بوش جاء مباركاً في الذكرى الستين للنكبة عبد الله علي العليان في الذكرى الستين لاغتصاب فلسطين جاء الرئيس الأمريكي إلى “إسرائيل" مهنئا ومباركا دولة الاغتصاب حيث كان من المفترض أن يقول أن على “إسرائيل" أن تعطي للفلسطينيين حقوقهم كاملة بعد ستين عاما من الاحتلال والقهر ويتعايش الشعبان في إطار من العدل والسلام المتبادل بدلا من وعود دولة لم تتحقق حتى الآن. وإذا رجعنا إلى هذا المشروع بعد ستين عاما يعتقد الكثيرون أن المشروع الصهيوني العنصري ولد في رحم الأفكار العرقية التي اجتاحت الساحة الأوروبية، فعندما ظهرت مقولات الإنسان الغربي الأبيض المتفوق عرقياً وعقلياً وحضارياً، ابتدع الصهاينة مقولة “شعب الله المختار"، ومثلما للغرب رسالة حضارية تمدينية، فإن “الصهيونية ستكون في وطنها القومي الجديد في فلسطين رسالة حضارية وديمقراطية". وهذا ما ظهر في كتاب هرتزل الشهير الذي صدر في 1896 “الدولة اليهودية". وقد تحركت الاستراتيجية الصهيونية العنصرية، كما يقول د. محمد عابد الجابري، على خمسة محاور رئيسية:
1- نشر الفكرة الصهيونية (إقامة دولة لليهود في فلسطين) بين يهود العالم أجمع.
2- إقناع الحكام في أوروبا بأهمية وجود دولة يهودية في فلسطين بالنسبة لمشاريعهم التوسعية وطموحاتهم الإمبراطورية، مع استغلال التنافس القائم بينهم في هذا المجال.
3- التغلغل في النظام الاقتصادي والمالي والإمساك بمفاتيحه في أوروبا والعالم.
4- العمل على الهيمنة الثقافية داخل المجتمعات الأوروبية، وفي أوساط اليسار والاشتراكيين خاصة، بوصفهم يمثلون البديل المستقبلي.
5- إقناع الدول الأوروبية المتنافسة على الشرق بأن قيام دولة يهودية في فلسطين سيكون بمثابة المسمار الأول والأساسي في نعش الإمبراطورية العثمانية التي كان العداء لها، هو القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع الدول الأوروبية على كلمة واحدة.
إن نشاط الحركة الصهيونية على المحور الأول (ربط يهود أوروبا بالمشروع الصهيوني المتمثل في إقامة دولة يهودية في فلسطين) كان له هدفان متكاملان: كسب الأنصار للمشروع الصهيوني بين اليهود أنفسهم، أعني العمل على صهينة يهود أوروبا من جهة، وتجنيد الرأي العام الأوروبي لصالح قضية اليهود بوصفها قضية مضطهدين محرومين: مضطهدين في البلدان التي يعيشون فيها، ومحرومين من وطن خاص بهم. وإذا نحن ترجمنا ذلك إلى لغة ذلك العصر، لغة الحداثة ومفاهيمها، صارت قضية الصهيونية هي قضية شعب يعاني من اللامساواة، محروم من حقه في أن يكون أمة ذات وطن ودولة. فالقضية إذن قضية عادلة من منظور الحداثة، إذ هي قضية العقلانية (الأمة) والديمقراطية (المساواة). أما السؤال: على حساب من سيكون تحقيق مطامح اليهود “المشروعة" هذه؟ فذلك سؤال لم يكن من المفكر فيه في أوروبا، ذلك لأن فلسطين وما يجاورها هي بالنسبة لأيديولوجيا الحداثة الأوروبية من تلك المناطق التي تسكنها أقوام هم في حاجة إلى نشر “الحضارة" بينهم. وهكذا تجد القضية الصهيونية مكانها في النظام الفكري للحداثة الأوروبية كعنصر من عناصره:إن شعارات المساواة والحق في الوطن، ونشر الحضارة، وحق اليهود في وطن قومي، عناصر تشكل بنية واحدة تجد مضمونها اللغوي في العبارة التالية: قيام وطن قومي لليهود في فلسطين سيمكنهم من ممارسة حقهم في المساواة وفي أن يكون لهم وطن ودولة ما سيجعل منهم أمة تنشر الحضارة في منطقة مهمة من العالم. إذن فالصهيونية كمقولة فكرية سياسية وحضارية لا تتناقض مع مقولات الحداثة الأوروبية في القرن التاسع عشر، بل بالعكس تتكامل معها.
ويقول هرتزل في كتابه “الأرض القديمة الجديدة" “إن اليهود لن يفعلوا شيئاً للأرض القديمة الجديدة (فلسطين) سوى نقلهم المؤسسات المتحضرة إليها". ومثل هذه المزاعم وجدت صداها في الغرب، ليس فقط لاتساقها مع الفكر الذي دأب على التهوين من شأن الآخرين، وإنما أيضاً لأن الغزوة العنصرية الصهيونية جزء ضئيل من الذين أنتجوا هذا الفكر. مؤدى ذلك، أن العنصرية الأوروبية وصعود الدارونية الاجتماعية، كانت الموجه الفكري للمد الاستعماري وحركة التوسع الاستعماري. وقد ارتبطت الصهيونية بهذا المد ارتباطاً حميماً. فالصهاينة الأوائل أيدوا الغزو الفرنسي للجزائر. وقبل هرتزل بكثير، كان موسى هس قد دعا إلى الاستحواذ على أرض قومية مشتركة لليهود، كشرط ضروري لتأسيس مجتمعات زراعية وصناعية وتجارية تطبق المبادئ اليهودية “وبهذه المجتمعات تستطيع الأمة المستعادة أن تقوم كحارس على ملتقى القارات ومعلم للشعوب الشرقية المتخلفة".
وعندما يتحدث القادة الصهاينة عن “الشرق الأوسط الجديد"، كما هو شيمون بيريس في كتابه المعنون بذلك، فإنهم يعيدون إنتاج مقولات المؤسسين عن التفوق اليهودي ورسالة تحضير أو تمدين الآخرين -الذين هم العرب- في ظروف إقليمية ودولية مغايرة.إن مثل هذه الأعمال الفكرية (المشروعات المتصورة) ليست سوى صدى معاصر للفكرة الأم التي رددها هس وهرتزل ونظراؤهما من قبل، مستلهمين تياراً غربياً عاماً كان مشغولاً بما سمي رسالة الرجل الأبيض.
بعد ستين عاما من اغتصاب فلسطين لم تتراجع الذهنية المتعصبة للقمع والظلم والتمييز والتطهير العرقي..لماذا؟ لأن الحالة الصهيونية تدفعها قوى لا تريد لها أن تتغير وتخضع للنظام الدولي ومعطياته وقراراته. عن صحيفة الخليج الاماراتية 22/5/2008