مرت مرور الكرام في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي ذكري مرور 60 عاما علي صدور قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لسنة 1947. الذكري الستون لبدء تقسيم العالم العربي بداية بفلسطين جاءت متواكبة مع اجتماع انابوليس في الولاياتالمتحدة الذي لم يسفر عن أية مكاسب للشعب الفلسطيني الذي يعد حالة استثنائية من بين شعوب الأرض لجهة عدم السماح له بتقرير مصيره واقامة دولته التي كفلتها قرارات الأممالمتحدة. وجاءت الذكري مع اشباح تقسيم تهدد دولا عربية أخري منها السودان والعراق والقائمة لن تقف عند هذا الحد لأن الهدف البعيد للعدو هو شرذمة العالم العربي لكي تصبح اسرائيل هي الكيان الوحيد المتماسك في المنطقة. والغريب أن ذكري صدور قرار التقسيم لم ترد علي بال أي من الحكام العرب الذين انشغلوا بانابوليس وجاءت التذكرة من بان كي مون أمين عام الاممالمتحدة الذي تحدث في رسالة وجهها بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني عن حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة القابلة للحياة علي أساس القرارات الدولية ومنها قرار التقسيم ذلك القرار الذي تحدث الي ذات مرة دبلوماسي مصري متهكما عليه بالقول "الله يرحمه". حالة الغيبوبة المطبقة ونسيان التاريخ رغم كونه حاضرا وتتم اعادة انتاجه في تلك المنطقة المنكوبة تستلزم التذكير بجذور المشكلة المزمنة التي تعيش فيها المنطقة والمتمثلة في مواصلة الغرب لعدوانه غلي العالم العربي في نسخة جديدة هي الصهيونية بعد انتهاء الحملات الصليبية والموجة الاستعمارية. لقد تحددت أهداف الصهيونية في ضرورة إنشاء وطن قومي لليهود في المكان الذي يزعمون أنهم عاشوا في ربوعه لفترة من الزمن منذ آلاف السنين ثم انفرط عقدهم وهاموا علي وجوههم في مشارق الأرض ومغاربها واندمجوا في شتي المدنيات والقوميات,رغم ان تلك الفترة لم تتجاوز 70 عاما في مدينة القدس التي عمرها الاف السنين. ارتبطت بداية التوسع الصهيوني في فلسطين ببداية تنافس الدول الأوروبية علي بناء الإمبراطوريات، ففي الوقت الذي هرع فيه المستعمرون والباحثون عن الثروة وبناة الإمبراطوريات إلي أفريقيا في أواخر القرن 19 بدأ تدفق الصهيونيين والمستعمرين إلي فلسطين. واتخذت الصهيونية من الاستعمار المنظم وسيلة لخلق وتجميع أمة جديدة ولم يكن عملها هذا وليد الإحساس بقومية يهودية. ولم يتحمس يهود أوروبا لهذه الفكرة وفضلوا الهجرة إلي الولاياتالمتحدة والأرجنتين عن عزلة عنصرية في فلسطين. ودفع هذا الفشل إلي إعادة اليهود دراسة خططهم وقام هرتزل بتحويل الحركة الصهيونية من حركة فكرية إلي حركة سياسية واجتمع المؤتمر الصهيوني الأول في 29 أغسطس سنة 1897 في مدينة بال بسويسرا وانتهي المؤتمر إلي أن أماني الصهيونية هي إنشاء وطن للشعب اليهودي يعترف به من الناحيتين الرسمية والقانونية ويصبح فيه الشعب بأسره في مأمن من الاضطهاد علي أن يكون هذا الوطن هو فلسطين. وسعت الصهيونية سعياً متصلاً للحصول علي تأييد الساسة للقضية اليهودية، فبذلت جهداً يائساً مع الحكومة التركية بوصفها صاحبة السلطة الشرعية علي فلسطين لتسمح بالهجرة اليهودية إليها ومنح اليهود استقلالاً ذاتياً فيها. غير أن السلطات العثمانية لم تقبل فكرة استيطان جماعة غربية تسعي لإقامة دولة مستقلة علي جزء من أقاليمها. وعد بلفور. واستطاعت الحركة الصهيونية أن تثير الاهتمام العالمي بفكرة إنشاء وطن قومي يهودي وعندما بدأت نذر الحرب العالمية الأولي واتفقت الدول الكبري علي اقتسام أملاك السلطان العثماني، وجدت الصهيونية فرصتها، وعمل وايزمان علي توثيق علاقاته بكبار الساسة الإنجليز ووعدهم ببذل الجهد لوضع فلسطين تحت الحماية البريطانية إذا أيدتهم بريطانيا في تحقيق أمانيهم في الوطن القومي. فصدر عن وزارة الخارجية البريطانية - بعد أن سبق وضمنت إنجلترا السيادة والاستقلال العربي علي الأراضي العربية في مراسلات حسين - مكماهون وعد بلفور وجاء فيه: "إن بريطانيا تعد بالنظر بعين العطف والرعاية إلي أمل الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وأن بريطانيا ستستخدم كل ما في وسعها لتحقيق هذا الأمل، علي ألا ينتج عن ذلك أي أضرار أو تعريض للحقوق المدنية والدينية للهيئات غير اليهودية الموجودة في فلسطين، أو أن يؤثر ذلك علي الحقوق أو الأوضاع السياسية لليهود في البلاد الأخري". وأذيع وعد بلفور بعد بضعة أيام من صدوره كما افتضحت اتفاقية سايكس بيكو، وشعرت الحليفتان بريطانيا وفرنسا، بالثورة العربية ولهذا نشرتا في 7 فبراير سنة 1918 بياناً مشتركاً ورد فيه: ولا رغبة لهما في أن تفرضا علي أهالي هذه البلاد أي نظام معين وإنما تريدان بتأييدها وبالمساعدة الكافية، أن تكفلا حسن سير الحكومات والإدارات التي يختارها الأهالي اختياراً حراً. والسياسة التي تؤيدها الحكومات المتحالفة في البلاد المحررة هي ضمان المساواة والعدل النزيه للجميع، وتيسير التقدم الاقتصادي للبلاد وتشجيع النشاط المحلي ونشر التعليم والقضاء علي الخلافات والمنازعات. وفي 25 أبريل سنة 1920 اتفق الحلفاء علي وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني وتقدموا بمشروع وثيقة الانتداب إلي عصبة الأمم دون أن يؤخذ رأي شعب فلسطين وفقاً لأحكام المادة 22 - 4 من عهد العصبة. وجاء في هذه الوثيقة ما يلي: "وحيث إن دول الحلفاء الكبري وافقت أيضاً علي أن تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن تنفيذ التصريح الذي صرحت به حكومة ملك بريطانيا في 20 نوفمبر سنة 1917 للشعب اليهودي مع البيان الجلي بألا يفعل شيئاً يضر الحقوق أو المركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخري? وحيث إن ذلك اعتراف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي في فلسطين والبواعث التي تبث علي إعادة إنشاء وطنهم اليهودي القومي في تلك البلاد?". وتدفقت سفن المستوطنين اليهود إلي الساحل الفلسطيني وقامت عصابات أرجون سفاي ليومي وشترن والهاجاناه - والأخيرة هي الجيش الوطني اليهودي - بعمليات مسلحة ضد عرب فلسطين المسلمين منهم والمسيحيين بل وضد اليهود الفلسطينيين الذين كانوا يميلون إلي المصالحة. انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 أبريل سنة 1947 بناء علي طلب الحكومة البريطانية للنظر في قضية فلسطين، واتخذت قراراً بتشكيل لجنة تحقيق لا يكون من أعضائها أي من الدول الخمس الكبري بحجة ضمان حيادها. وناقشت الجمعية العامة تقرير هذه اللجنة وأصدرت في 29 نوفمبر سنة 1947 قرارها رقم 181 الذي تضمن التوصية بتقسيم فلسطين، تحت تأثير الولاياتالمتحدةالأمريكية والأمين العام للأمم المتحدة تريجفي لي الذي كان معروفاً بميوله اليهودية. وأعلن القرار انتهاء الانتداب علي فلسطين. ووفقا للدكتورة عائشة راتب استاذة القانون الدولي والسفيرة والوزيرة السابقةيلاحظ علي هذا القرار تجاهل الجمعية العامة حق شعب فلسطين في تقرير مصيره وخالفت بذلك أحكام المادة 22 من عهد عصبة الأمم التي اعترفت بأن أقاليم انتداب (أ) قد وصلت إلي حالة من التقدم تسمح بالاعتراف مؤقتاً بوجودها كأمة مستقلة إلي أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه قادرة علي إدارة شئونها بنفسها. وميثاق الأممالمتحدة لا يعطي للجمعية العامة ولا لأي فرع آخر من فروع الأممالمتحدة سلطة القيام بتقسيم إقليم لا تملك عليه أي سيادة أصلية أو بطريق الميراث لا من العصبة ولا من غيرها وما أن أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها علي فلسطين في 15 مايو سنة 1948، حتي أعلن بن جوريون قيام دولة يهودية في فلسطين باسم إسرائيل. وتضمن التصريح الخاص بإنشاء دولة إسرائيل نداء موجهاً إلي جميع اليهود للمهاجرة إلي إسرائيل: "نحن نوجه الدعوة إلي كل اليهود في سائر العالم لكي يجتمعوا حول يهود إسرائيل لمساندتهم في مهمة تنظيم الهجرة والتنمية?". وفي 12 مايو سنة 1949 قبلت إسرائيل كعضو في الأممالمتحدة عقب إقرار بروتوكول لوزان الذي تعهدت فيه بعودة الفلسطينيين إلي ديارهم وتعويضهم طبقاً لقرارات الأممالمتحدة وهو تعهد لم تف به حتي وقتنا هذا بل أصدرت في 5 يوليو سنة 1955 قانون العودة الذي تنص المادة الأولي منه علي أن "لكل يهودي الحق في أن يعود إلي البلاد بوصفه مهاجراً" وقضت علي أي تحديد لهجرة اليهود إلي فلسطين بل ووضعت التزاما علي عاتق كل يهودي بالاستقرار والتوطن فيه