من موسكو إلى واشنطن الطريق إلى الصدام النووي إميل أمين من أفضل ما سطر رجل القانون الأمريكي الشهير فرانسيس.أ. بويل في كتابه “تدمير النظام العالمي في الشرق الأوسط قبل وبعد 11 سبتمبر" قوله إن الاتجاهات الاستعمارية الخارجية الأمريكية لم تتغير منذ العام ،1789 وإن 11 سبتمبر/ ايلول بخلاف الشائع والذائع لم يكن نقطة تحول مرحلي، فمسيرة واشنطن مع “القدر الظاهر" لم تتغير منذ إبادتها للهنود الحمر وصولاً لأنشطتها الآنية من اجل سرقة الإمبراطورية الهيدروكربونية، سواء من الدول الإسلامية أو الآسيوية. ولأنها تدرك تمام الإدراك أن خططها لن تمضي قدماً إلا اعتماداً على ترسانة عسكرية، شأنها شأن الإمبراطورية الرومانية وإمبراطورية الاسكندر الأكبر، اللتين أطلق عليهما الفيلسوف أوغسطينوس في كتابه الخالد “مدينة الله" وصف “أكبر عصابات اللصوص"، لذا فإن السعي الواجب عند رجال إدارة بوش ومن قبلها تركز في حتمية التفوق الأمريكي نووياً، حتى لو أدى الأمر إلى إشعال حروب نووية حول العالم تتجلى بوادرها في الأفق.. لماذا هذا الحديث الآن؟ السبب هو تصريحات وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس مؤخرًا والمتعلقة بالترسانة النووية الأمريكية، التي يجب على حد زعمه أن تزداد قوة في السنوات المقبلة في مواجهة تعزيز القدرة النووية الروسية. ولعل التساؤل: هل الأمر بجديد على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، أم الجديد هو الإعلان صراحة وبشكل مناف ومجاف لكل الدعوات المكذوبة التي تطلقها واشنطن لتحجيم خطر الانتشار النووي حول العالم؟ في السادس عشر من شهر يونيو/ حزيران عام ،2004 رفض مجلس الشيوخ الأمريكي ب 55 صوتاً ضد 42 اقتراحاً قدمه السيناتور ادوارد كيندي ونظيره ديان فينستاين يهدف إلى وضع حد للتجارب حول القنبلة النووية التكتيكية، وقد كثر الحديث عن أهمية هذا السلاح الذي نقل إشكالية استخدام السلاح النووي من دائرة توازن الردع إلى نطاق ممارسة الرعب على الدول غير النووية، سيما وأن تأثيره محدود ويستخدم للوصول إلى المخابئ الأرضية ويقلل من خطورة إبادة المدنيين. وفي هذا السياق كانت مجلة Nuclear Posture Review تؤكد مؤخرا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستحتفظ بالقوى النووية الاستراتيجية المناسبة كي تحذر كل مسؤول أجنبي معاد، يمتلك السلاح النووي الاستراتيجي ويسعى إلى مهاجمة مصالحها الحيوية، وإقناعه بأن فكرة الرغبة في السيطرة النووية أمر مستحيل. هذه السياسة وضعت قيد التطبيق في اتفاقية Presidential Decision Directive 60 الموقع عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1997 من قبل بيل كلينتون، والتي تركت المكان لتدويل أوسع، فعلى المستوى الاستراتيجي أعطت واشنطن الضوء لاستهداف ما تراه “دول مارقة"، ولهذا فإنه لأول مرة تقر القيادة العسكرية الأمريكية استعمال السلاح النووي في ساحات المعارك في حال تعرضت فيه الفرق الأمريكية إلى هجوم كيميائي أو بكتيري. هل من إشارة أوضح إلى أن الحرب النووية الأمريكية يمكن أن تكون اقرب مما هو متصور؟ الإجابة تقودنا، ولاشك، إلى حالة الحرب التي يرى غالبية المراقبين أنها بدت تتجاوز حدود الحرب الباردة القديمة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا ما أشار إليه روبرت جيتس بالتصريح لا بالتلميح عندما قال “يبدو من الواضح أن الروس عندما يلتفتون إلى المستقبل يركزون أكثر على تعزيز قدراتهم النووية"، وأضاف “لذلك وبقدر ما يعولون أكثر فأكثر على قدراتهم النووية تتأكد بالنسبة إلينا أهمية الحفاظ على ردع نووي صالح". غير أن الموضوعية تقتضي التساؤل، لماذا عاد الروسي من جديد لتذخير ترسانته العسكرية التقليدية والنووية؟ أليس السبب هو أن السياسات الأمريكية قد باتت، وعلى حد تعبير فلاديمير بوتين، بمثابة “ذئاب خاطفة"، وبسبب الخديعة التي تعرض لها الاتحاد السوفييتي في زمن جورباتشوف، ومن جراء خرق الوعود بعدم توسع حلف الناتو شرقاً، وأخيراً بدافع الدرع الصاروخية التي تحاول واشنطن أن تطوق بها روسيا؟ ولأن فكرة القطبية الواحدة وباعتراف مدير المخابرات الأمريكية المركزية مايكل هايدن إلى زوال قريب، فقد باتت الإشارات الروسية تتعاظم، وليس آخرها ما أعلنه مصدر رسمي روسي من أن قاذفتين استراتيجيتين روسيتين من طراز “تو-95" نفذتا دورية جوية في سماء منطقة القطب الشمالي استمرت عشرين ساعة، مع التزامها الصارم بقواعد القانون الدولي ومن دون انتهاك المجال الجوي لأي دولة. غير أن البروباجندا الأمريكية الداخلية، سيما بالنسبة للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، قد وجدتها فرصة ذهبية لإعادة الترويج للخطر الروسي القادم ولزخم الاستراتيجية الأمريكية النووية بالمزيد من الخطط النووية والترسانة النووية بالعديد من الأسلحة الكفيلة بإبادة، لا الروس فقط، بل العالم بأجمعه مرات ومرات. والشاهد أن القنابل الصغيرة التي تسارع واشنطن إلى حيازتها تبقى تهديداً على المستوى الاستراتيجي بالنسبة للدول غير النووية، لكن وجودها لن يكون قابلاً للتصديق، إلا إذا استعملت مرة واحدة على الأقل للتجربة وهو ما لم يحدث حتى الآن. غير أن المواجهة الأمريكية - الإيرانية وبرنامج إيران النووي وسيل التهديدات الأمريكية والخطط العسكرية تقودنا للقول: هل ستكون إيران هي الموقع والموضع، وإن لم تكن هي المقصود الأول بل مجرد حاملة رسالة لآخرين؟ في أثناء الهجوم الأمريكي على العراق في العام 2003 ذهب بعض أركان الجيش الأمريكي إلى القول باستعمال قنبلة نووية صغيرة ضد الجيش العراقي لخلق شعور من الإحباط واليأس في نفوس العراقيين، كانت الحرب وقتها وسيلة المحافظين الجدد لإيصال رسالتهم للعالم العربي والإسلامي، تماماً كما كان قصف هيروشيما ونجازاكي بالقنبلة النووية مجالاً لإظهار القوة أمام الاتحاد السوفييتي، وليس لأجل هزيمة اليابان. وإذا كانت الموازين الداخلية والخارجية وقتها قد حالت دون قصف العراق نووياً لأن الساحة كانت أقل استعداداً، ومن جهة ثانية لأن بوش كان قد اختار التقدم للحملة الانتخابية 2004 بمشروع تحرير العراق، فمن يضمن ألا يقدم هذه المرة على مواجهة إيران بذلك السلاح التكتيكي، سيما وأن فلسفة صقور إدارة بوش لا تزال كما هي، فرض الرعب على الدول غير النووية من أجل تأسيس توازن مستمر إزاء الرعب في وجه روسيا الحالية؟ ويبقى من جديد التذكير برؤية “فرانسيس د. بويل" حول الهدف الرئيسي من برنامج الدفاع الصاروخي القومي NMD، وهو ليس مطلوباً لإنزال صاروخ ضل طريقه من “دول الشر" بل لأن الدفاع الصاروخي القومي للولايات المتحدة أساسي لاستبعاد أية أسلحة نووية روسية أو صينية قد تعيد إحياء ضربة أولى بنظام الأسلحة النووية الاستراتيجية. واكتمال الدرع الصاروخية بنجاح يعني قدرة واشنطن على القيام بضربة هجومية أولى ناجحة بالأسلحة النووية الاستراتيجية مصحوبة بالقدرة على تحييد رد نووي انتقامي من روسيا أو الصين. وعند هذه النقطة، يمكن لواشنطن شن أي حرب نووية عالمية وفرض هيمنتها على بقية أرجاء العالم، وهذا هو المبدأ المعروف باسم “القسرية" في مقابل مصطلح “الردع". ومع وجود الدفاع الصاروخي القومي يصبح العالم بأسره تحت سيطرة الاستراتيجية العشرية، وتضحى الحرب النووية ميزة أمريكية منفردة. فهل تسعى واشنطن بالفعل لإشعال العالم نووياً؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 28/6/2008