«غوانتانامو» وصورة أميركا علي محمد الفيروز تواجه الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جورج دبليو بوش نكسة جديدة من نكساتها المتكررة امام اعين دول العالم التي تراقب ما يحدث في معتقل غوانتانامو وتطالب باغلاقه كلياً، بعد ان اعلنت المحكمة العليا الأميركية عن قرارها بالسماح لمعتقلي غوانتانامو في مراجعة القضاء الفيديرالي وفقا لمواد الدستور. وقد جاء إعلان المحكمة التي تعتبر من اعلى الهيئات القضائية في اميركا بعد ان رفضت تبريرات الحكومة مرات عدة عن هذا المعتقل الواقع في كوبا، والذي يحتضن نحو 270 معتقلاً من جميع جنسيات دول العالم من دون تهم ثابت، رغم الشجب الدولي الذي يدين هذه الطريقة، هذا وقد ترجع الحكومة الأميركية إلى نصوص قانونية اخرى في سبيل الالتفاف على قرارات القضاة الذين اكدوا مراراً امكانية مراجعة معتقلي غوانتانامو القضاء الفيديرالي، طالما ان قاعدة غوانتانامو تعمل وكأنها على الأراضي الأميركية! كما ان قرار المحكمة العليا الجديد يفيد بأحقية المعتقلين على المطالبة في النظر بقانونية احتجازهم في الوقت الحالي وفقاً لنصوص الدستور التي تجبر الحكومة على تقديم مجمل العناصر التي تبرر احتجازهم، لأن القوانين والدستور حسب نظر المحكمة هي مكتوبة لتبقى قابلة للتطبيق في ظروف استثنائية. وبالتالي يمكن الجمع بين الحرية والأمن وفق اطار القانون الأميركي، لذلك شددت المحكمة العليا الأميركية على وجوب ايجاد حلول تساعد على انجلاء مسألة السلطة التي يتمتع بها الرئيس الأميركي الحالي لاحتجاز المتقدمين بشكاوى في هذا الأمر، وفي الوقت نفسه رحب الكثيرون من المحامين الأميركيين لهذا القرار التاريخي والحكيم الذي يسمح للمعتقلين بمراجعة الحاكم الفيديرالي في قضايا تتعلق باحتمال تعرضهم إلى سوء المعاملة وأنواع التعذيب من ناحية ومن ناحية اخرى يساعد على اعادة مصداقية الولاياتالمتحدة بين دول العالم، لتكون نموذجاً لدولة القانون الذي يساند الحريات بالدرجة الأولى، في ما اعتبر البعض منهم بأنها نهاية لعمل المحاكم العسكرية الاستثمائية الذي اثير في شأنه جدل كبير منذ فترة هجمات 11 سبتمبر، والتي فرضها الرئيس بوش من دون تدخل الكونغرس، والسؤال هنا كيف تتحول سياسة «الحرب ضد الإرهاب» إلى قضية سياسية؟ وهل هناك ما يستدعي إعادة صياغة السياسة المتبعة في شأن هؤلاء المعتقلين؟ وهل الادارة الأميركية التي يديرها الحزب الجمهوري فعلاً بحاجة إلى دراسة سن تشريع جديد لمواجهة وادارة شؤون المعتقلين المشتبه بهم لمنع الإرهاب في العالم؟ أمور ومواضيع كثيرة تتداول هذه الأيام بين اقطاب الحزبين في شأن كيفية تعامل الادارة الاميركية المقبلة مع ملف معتقل غوانتانامو أمام أعين العالم الذي يترقب آخر الأحداث بعد ان اتضح للمتابعين ان سياسة مكافحة الإرهاب التي تتبعها ادارة الرئيس جورج بوش وكيفية التعامل مع هذه القضية اصبحت غير مجدية، الأمر الذي تسبب في مواجهة اكوام من الأحكام التي اصدرتها المحكمة العليا الأميركية، وقد ولد ملف معتقل غوانتانامو والقضايا التي تراكمت عليه نشوب انقسامات عدة بين المرشحين الأثنين للانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكل منهم رأي مختلف على بقائه من عدمه، ومن سيتولى رئاسة الولاياتالمتحدة في يناير المقبل، فعليه ان يتعامل مع هذه القضية بطريقة مختلفة بعيداً عن اسلوب الضغط الذي اتبعه الرئيس بوش حينما اصر على تمريرها بالكونغرس عام 2006 حتى تكون محاكمة المشتبه فيهم بالإرهاب عن طريق لجان عسكرية، الأمر الذي جعل مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية يستخدمون شتى انواع التعذيب خلال التحقيق مع المعتقلين في معسكر غوانتانامو نهاية عام 2002 رغم ان القوانين الأميركية والدولية تمنع ذلك! يسعى مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة باراك اوباما إلى ان يكون مختلفاً عن النهج الإداري الحالي المتبع مع قضايا الإرهاب، اذ اشاد اوباما بالحكم واعتبره قراراً قضائياً حكيماً بما انه يسعى نحو التغيير في السياسة الأميركية المتبعة، وقد سبق له ان عارض القانون الذي اصدره الكونغرس عام 2006 وأقام له حشداً معارضاً كبيراً عام 2007 لإعادة حق الطعن على الاعتقال، ووصف قرار المحكمة الحالي بأنه رفض لمحاولة ادارة بوش تكوين نقطة قانونية سوداء في غوانتانامو وعلى اي حال فالرئيس المقبل مع الكونغرس سوف يكون امام مسؤولية كبيرة تتمثل في تكثيف الجهود لتحسين صورة الولاياتالمتحدة امام العالم مع ملف الإرهاب بشكل قانوني، بعيداً عن «سياسة الأمن القومي» ومتطالباته. فالمحكمة العليا اتخذت خطوة جيدة عند اعطائها للمشتبه في صلاتهم بالإرهاب الأجانب في غوانتانامو الحق القانوني الذي يستند إلى اوامر الضبط والاحضار للمثول أمام التحقيق من دون توقيف المتهم رهن المحاكمة مدة طويلة، كما انه يستطيع الطعن في الاعتقال التعسفي أمام المحكمة، اذا نحن امام «حقيقة الاعتراف» بأن الإدارة والكونغرس الأميركي قد اخطآ في التكيف مع قضايا الإرهاب ضمن الهيكل القانوني المتعارف عليه في القانون الأميركي الذي انشئ مع انشاء الدولة، وليس عيباً الرجوع إلى حكومات القانون المدني للتعامل مع طريقة الارهاب الحديث! يحضر بين حين وآخر فريق طبي يتكون من اطباء وعلماء نفس تابعين لجمعية جديدة تسمى ب «اطباء لحقوق الإنسان» لاجراء فحوصات وتقييم اوضاع المعتقلين سابقاً لدى القوات الأميركية في غوانتانامو وغيرها، والذين تعرضوا إلى اشد انواع التعذيب الذي يمارسه المحققون، الأمر الذي ادى إلى حدوث اعاقات دائمة واصابات مزمنة، وتم اخلاء سبيلهم تهرباً من تحمل مسؤولية الاعتقال من دون مبرر. وقد ذكر الدكتور ألن كيلر، وهو احد المساهمين بوضع تقرير اطباء لحقوق الإنسان، انه يحمل اثباتات طبية تدل عن مدى قسوة التعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين على يد القوات الأميركية اذ انه برهن عن كيفية فشل سياسات الاستجواب التي ادت إلى اعاقات جسدية ونفسية، وفي النهاية يبقى تقرير جمعية الاطباء بمثابة جرس انذار إلى مسؤولي وزارة الدفاع، ورسالة تحذير بعدم العودة إلى خرق القوانين الأميركية والدولية التي تمنع سياسة التعذيب. الناطق باسم المحاكم العسكرية السيد جو ديلافيدوفا قال: «رغم عدم البدء في اي محاكمة فعلية في القاعدة البحرية الا انه تم حالياً توجيه التهم إلى عشرين معتقلاً يشتبه انهم ضالعون في تخطيط اعتداءات 11 سبتمبر الأسود، وستكون هناك اتهامات اخرى لمعتقلين آخرين في طريقهم للمحاكمة، ولكنها قد تأخذ جلسات استماع عدة بقاعة غوانتاناموالجديدة في محاولة منها لتحديد ابعاد قرار المحكمة العليا». والسؤال هنا: ان كانت المحكمة العليا الأميركية تمثل اعلى هيئة قضائية في البلاد رأت ان معتقل غوانتانامو يعتبر رسمياً ارضاً كوبية، فهل يحق للحكومة ان تعمل كما انها على أرض أميركية يتم من خلالها تطبيق الحقوق الدستورية؟ لكل حادث حديث. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 28/6/2008