رحلة عربية صحيحة بخريطة طريق خاطئة سعد محيو لا أحد في لبنان لا يتمنى نجاح المبادرة العربية. فهذه ربما تكون الفرصة الأخيرة لوقف انزلاق البلاد نحو الهاوية.
لكن، لا احد في لبنان، ولا بالطبع خارجه، يتوقع أن يتمكّن نصف وزراء الخارجية العربية الذين يشكلون وفد الوساطة، من حل ولو نصف أو حتى عشر الأزمة اللبنانية. قد ينجحون في التوصل إلى هدنة مؤقتة، وقد يتمكّنون من إقناع الأطراف اللبنانية بالعودة إلى منطق الحوار وطاولته. بيد أنهم لا يملكون إمكانية الحل، لأنهم يفتقرون إلى خريطة الطريق الصحيحة التي تقود إليه.
ما طبيعة هذه الخريطة؟ إنها تلك التي تتضمن أولوية الوفاق العربي قبل الوفاق اللبناني، وأولوية الحوار العربي- الإيراني قبل الحوار اللبناني- اللبناني. وعلى عكس ما يفترض الكثيرون، هذا الوفاق وذاك الحوار ليس صعباً أو مستحيلاً.
فسوريا، وبرغم غضبها الكبير من إبعادها العام 2005 عما تعتبره بؤرة أمنها القومي الأولى (لبنان)، تدرك أن انفجار الحرب الأهلية اللبنانية مجدداً، هذه المرة بين المسلمين أنفسهم، سيهدد أكثر من أي شيء آخر هذا الأمن القومي نفسه. وإيران، وبرغم (أو ربما بسبب) معركة الحياة او الموت التي تخوضها ضد مشروع الشرق الأوسط الكبير الأمريكي- “الإسرائيلي"، فإن آخر ما تريده هو اندلاع حرب مذهبية في لبنان يتورط فيها “حزب الله".
ثم، وفي المعسكر المقابل، ثمة مؤشرات على أن الدول العربية “المعتدلة" باتت تقترب من لحظة الحقيقة في ما يتعلق بمشروع السلام مع “إسرائيل". فالأنباء بدأت تتواتر بكثافة عن ان السلطة الفلسطينية التي ولدت في رحم اوسلو، تفكّر في حل نفسها وإعلان العودة إلى الكفاح المسلح وخيار الدولة الفلسطينية الواحدة.
قد لا يحدث ذاك، أو قد يكون مجرد مناورة من رئيس فلسطيني يشعر أنه طعن في الصميم من رئيس امريكي لم يعطه ولو ورقة توت واحدة لتغطية استمرار حواره مع “الإسرائيليين". لكن، مجرد طرح هذا الموضوع الكبير في سوق التداول السياسي، يجب أن يدفع قوى “الاعتدال" العربي إلى بدء التفكير بإعادة النظر في مبادرتهم للسلام التي أقرتها القمة العربية العام 2002 في بيروت.
وإذا ما حدث ذلك، وهو سيحدث حتماً إذا ما أثبتت “التهديدات" الفلسطينية أنها أكثر من مجرد تهديدات، فهذا قد يزيل شوكة كبيرة في طريق الحوار مع دمشق وطهران. ثم أن هذا بدوره سيعيد تركيب المشهد الشرق أوسطي برمته على أسس جديدة، أو بالأحرى يعيده إلى صيغته الصحيحة القديمة: أولوية الصراع العربي- “الإسرائيلي" الوجودي، وهامشية الصراعات المحلية والإقليمية الأخرى.
لقد برزت خلال القمة العربية الأخيرة في دمشق فرصة مزدوجة لإعادة النظر باستراتيجية السلام العربية (عبر زراعة أسنان لها) ولنزع فتائل تفجير الأزمة اللبنانية. لكن هذه الفرصة أتت ولم تقتنص، فكانت الحصيلة الأولى دفع بلاد الأرز للانضمام إلى “الفوضى غير الخلاقة" الأمريكية - “الإسرائيلية" في المشرق العربي.
الآن، تتكرر الفرصة نفسها بسبب رغبة الجميع، عرب وإيرانيين، في وقف انزلاق لبنان نهائياً نحو الحريق العام في المشرق العربي، الأمر الذي سيفتح جبهات داخلية جديدة لصالح الهيمنة الاستراتيجية “الإسرائيلية" على المنطقة.
بيد أن اغتنام هذه الفرصة يتطلب خريطة طريق أخرى غير تلك التي تسير على هديها المبادرة العربية الحالية، والتي لا يتضمن جدول أعمالها سوى محاورة “المعتدلين" العرب لأنفسهم؛ خريطة طريق تظهر فيها بوضوح خطوط المواصلات المؤدية إلى دمشق وطهران. عن صحيفة الخليج الاماراتية 15/5/2008