فرسان الانتخابات الثلاثة جهاد الخازن قلة داخل أقلية دينية خطفت السياسة الخارجية الأميركية ووضعتها في خدمة إسرائيل على حساب مصالح أميركا والعالم، فلوبي إسرائيل، وهو متطرف وداعية حروب، يمثل خُمْس اليهود الأميركيين الذين يمثلون اثنين في المئة فقط من 300 مليون أميركي، أي صفراً فاصلة أربعة من واحد في المئة من الأميركيين، والنتيجة قتل النساء والأطفال الفلسطينيين كل يوم، وتدمير العراق على رأس أهله، وتهديد إيران التي لا يمكن أن تهدد أميركا يوماً، وانتكاسة الاقتصاد الأميركي واقتصاد العالم معه. قضيت نهاية الأسبوع في مراجعة النصوص المتوافرة، وأكتب على خلفية المؤتمر السنوي للجنة العمل السياسي الأميركية – الإسرائيلية (ايباك) أي اللوبي الرسمي، أو وكر الجواسيس لإسرائيل، ومحاكمة بعضهم وإدانتهم معروفة، إلا أنها لم تمنع أبرز السياسيين الأميركيين من الانبطاح أمام اللوبي الى درجة كشف المؤخرات. سأكتب تعليقاً على خطابات كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون وجون ماكين وباراك أوباما في اللوبي، وسأبدأ اليوم بنقاط جامعة بين المتحدثين، وبوزيرة الخارجية، قبل أن أعلّق في الأيام المقبلة على الآخرين، كل على حدة، أي فرسان الانتخابات الثلاثة ورابعتهم رايس (أي ما يعادل دارتنيان في رواية ألكسندر دوما). الخطابات الأربعة كانت خطاباً واحداً، مع اختلاف في التركيز بين واحد وآخر، ما يعكس توارد مصادر وخواطر. والكل بدأ بالشكر والتأكيد على الصداقة، ورايس شكرت مسؤولي ايباك الذين كرّموها بالدعوة الى الحديث أيضاً في مؤتمر 2005، وكلينتون قالت إن من الرائع أن تجد نفسها بين هذا العدد الكبير من الأصدقاء، وماكين شكر الداعين بأسمائهم وأشار الى أموالهم في أول فقرة من خطابه، وأوباما قال إنه يتحدث من القلب كصديق صدوق لإسرائيل ويشعر بأنه بين أصدقاء في ايباك. مرة أخرى، ايباك وكر جواسيس، وهي بقيادة يهود أميركيين ولاؤهم لإسرائيل وحدها، الى درجة أنهم مرّغوا سمعة أميركا في الأرض حول العالم، فكل استطلاع للرأي العام في كل بلد يظهر السقوط الأميركي، الذي تحول الى انحدار أو انهيار في سنوات بوش العجاف في البيت الأبيض. ماكين تحدث عن صديقه السناتور جو ليبرمان، وهذا إسرائيلي بامتياز يقيس كل موقف بما ينفع اسرائيل أو يضرها، وقد ألصق نفسه بماكين وحملته للتأثير في سياسته. وكلينتون تذكرت صديقها النائب توم لانتوس الذي توفي أخيراً، وكان أسوأ من ليبرمان في الالتزام الوحيد بإسرائيل. بالنسبة الى الالتزام بإسرائيل شعرت بأن الفرسان الأربعة، ولعلهم ليسوا فرسان الكسندر دوما بل فرسان الرؤيا وقرب نهاية العالم على يدي إسرائيل وأصحابها، يغرفون من بحر قاموس تيسوروس للمفردات باللغة الإنكليزية، ورايس قالت إنه «ثابت» و «لا يقسم» و «لا يكسر» أو «يتزعزع"، وأنه يقوم على «أرض صلبة» أو «صخر"، وماكين اعتبر تأييد إسرائيل منتهى المثالية، وزايد أوباما على الجميع فقال إن أمن إسرائيل «مقدس» و «غير قابل للتفاوض". الكل زار إسرائيل، والكل تحدث عن «تضحياتها» في سبيل السلام، والكل هاجم حماس وحزب الله، وخصوصاً إيران، والكل تعهد بدعم دائم ومتزايد، إن كان هذا ممكناً، لدولة الإرهاب النازية التي تحتل وتقتل بسلاح أميركي ومال ودعم سياسي أعمى. وطالت المقدمة على الموضوع، فأختار من خطاب رايس، بدءاً بتركيزها على العمليات الانتحارية، ورفضها أن تكون هذه مقاومة، وإنما هي إرهاب. وقد كتبت دائماً ضد العمليات الانتحارية، ولكن إذا كانت رايس تريد فعلاً وقفها، فإنني أقترح أن تزود أميركا الفصائل الإسلامية بمقاتلات إف – 15 وحوامات أباتشي فلا تحتاج الى العمليات الانتحارية. وهي تحدثت عن ثلاثة جنود إسرائيليين خطفتهم حماس وحزب الله، ولم تشر الى 11 ألف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وتحدثت عن تهديد رئيس إيران بإزالة إسرائيل من الخريطة، وبرنامج بلاده النووي ولم تتحدث عن الترسانة النووية الإسرائيلية الموجودة فعلاً، وإنما ذكّرت الحاضرين بأن أميركا تعهدت بتقديم 30 بليون دولار لإسرائيل على مدى عشر سنوات لحماية أمنها، أي تهديد أمننا. ورايس، كبقية الخطباء، تحدثت عن المحرقة، وانتقدت إنكار النظام في طهران أن تكون حدثت، وفي حين أنني لا أنكر أن ستة ملايين يهودي قضوا في المحرقة النازية، فإنني أذكّر الآنسة رايس بأن إنكار المحرقة لا يقاس شيئاً بارتكابها، وإيران البلد المسلم لم تقتل يهوداً، وإنما الذي قتلهم كان الغرب المسيحي بعد عقود وقرون من الاضطهاد والعنصرية التي أنبتت النازية. طبعاً إدارة بوش ستمنع إيران من إحراز قوة نووية عسكرية، وهي لا تزال تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة، غير أن إدارة لا تستطيع وزيرة خارجيتها أن تزيل حاجزاً في الضفة الغربية، لن تنجح ضد إيران أو الى جانب الفلسطينيين. فنحن في زمن أصبحت فيه قطر وتركيا أكثر قدرة ديبلوماسية من الولاياتالمتحدة، وقد أشارت رايس في خطابها الى نجاح البلدين الذي لا يعني سوى فشل إدارة بوش. وأكمل غداً. عن صحيفة الحياة 10/6/2008