تنذكر ما تنعاد... جهاد الخازن اتصلت بالأخ عمرو موسى وهو في الدوحة وأنا في شرم الشيخ بعد ظهر الاثنين، ورد عليّ مساعد له قال لي إن الأمين العام لجامعة الدول العربية في اجتماع بين أطراف النزاع اللبناني. واتصلت في المساء وقيل لي ان الأخ عمرو لا يزال في الاجتماع. صباح الثلثاء هاتفني الأمين العام وأنا في طريقي الى آخر اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي عن الشرق الأوسط، وقال إن الوضع سيئ، ولم تبق سوى ساعتين يغادر بعدها الدوحة الى المنامة، ثم القاهرة حيث اتفقنا أن نلتقي. وهو قال إن فرص النجاح في رأيه لا تتجاوز خمسة في المئة، الا ان لا بد من الاستمرار والمحاولة حتى آخر لحظة، فالأزمة اللبنانية يجب أن تنتهي بطريقة أو أخرى. ذهبت الى مركز المؤتمرات بعد تلك المحادثة محبطاً قلقاً، وتبادلت مع بعض الأخوان من لبنانيين وغيرهم ما عندنا من معلومات، ونقلت ما سمعت من الأمين العام الى الصديق سمير لحود، شريك مؤتمرات المنتدى من دافوس الى الشونة الشمالية وشرم الشيخ وغيرها. وهو رد بمعلومات أخرى تؤكد دخول المفاوضين والوسطاء طريقاً مسدوداً. ظهر الثلثاء اتصل بي الأخ عمرو وقد تغيرت نبرة صوته الذي أعرفه جيداً، وقال إن الوضع أفضل، وهناك إصرار من الوسطاء القطريين على أن الفشل ممنوع، وأن الفرقاء اللبنانيين لن يغادروا الدوحة الا باتفاق. ولم أجد سمير لحود لأطمئنه، وغادرت شرم الشيخ الى القاهرة. معلوماتي ان نقطة التحول كانت في اجتماع ثنائي خاص طويل بين أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة والعماد ميشال عون تبعته جلسة ماراثونية انتهت بالاتفاق المعروف. أمس اتصلت بالأخ عمرو موسى وتبادلنا التهاني وكلمة مبروك، وشعرت بأن صخرة أزيحت عن صدري. تنذكر ما تنعاد... كم مرة قلنا هذه العبارة اللبنانية الأثيرة؟ هي كادت أن تصبح شعار ما بعد الحرب الأهلية، ثم نسي اللبنانيون كابوس سنواتها الخمس عشرة، ودخلوا مواجهة عبثية كان يمكن أن تنتهي بصدام أهلي مسلح نعرف كيف يبدأ الا أننا لا نعرف كيف ينتهي. في كل أزمة لبنانية كبرى على امتداد وعيي المهني والسياسي كان الحق فيها على اللبنانيين، لا الطليان، أو أي طرف آخر، فقد اعتدنا أن نلوم كل طرف الا أنفسنا، «والعيب فيكم وفْ حبايبكم»، أي تلك الأطراف التي تحبنا الى درجة التشجيع على الفتنة. لا أحتاج أن أعود الى 1860 أو أي تاريخ قديم، وإنما الى ما رأيت، ففي صيف 1958 كان هناك أيضاً فريقان لكل منهما حليف خارجي أو ولاء. وانفجر القتال في 1975 لأن فريقاً لبنانياً استقوى بالمقاومة الفلسطينية المسلحة ضد فريق آخر، واعتقد كمال جنبلاط بأنه يستطيع أن يصبح رئيساً، وارتكبت المقاومة كل خطأ ممكن ودفعت مع اللبنانيين الثمن. المواجهة الأخيرة بدأت بنزاع بين فرقاء الحكم خلفيته المحكمة الدولية قبل أي قضية أخرى وكان لكل فريق حليف أجنبي يتدخل في شؤون لبنان تدخلاً سافراً ممجوجاً عبر وكلائه المحليين. ودخل حزب الله بالاعتصام في وسط المدينة مدخلاً لم يعرف كيف يخرج منه، وركبت الحكومة رأسها. وما كان حزب الله يعتقد بأنه سينقضي في أسبوع استمر سنة ونصف سنة، حتى اتخذت الحكومة قراراً خاطئاً لا تملك اطلاقاً آلية تنفيذه، ورد حزب الله بخطأ أكبر، ووجه سلاح المقاومة الى صدور اللبنانيين بعدما كان الاتفاق معه أن يكون السلاح في وجه اسرائيل وحدها. ما أقول هنا يعرفه كل لبناني، والنقطة هي أن الأخطاء كلها من صنع اللبنانيين، وأحياناً بتحريض من حلفاء أجانب لهم أطماع اقليمية تؤذي البلد وأهله. وكان يمكن أن تتحول المواجهة الأخيرة الى حرب أهلية وقود أتونها السنّة والشيعة هذه المرة، بعد أن كانت مسلمين ومسيحيين في الحرب السابقة، ويساراً ويميناً سنة 1958، وموارنة ودروزاً سنة 1860. مرة أخرى، تنذكر ما تنعاد، وأريد أن اقنع نفسي بأن المستقبل سيكون أفضل وأننا مقبلون على سنوات من السلام الأهلي والازدهار. غير انني من النوع القلق الذي يحسب لكل شيء حساباً، حتى أنني أُصبت بقرحة وأنا في العشرينات، لذلك أجد أنني أطوي النفس على ذلك القلق القديم الباقي، فالدوران الأميركي والإيراني في لبنان تخريبيان ومستمران في التخريب، وفي حين أفهم أسباب الحلف السوري - الإيراني ضد أميركا فإنني أرجو أن يبقى خارج لبنان، غير أنني أعرف أن هذا غير ممكن وأنني أطلب الكثير. تنذكر ما تنعاد، وفي 1990 استطاعت الديبلوماسية السعودية في الطائف أن تقنع أطراف الحرب اللبنانية بعقد صلح يرفع الكابوس عن البلد. وفي 2008 استطاعت الديبلوماسية القطرية أن تنهي مواجهة مدمرة محتملة. ولن أفكر في الأزمة المقبلة والديبلوماسية التالية، وإنما أقتنص الفرصة العابرة وأقول مبروك لنا جميعاً واحتفل مع اللبنانيين والزوار القادمين. عن صحيفة الحياة 24/5/2008