الاستراتيجية الأمريكية النووية .. وحروب الدمار الشامل إميل أمين في أوائل مايو الماضي كان روبرت مونرو المدير الأسبق للوكالة النووية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية يعتبر أن تطوير وإنتاج أسلحة نووية أمريكية جديدة ضرورة يقتضيها الردع، بعد أن افتقدت ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية التي صممت خصيصا لردع هجوم سوفييتي مقومات الردع وباتت تشكل خطرا حتى على الأمريكيين أنفسهم ولذلك ذهب إلى ضرورة ملحة لتطوير جيل جديد من أسلحة نووية أمريكية هائلة الدقة والقدرة والفعالية كقنابل تخترق التحصينات الأرضية، أسلحة قابلة للاستخدام الحربي فعلا بحيث تخيف أعداء الولاياتالمتحدة وتقنعهم بأنها جادة وقادرة على تدميرهم على حد قوله. لعل ما يثير الرعب لدى قراءة الوثيقة الاستراتيجية النووية الأمريكيةالجديدة هو الدخول في دائرة استخدام أسلحة الدمار الشامل في حروب أمريكا القادمة إذ تقول الوثيقة إن البنتاجون سيزيد بشكل كبير الوسائل المتاحة له لمواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل وان وزارة الدفاع الأمريكية تنوي تخصيص 1,5 مليار دولار على خمس سنوات لتمويل برنامج يسمح بتطوير مجموعة من الإجراءات المضادة للتهديدات الناجمة عن الإرهاب البيولوجي. وفي وجه الغموض الاستراتيجي في المستقبل سيطور البنتاجون مجموعة واسعة من وسائل الرد التقليدية مع الإبقاء على قوة ردع نووية قوية. وفي هذا الإطار قرر البنتاجون اللجوء إلى عدد صغير من الصواريخ البالستية من طراز «ترايدنت» التي تطلق من الغواصات لاستخدامها في إطار رد تقليدي سريع، كما ستشتري مزيدا من الطائرات التي تعمل من دون طيار لمضاعفة امكاناتها في مجال المراقبة وجاء في الوثيقة أن وزارة الدفاع ستبدأ بتطوير نوع جديد من الغارات على المدى الطويل». والمؤكد أن أوراقا فرعية قد تسربت في الأيام الماضية أشارت إلى ما صمتت عن ذكره الوثيقة الرسمية تشير بدون شك إلى أن الولاياتالمتحدة تفكر جديا في استخدام أسلحتها النووية في معاركها أو مواجهاتها المقبلة ولعل منطقة الشرق الأوسط تكون ميدانا إذا صحت الوثائق التي نحن بصدد الحديث عنها. ففي واشنطن كشفت معلومات صادرة عن مركز دراسة العولمة عن تقرير أعده البروفيسور «ميشيل شوسودفيسكي» وفيه أن الولاياتالمتحدة تخطط لاستخدام رؤوس نووية صغيرة الحجم في هجومها القادم على مفاعلات إيران النووية وان هناك تنسيقا جرى بين أنقرة وبروكسيل وتل أبيب وواشنطن حول هذه الخطة التي أطلق عليها رمز complan 2208 وملامحها وفقا لمصادر عسكرية أمريكية هي إحداث ضربة موجعة لأكثر من 24 موقعا إيرانيا من خلال الطائرات القاذفة B-2 الموجودة بقاعدة ديجو جارسيا بالإضافة إلى طائرات F-711 المقاتلة الموجودة بقاعدة العديد في قطر. أما الورقة الأخرى التي تشير إلى النوايا الأمريكية لمواجهة العالم بأسره فتتمثل في وثيقة «خطة للعمليات النووية المشتركة» وهي إحدى أوراق البنتاجون للفترة القادمة فترة حرب الأربعين سنة والتي تتيح المجال لقيام القوات المسلحة الأمريكية بتوجيه ضربات نووية محددة ومباغتة لأعداء حكوميين أو غير حكوميين لمنعهم من استخدام الأسلحة النووية بفاعلية ورغم عدم توقيع الوثيقة حتى الآن إلا أن ما واجه القوات الأمريكية من مشكلات في اختراق الملاجئ الحصينة في أثناء حرب الخليج يدعو لاستخدام هذه النوعية من القنابل الاختراقية والتي يبلغ طولها ثلاثة أمتار و 59 سنتمترا وتزن 315 كيلو جراما بقوة 300 طن من الديناميت أو 340 كيلو طنا بحسب برمجتها وتطلق من ارتفاعات شاهقة بحيث يسمح لها باختراق الأرض لمسافة ستة أمتار عمقا قبل أن تنفجر وبالتالي فهي مثالية لتدمير الملاجئ أو المصانع الكيماوية المبنية تحت الأرض وتحمل اسم 11 61 وهي قنبلة نووية مشحونة بمادة بلوتونيوم وتشكل السلاح النووي الوحيد الذي دخل الخدمة في ترسانة الجيش الأمريكي منذ عام 1989 وأصبحت مذ ذاك رسميا سلاحا أمريكيا تزود به طائرات الشبح القاذفة B2 . هذه هي نوعية الأسلحة التي ستواجه بها الولاياتالمتحدة فلول الإرهابيين والمتطرفين الذين يهددون امن أمريكا ليس ذلك فحسب بل إن الأولوية في الاستراتيجية التي نحن بصددها هي لتطوير أنظمة القتال المستقبلي مثل إنتاج أجهزة لكشف الأهداف الخطرة على بعد 12 كلم بواسطة آلات تصوير تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء وأنظمة استشعار جديدة ووسائل لتفجير الفخاخ من بعد بواسطة تقنيات حماية القوات التي تعمل بترددات راديوية ترسل إلى الفخاخ وتفجيرها عن بعد إضافة إلى إعطاء الأولوية لبرنامج نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي. والتساؤل هل تدفع أمريكا العالم على هذا النحو المتقدم وكما يتبدى في السطور القليلة المختصرة السابقة جهة الانتحار النووي؟ في أوائل مايو الماضي كان روبرت مونرو المدير الأسبق للوكالة النووية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية يعتبر أن تطوير وإنتاج أسلحة نووية أمريكية جديدة ضرورة يقتضيها الردع، بعد أن افتقدت ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية التي صممت خصيصا لردع هجوم سوفييتي مقومات الردع وباتت تشكل خطرا حتى على الأمريكيين أنفسهم ولذلك ذهب إلى ضرورة ملحة لتطوير جيل جديد من أسلحة نووية أمريكية هائلة الدقة والقدرة والفعالية كقنابل تخترق التحصينات الأرضية، أسلحة قابلة للاستخدام الحربي فعلا بحيث تخيف أعداء الولاياتالمتحدة وتقنعهم بأنها جادة وقادرة على تدميرهم على حد قوله. وعلامة الاستفهام الكبرى في هذا الإطار إنما تدور حول التناقض الظاهر والواضح للعيان بين دعوات واشنطن للحد من انتشار الأسلحة النووية وأفعالها التي تسرع من وتيرة حيازة تلك الأسلحة غير أن هذا التناقض يفهم في سياق ما يعرف بنظرية تكافؤ الأضداد في الروح الأمريكية من جهة وفي قناعات المحافظين الجدد وأصحاب وثيقة القرن من جهة أخرى سيما تلك المتعلقة بالدور والمسؤوليات التي تحملها الولاياتالمتحدة على كاهلها كشرطي العالم. مهما يكن من أمر فان تنظيرات مونرو كانت قد وجدت طريقها إلى الكونجرس الأمريكي الأيام القليلة الماضية عندما طلبت إدارة بوش المهووسة بغرور وغطرسة القوة في وثيقة نشرت أخيرا من الكونجرس السماح بتمويل برنامج تحديث أسلحة نووية أمريكية تحت دعاوى الحفاظ على صدقية استراتيجية الردع في أمريكا. تحمل الوثيقة عنوان «امن قومي وأسلحة نووية: الحفاظ على الردع في القرن الحادي والعشرين «وقد شارك في كتابتها وللمرة الأولى ربما في تاريخ أمريكا كل من وزارات الخارجية والطاقة والدفاع مما يعكس وحدة التوجه وتقول في متنها» إن قدرات نووية أمريكية موثوقة والتزامنا حيال حلفائنا في مجال الأمن تبقى ضرورية جدا للردع وعنصرا مهما في جهودنا للحد من الانتشار النووي». وقد رأت الوثيقة التي سلمت للكونجرس أن «الولاياتالمتحدة في حاجة إلى الاستثمار في برنامج تبديل موثوق للرؤوس النووية ودعت الكونجرس إلى السماح سريعا بتمويل هذا البرنامج». ومما لاشك فيه أن مساحة المسموح بنشره عما جاء في الوثيقة لا تتجاوز الشكل الظاهري، أما الجوهر والمضمون فيبقى في اطر السرية المتعلقة بالترسانة النووية الأمريكية غير أن وثيقة أخرى كان قد جرى الحديث حولها قبل استقالة رامسفيلد تعكس ابعاد المذهب النووي الأمريكي الجديد الماضي قدما في طريق الدمار لا الاعمار . ففي مارس من عام 2006 حررت هيئة الأركان المشتركة وثيقة عنوانها«نظرية العمليات النووية المشتركة» والتي تؤشر إلى أن واشنطن لن تنتظر خصوما محتملين لاستعمال أسلحة الدمار الشامل قبل اللجوء إلى ضربة نووية ضدهم. وباختصار غير مخل يمكن حصر الحالات التي يمكن لرئيس الولاياتالمتحدة استخدام أسلحة نووية في عدد من النقاط:
إذا نوى الخصم أن يستعمل أسلحة الدمار الشامل ضد الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات او قوات التحالف الأمريكية او السكان المدنيين. في حالات هجوم وشيك من أسلحة الخصم البيولوجية التي لا يمكن تحطيمها بسلامة إلا بأسلحة النووية. ?ضد تجهيزات الخصم ومن ضمن ذلك أسلحة الدمار الشامل والمخابئ العميقة والصلبة التي تحتوي مادة كيماوية او أسلحة بيولوجية او البنية الاساسية للقيادة والسيطرة التي يحتاجها الخصم لاستعمال أسلحة الدمار الشامل في هجوم ضد الولاياتالمتحدة او أصدقائها او حلفائها. في الحالات التي لو أظهرت فيها أمريكا نيتها لاستعمال الأسلحة النووية لاحبطت قدرة الخصم على استعمال أسلحة الدمار الشامل. وفي الحق أن قراءة الوثائق النووية الأمريكيةالجديدة يستدعي إعادة طرح ذلك التساؤل الجوهري الذي وضعه وزير خارجية فرنسا الأسبق ومحللها الاستراتيجي الأول «هوبير فيدرين في كتابه» في مواجهة القوة العظمى الأمريكية: نصوص وخطابات حول ما الذي ستفعله الولاياتالمتحدة بهذه القوة الجبروتية؟ هل ستضع الآخرين أمام إما خيار الخضوع لإرادتها وإما سحقهم عن طريق قوتها وعبر وسائل أخرى؟ غير أن الواقع يشير إلى أن حالة الرفض للإمبراطورية الأمريكية «المنفلتة» تشمل من باب أولى رفض الهيمنة والاحتكار للسلاح النووي وللأنشطة النووية ولهذا دعيت سنة 2006 نووية سوداء من جراء خسارة العالم لمعركته ضد وقف انتشار الأسلحة والتجارب النووية ويشهد في هذا المقام المحلل الاستراتيجي الأمريكي «جيمس بينكرتون» بان واشنطن كانت ولا تزال السبب في انزلاق العالم نحو طريق اللارجعة أي طريق المواجهة النووية من خلال سياساتها التي تبدت في وثائقها النووية عن دفع العالم لحيازة وامتلاك تلك الأسلحة. وإذا كانت التكنولوجيا النووية لم تعد مرتبطة فقط بالدفاع عن النفس ودرء الأخطار بل صارت مرتبطة بمفهوم العزة القومية وهو ما لا يستطيع احد أن ينكره على أي دولة في العالم فان الحديث هنا يقودنا إلى روسيا صاحبة القوى النووية المضارعة لواشنطن، وروسيا التي تمد اليوم ذراعا طويلة في القطب الشمالي معلنة حقها وسيادتها القومية في نفطه وغازه من المؤكد أنها لن تقف مكتوفة اليدين أمام تطورات المشهد النووي الأمريكي وهذا ما دعا وزير الدفاع الأمريكي السابق ويليام بيري للإعراب عن قلقه من أن خطر نشوب حرب نووية لا يزال قائما. وتثير القلق واقعة أن الصواريخ الروسية والأمريكية لا تزال في حالة التأهب للانطلاق والمزعج عند بيري أن الاستراتيجية النووية الأمريكية تتحول وبناء على الوثائق السابقة من فكرة حيازتها للردع إلى احتمالية استخدامها العملي في ساحات المعارك وهو ما تردد كثيرا عن قصف المفاعل النووي الإيراني بقنابل GBU 28 . والمثير حتى العجب في السجال النووي الأمريكي الجديد انه قارب حد استخدامه في سباق الترشح للرئاسة الأمريكية إذ أعلنت هيلاري كلينتون أنها لا يمكن أن تستبعد استخدام الخيار النووي ضد أعداء أمريكا بينما أعلن باراك اوباما انه لن يستخدمها في مواجهة تنظيم القاعدة. والشاهد أن إدارة بوش التي تتخبط داخليا وخارجيا وفي وقت تعاني فيه المؤسسة العسكرية الأمريكية من بدايات تفكك وفقدان لروح الإقدام وزيادة مساحة الإحجام عن الدخول في مغامرات عسكرية جديدة إنما تهرب إلى الأمام عبر تغطية سمائها بشبكة فضائية صاروخية تمنع وصول صواريخ الأعداء لأراضيها وتقدح قريحتها الشريرة في ابتكار المزيد من الأسلحة النووية لتؤكد على أحادية سياساتها الاقصائية للعالم في دعوة مؤكدة للاسوأ الذي لم يأت بعد.