أولمرت الحادي والثلاثون د. سمير غطاس احتل ايهود اولمرت المكانة الحادية والثلاثين كرئيس للوزراء في اسرائيل, كان ديفيد بن جوريون هو اول من دشن هذا الموقع عام1948, وكان ايضا اكثر من تولاه(5 مرات غير متعاقبة). كان اولمرت اذن هو الحادي والثلاثين في قائمة ملوك اسرائيل الجدد وهو الذي شكل الحكومة السابعة عشرة في تاريخ هذه الدولة العبرية, ويتواتر الحديث عنه الآن هناك بصفته رئيس الوزراء السابق بعد تصاعد الضغوط لحمله علي الاستقالة بسبب شبهات تلاحقه في فضيحة فساد مالي ورشوة هي الرابعة في غضون اقل من عامين فقط. لم تكن هذه المرة الاولي التي يتم فيها نعي اولمرت كسياسي وهو بعد حي, لكن حتي خصومه يعترفون له برباطة الجأش والتجلد في المحن, والبعض هناك وصفه بصاحب الارواح السبعة. ومن المفارقات اللافتة ان يكون اولمرت قد بدأ حياته السياسية كنائب يكافح الفساد, قبل ان تطارده بعد ذلك شبهات التورط في ثلاث قضايا فساد مالي افلت منها, قبل ان تمسك بتلابيبه الفضيحة الاخيرة التي قد تحيله الي مخازن الخردة والمهملات. كان اولمرت نفسه قد نجا برأسه من مقصلة تقرير فينوجراد التي اطاحت برأسي وزير الدفاع وزعيم حزب العمل عمير بيريتس ورئيس اركان الجيش, لكن يبدو ان من لا يسقطه فينوجراد يطيح به التورط في الفساد. حتي الآن لم توجه بعد لائحة اتهام رسمية لاولمرت, لكن التسريبات تتهمه بتلقي حوالي150 ألف دولار خلال15 عاما من صديقه المليونير الامريكي اليهودي اي بواقع833 دولارا شهريا, لكن القضية تتعلق بالمبدأ ذاته وليس بكمية الاموال, وربما لهذا يميل المحللون اكثر الي فرضية استحالة استمرار اولمرت في موقعه. لكن قبل الحديث عن مرحلة ما بعد اولمرت, فانه ينبغي أولا تحليل ما حدث له في اطار الازمة العامة للنظام السياسي في اسرائيل والتي تعد ظاهرة الفساد احد ابرز مكوناتها. وهذا لا يعني ابدا ان الفساد كظاهرة هو أمر طاريء أو جديد في اسرائيل, كان هناك العديد من أبرز القادة هناك قد تورطوا قبل اولمرت بقضايا فساد مشابهة, اسحق رابين اضطر للاستقالة في ربيع1977 بسبب تلقيه واسرته هدايا مالية, وفي عام2000 استقال عيزرا وايزمان فور الكشف عن تلقيه دعما ماليا من رجل اعمال, وكانت هناك شبهات فساد قوية طاردت باراك في حملته الانتخابية عام1999, والمعروف ان شبهات مماثلة بالفساد كانت لحقت بشارون وبنجليه جلعاد وعمري عضو الكنيست الذي يمضي الآن عقوبة بالسجن بعد ادانته. وكانت تهما مماثلة قد لاحقت ايضا نيتانياهو وزوجته سارة عندما كان رئيسا للوزراء وعادت فتجددت فقط قبل شهر واحد من فضيحة اولمرت, ولم يكن رئيس الدولة موشيه كتساف هو اول من اتهم بالتحرش الجنسي بموظفات في مكتبه, فقد روي احد كتاب سيرة الرئيس السابق اشكول قصصا مثيرة عن عشيقاته, واعترفت ابنة دايان بأن الجنرال الاشهر في اسرائيل كان زيرا للنساء, وكان وزير الامن يتسحاق مردخاي قد غادر نهائيا المسرح السياسي بعد تورطه في فضيحة جنسية. ورغم تفشي ظاهرة الفساد هذه فان الاهم منها هو تفاقم ظاهرة الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي التي تعصف باسرائيل خاصة في مرحلة ما بعد اوسلو, فعلي مدار44 عاما منذ انشاء اسرائيل وحتي عام1992 كان تعاقب علي رئاسة الوزراء هناك8 من زعماء الاحزاب, وبالمقابل فإنه في الستة عشر عاما التالية وحتي الآن انتخب سبعة زعماء لهذا الموقع والثامن علي الطريق, والاهم من ذلك انه لم يتمكن اي منهم من اكمال مدة ولايته المقررة باربع سنوات واضطر الجميع: بيرس ونيتانياهو وباراك وشارون لمرتين والآن اولمرت, للجوء الي الانتخابات المبكرة. ويمكن رد ظاهرة عدم الاستقرار السياسي هناك الي العوامل التالية: 1 ان اسرائيل تمر بمرحلة انتقالية حرجة بعد رحيل الجيل الاول المؤسس للدولة. 2 ان الايديولوجية الصهيونية باتت خلفنا, بعد ان تجاوزتها نظريات الحداثة وما بعد الصهيونية وبعد ان اخترقتها الامركة والعولمة والما بعد حداثة. 3 ان الهاجس الديموغرافي هو المحدد الاول للسياسة الاسرائيلية, ومع ذلك يصعب علي اي رئيس للوزراء في اسرائيل اتخاذ قرار حاسم بالعودة للانكماش خلف الخط الاخضر وداخل حدود67. 4 ان النظام السياسي والانتخابي لايزال يسمح للاحزاب الصغيرة بالتحكم في استقرار الائتلاف الحاكم وربما لهذا تطرح علي الطاولة الآن مشاريع تغيير النظامين السياسي والانتخابي. واستمرار وتفاعل هذه العوامل معا يجعل من الصعب علي اي رئيس وزراء جديد في اسرائيل البقاء في موقعه لولاية متصلة, حتي وإن لم يكن مثل اولمرت مورطا في قضايا الفساد. بقي علينا ان نكتب عن اليوم التالي لاولمرت قبل ان يدخل رئيس الحكومة الجديد الثاني والثلاثون الي مكتبه في3 شارع كابلان في القدس بعد انصراف اولمرت منه بلا رجعة. عن صحيفة الاهرام المصرية 9/6/2008