لقد وجهت المحكمة العليا الأمريكية صفعة قوية لإدارة بوش، بإعلانها في قضية "حمدان ضد رامسفيلد" عن بطلان وعدم شرعية اللجان العسكرية المكلفة بمحاكمة متهمي الحرب علي الإرهاب في سجن جوانتانامو. وجاء في قرار المحكمة العليا "أن عمل تلك اللجان يشكل انتهاكاً لكل من القانون العسكري الأمريكي، وكذلك لنصوص معاهدة جنيف الخاصة بالتعامل مع أسري الحرب". غير أن الصفعة الأقوي علي الإطلاق، يمثلها قرار المحكمة نفسها القائل بسريان المادة الثالثة من معاهدة جنيف علي سجناء ومعتقلي تنظيم "القاعدة". ومن شأن هذا القرار أن يفتح الباب علي مصراعيه لتوجيه الاتهامات لعدد من كبار مسئولي إدارة بوش، تحت نصوص قانون الحرب الفيدرالي. والمعلوم أن نصوص معاهدة جنيف، إنما وضعت أصلاً لحماية غير المقاتلين، بمن فيهم بالطبع الأسري في أوقات النزاع المسلح. غير أن إدارة بوش كررت مراراً الإعلان عن موقفها القائل بأن سريان تلك الحماية القانونية إنما يقتصر علي النزاعات بين الدول فحسب. وبما أن تنظيم "القاعدة" ليس دولة، فإن نصوص المعاهدة لا تسري علي سجناء حربها علي الإرهاب. وقد أعطي ذلك التفسير فرصة لتوفير إطار قانوني مفصل علي رؤيتها هي لكيفية إدارة حربها علي الإرهاب. فمن ناحية تقول الإدارة إن حربها علي الإرهاب هي حرب تخضع لشروط وقوانين الحرب نفسها، وليس للقوانين ولا الدستور الأمريكيين. ومن جانب آخر أعلنت الإدارة عدم سريان نصوص معاهدة جنيف علي حربها الدائرة ضد تنظيم "القاعدة". وبهذه الازدواجية، فإنه لم يعد ثمة مجال لتطبيق المبادئ الشرعية المتعارف عليها دولياً، علي هذه الحرب الاستثنائية المفارقة! وكان هذا الغطاء القانوني الذي تدثرت به إدارة بوش، قد جنبها إثارة عدد من المساءلات القانونية حول التكتيكات والأساليب التي اتبعتها في تلك الحرب. وتمتد هذه التكتيكات من طريقة إدارتها ومحاكمتها لسجناء جوانتانامو أمام لجان عسكرية قضائية، إلي مساعيها لاحتجاز المواطنين الأمريكيين أنفسهم لمدد غير معلومة ودون محاكمات أو توجيه تهم محددة إليهم، تحت طائلة شبهة النشاط الإرهابي! والأسوأ من ذلك كله، زعم الإدارة إمكان إخضاع المشتبه بهم في هذه الحرب، لأساليب تحقيق تتضمن ممارسة التعذيب والقسوة والمعاملة الحاطة من كرامتهم الإنسانية، في منظور القانون الدولي. من ذلك مثلاً تقنية "ركوب الأمواج" وإرغام المعتقلين علي اتخاذ أوضاع مؤلمة جسمانياً، وحرمانهم من النوم، إلي جانب الإساءة إليهم جنسياً. وبحكم منطق إدارة بوش، فإن تلك الممارسات لا تعد مخالفة للشرع أو القانون في نظر التشريع القانوني. أما التبرير فهو أن قانون الحرب، جبّ ما قبله من قوانين أمريكية! وبحكم المنطق الأعوج نفسه، لم تكن تلك التكتيكات والممارسات مخالفة لنصوص القانون الدولي أيضاً. والتبرير هنا هو أن بنود معاهدة جنيف التي تحظر ممارسة التعذيب وإساءة معاملة سجناء الحرب، لا تنطبق بدورها علي سجناء الحرب ضد تنظيم "القاعدة". وكانت الإدارة قد استشاطت غضباً جراء إجازة الكونجرس في العام الماضي 2005، مسودة تعديل قانوني تقدم بها السيناتور "جون ماكين"، نصت علي الحظر التام لاستخدام أي من وسائل القسوة أو المعاملة المحطة لكرامة السجناء والمعتقلين. غير أن الكونجرس لم يردف إجازته لتلك المسودة بتمرير عقوبات جزائية تابعة للتعديل. هذا وقد كررت الإدارة مراراً اعتزامها تجاهل ذلك التعديل. ولكن ربما يؤدي القرار الصادر مؤخراً عن المحكمة العليا في قضية "حمدان رامسفيلد" إلي تغيير آراء ومواقف عدد من مسئولي الإدارة. فعلي الرغم من عدم وضوح قرار المحكمة بعد بشأن الموقف العملي القانوني الواجب اتخاذه إزاء اللجان العسكرية القائمة حالياً في سجن جوانتانامو مما قد يعطي الإدارة فرصة لمحاولة إضفاء قدر من الشرعية عليها إلا أن لقولها بانطباق نصوص المادة الثالثة من معاهدة جنيف علي أولئك السجناء، أهمية قانونية كبيرة، لكونه يعرض بعض كبار مسئولي الإدارة للمساءلة القانونية فيما يتعلق بإساءة معاملة سجناء الحرب علي الإرهاب.