ما الذي يريده منا ساركوزي؟ شريف الشوباشي يحلم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن يكون يوم 13 يوليو القادم أهم يوم بالنسبة له شخصيا منذ توليه الرئاسة في مايو من العام الماضي، ففي هذا اليوم سيقوم رؤساء دول اوروبا والعالم العربي بتدشين مشروع الاتحاد من اجل البحر المتوسط، الذي يعده ساركوزي محوراً من اهم محاور سياسته الخارجية، وستكون اسرائيل الطرف غير المرغوب فيه من الجانب العربي في هذا التجمع الجديد لكنه متواجد بارادة الشركاء الاوروبيين. ولأن فرنسا ستتولي بدءا من اول يوليو القادم رئاسة الاتحاد الاوروبي لمدة ستة اشهر فان ساركوزي سيكون الراعي والمحرك الحقيقي لهذا المشروع الذي جاء علي انقاض عملية برشلونة التي انطلقت عام ،1995 لوضع اسس التعاون بين دول شمال وجنوب حوض البحر الابيض المتوسط والتي اطلق عليها تعبير »أوروميد«، لكن اوروميد فقدت قوة الدفع وافرغت الوقود الذي كان يحركها حتي باءت بالفشل فارتأي ساركوزي استبدالها بفكرة الاتحاد من اجل المتوسط، لكن ما لم يدركه الرئيس الفرنسي ان اللقمة التي وقفت في زور عملية برشلونة وكانت احد الاسباب الاساسية في عدم نجاحها هي وجود اسرائيل كشريك كامل في كل مجالات التعاون بين دول شمال وجنوب حوض البحر الابيض المتوسط. وفي تصوري ان ساركوزي يريد اعادة ترتيب اوراق اللعبة وانه لا يخدم سياسات الدول الاوروبية فحسب، ولكنه يضع هذا المشروع في اطار الاستراتيجية الامريكية ازاء الشرق الاوسط والراغبة في السيطرة علي الدول العربية وفرض اسرائيل كلاعب اساسي في المنطقة تتعاون مع كافة البلدان العربية طوعا او كراهية. ** ولست من الذين يرون شبح المؤامرة وراء كل خطوة او مبادرة، لكن لدي شعور قوي بأن مبادرة ساركوزي بانشاء آلية جديدة للتعاون بين دول حوض البحر الابيض المتوسط، والتي لم يتشاور فيها مع اقرب حلفائه الاوروبيين مثل المانيا، لم تتم دون تنسيق و ثيق مع واشنطن وان خطوطها العريضة تحمل بصمة امريكية مؤكدة. واقول انه لم يتشاور مع حلفائه الاوروبيين لان بعضهم وعلي رأسهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل اعترضوا علي مبادرة ساركوزي بل احتجوا عليها علي اساس انها تبث بذور الفرقة بين دول الاتحاد الاوروبي وتشتت جهود الدول الاوروبية الغنية من اجل تطوير وتنمية بلدان الجزء الشرقي من القارة، وهي في نظر ميركيل وغيرها من زعماء اوروبا تشكل الاولوية بالنسبة للاتحاد الاوروبي في المرحلة المقبلة. وكان اعتراض ميركيل ان مشروع ساركوزي لايضم سوي الدول الاوروبية المطلة علي البحر الابيض المتوسط ورأت في ذلك شقا للصف الاوروبي بين دول لها مصالح مع الجنوب، واخري تركز جهودها علي شرق اوروبا وشمالها، واضطر ساركوزي الي التراجع امام العاصفة الالمانية وتنازل عن فكرة قصر المشروع علي الدول المطلة علي حوض البحر وحدها، ووافق ان تشارك كل دول الاتحاد الاوروبي في مشروعه الجديد في حين ان الجانب العربي لن يضم سوي دول حوض المتوسط وحدها. ** ومن الواضح ان الدول الغربية في حالة حيرة حول كيفية التصرف مع العالم العربي والتعامل مع شعوبه، فالغرب قد فرض اسرائيل في قلب المنطقة العربية بالقوة وساندها بكل الوسائل سواء العسكرية او الاقتصادية او الدبلوماسية، حتي قبل معظم الدول العربية بمبدأ السلام مع اسرائيل، وقامت اهم دولة عربية بتوقيع اتفاقية سلام مع الدولة العبرية وهو ما فعلته مصر في عام ،1979 لكن الغرب يريد اكثر من ذلك، يريد ان يكسر شوكة العناد العربي بعدم التعامل مع اسرائيل وان يخلق اطارا من التعاون والتكامل بين الدول العربية واسرائيل، ولا شك ان هذه الفكرة ليست بريئة بل وراءها سعي لسيطرة فعلية وعملية علي مقدرات العالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط التي تضم 65% من احتياطي البترول في العالم كله كما تختزن في جوفها نحو 30% من احتياطي الغاز الطبيعي. ** ومنذ وصوله الي الحكم كانت استراتيجية جورج بوش الابن هي فرض امر واقع جديد علي العرب وادماج اسرائيل في منظومة دول المنطقة مما يعني سيطرتها علي مقدرات الشرق الاوسط حيث انها تملك مقومات غائبة عن العالم العربي بدءا من القنبلة النووية الي الكوادر البشرية عالية التدريب، والقدرات العلمية في مجالات عديدة منها الزراعة وبعض فروع العلم المتخصصة، وهي باختصار امتداد للغرب المتطور في محيط مازال يعاني من التخلف بصورة او باخري. وقد استغل بوش حادث 11 سبتمبر 2001 المأساوي لايجاد مناخ مؤيد لفكرته لدي الدول الاوروبية التي كانت لها دائما حساباتها الخاصة في الشرق الاوسط وكانت غير متحمسة للتدخل في العلاقة بين اسرائيل والعالم العربي وتكتفي بمساندة حقوق اسرائيل في التواجد بالمنطقة دون تهديدات خارجية، من خلال اقناع العرب بضرورة تقبل عملية السلام. وبعد احتلال العراق طرحت ادارة بوش ما اسمته »الشرق الاوسط الكبير« وهو في واقع الامر مشروع يهدف الي ادخال العالم العربي في منظومة محكمة لايستطيع الفكاك منها، وتكون هذه المنظومة بقيادة اسرائيل ومن ورائها واشنطن بطبيعة الحال. والغريب ان الخلفية السياسية التي كانت تحرك مشروع الشرق الكبير لها نبرة تشعر انها مشابهة لمشروع ساركوزي، فعندما سألت صحيفة لوموند الفرنسية الكبيرة بوش عما دعاه الي التفكير في موضوع الشرق الاوسط الكبير وذلك في 21 ابريل 2004 قال بالحرف: »طالما ظل الشرق الاوسط مكانا للطغيان واليأس والغضب فانه سيفرز رجالا و حركات تهدد أمن الولاياتالمتحدة وأصدقائها«. اما ساركوزي فيقول اليوم عن مشروعه انه افضل وسيلة »للخروج من حلقة الانتقام والكراهية الجهنمية بين العرب واسرائيل«. ففكرة التعاون مع دول الشرق الاوسط وايجاد اطار مؤسسي لذلك مشروطة دائما في ذهن زعماء الغرب بالتطبيع بين العرب واسرائيل، ولأنني شخصيا مقتنع بأن السلام هو شرط اساسي للخروج من حالة التردي التي تعيشها دول المنطقة فلا أرفض من حيث المبدأ أية مبادرات غربية كانت او غير غربية تستهدف انهاء التوتر بين العرب واسرائيل، لكنني مقتنع كذلك ان ذلك لن يتأتي عن طريق الفرض، ولن يكون من خلال جعل اسرائيل عضوا قياديا في تجمع الدول الشرق اوسطية، فهذه اوضاع لن تقبلها شعوب المنطقة، وكيف تقبل الشعوب العربية ان تكون تابعة لسادة قادمين من الخارج يتحكمون في ارادتهم وكأننا عدنا الي عصر الاستعمار الذي حاربه آباؤنا واجدادنا؟! ** والمشكلة ان عملية الاحلال والتبديل التي حدثت في القيادات الأوروبية خلال السنوات الاخيرة كان لابد ان تنعكس علي سياسة اوروبا ازاء العالم العربي والشرق الاوسط، فساركوزي ليس جاك شيراك ولا هو فرانسوا ميتران، وميركيل ليست هلموت كول او شرويدر، لقد ظهر جيل جديد من الزعماء الاوروبيين يحنون الرأس للإرادة الامريكية ويؤمنون بالافكار المحافظة التي تسيطر علي واشنطن الآن، بل ان هناك زعماء مثل برلسكوني في ايطاليا يغازلون اليمين المتطرف في وضح النهار، ويقدمون له التنازلات الفجة دون خجل، وربما يزايدون علي امريكا في نظرياتها المحافظة اما زعماء اوروبا السابقون فكانوا يدركون ان امريكا هي الحليف الكبير وانه من غير الوارد التناطح معها، كانوا يدركون ان الدول الاوروبية جزء من التحالف الغربي الكبير الذي تتزعمه الولاياتالمتحدة.. لكن ذلك لم يكن يعني بالنسبة لهم ان تكون اوروبا بتاريخها العريق وامكانياتها العملاقة مجرد تابع ومنفذ امين للسياسات التي تقررها واشنطن. *** ولن أمل من تكرار اننا مسئولون الي ابعد الحدود عما يحدث لنا، فقد اسهمت التيارات الجديدة المسيطرة علي العالمين العربي والاسلامي في خلق مناخ غير صحي بالنسبة لنا علي الصعيد العالمي، لقد ساهمنا في هبوب الرياح المحافظة في اوروبا وامريكا بما افرزناه من سياسات تقوم علي الصراع الديني ورفض الاخرين لأسباب طائفية. والآن فإن علينا أن نتحمل ما جنته ايدينا، وساركوزي الذي ينتمي الي الجيل الجديد من زعماء اوروبا لمحافظة التي تميل الي اسرائيل وتنفر من العرب يقدم لنا اليوم مشروعا للتعاون يحمل في طياته محاذير كثيرة، لكنني اري انه من مصلحتنا المشاركة في هذا المشروع واستخلاص ما يمكن استخلاصه من فوائد لنا، فمهما كان زعماء اوروبا الجدد منحازين للسياسات الامريكية فهم يدركون في النهاية ان مصالحهم في المنطقة تختلف عن مصالح واشنطن، فأوروبا لصيقة جغرافيا بالعالم العربي حيث لا تزيد المسافة بين عواصم دولها الجنوبية والعواصم العربية عن ساعة واحدة بالطائرة، والاهم من ذلك ان هناك اكثر من عشرين مليون عربي ومسلم يقيمون في اوروبا، وقد حصل الملايين منهم علي جنسيات اوروبية، فالتداخل بين اوروبا والعالم العربي واقع يجعلها في النهاية لا تستطيع ان تتخذ سياسات مطابقة لأمريكا حتي وان كان زعماء اوروبا الجدد راغبين في ذلك كما يبدو. وانطلاقا من هذا الواقع فانه من المصلحة ان نشارك في الاتحاد الجديد من اجل المتوسط الذي يقترحه الرئيس الفرنسي، لكنه علينا اولاً ان نجد اجابة مقنعة لهذا السؤال: »ما الذي يريده منا ساركوزي؟«. عن صحيفة الوفد المصرية 18/6/2008