت الكثير والكثير من الثروات والموارد أقول ابرز مصادر هذه التوترات الإقليمية (الملف العراقي الذي وعدت يا سيد باراك بأولوية معالجته)، والملف الايراني الذي وعدت كذلك بفتح باب الحوار حوله دون شروط مسبقة فبمعالجة هذين الملفين ستفتح آفاق الطمأنينة والاستقرار وتؤمن تدفقا آمنا للنفط وانحسارا للارهاب الذي نعاني منه جميعا. إننا نحلم بأن ينعم اطفالنا بأحلام ايجابية سعيدة تغرس لديهم الرغبة في احداث التغيير الايجابي في العالم بدلا من أن تعصف بهم كوابيس هي صدى لأصوات المدافع ومحارق القنابل والاسلحة المحرمة والتي تغرس لديهم الرغبة في الانتقام. إننا نحلم بأن يبدأ السيد باراك أوباما بأولى خطوات تحقيق حلم التغير بتشكيل ادارته من المعتدلين المتزنين البعيدين عن التعصب المؤمنين بالمبادئ التي حملتها حملته الانتخابية. فهذه الإدارة هي مفتاح التغيير الذي تستهدفه Mr. Obama ، إننا نحلم والحلم مشروع لإحداث التغيير كما حلمت يا سيد أوباما وحلم قبلك الرائع مارتن لوثر كينغ وها هي الأحلام تتحقق لك وللأميركيين فلماذا لا تمتد لكثير من البائسين المظلومين في العالم ولنا وقفة تحليلية لمعالجات الملفات الاساسية التي نرى بأنها أولوية للسيد باراك وفي أعلى قمتها الملف الاقتصادي الذي تعصف به أزمة مالية عالمية تذكر بالكساد الكبير. عن صحيفة الوطن القطرية 9/11/2008