احتفالية تشكيل منظمة التحرير وتطويرها حمادة فراعنة لا شك ان أحمد الشقيري، لعب دوراً مميزاً في بلورة وتشكيل وقيام منظمة التحرير الفلسطينية في أيار العام 1964، بدعم وإسناد جمال عبد الناصر. ولكن هزيمة حزيران 1967، وارتباط منظمة التحرير بعجلة الاستقطاب والنظام العربي، أفقدها استقلاليتها المطلوبة، وحملها ثمن هزيمة العرب أمام المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، فسقطت مرحلة الشقيري بسقوط ونهاية تلك المرحلة الانهزامية، لتنتقل منظمة التحرير بفترة تحول خلال عهد يحيى حمودة، ليقودها ياسر عرفات، صاحب المبادرة في انطلاق الكفاح المسلح، وتحرير المنظمة من الارتباط بعجلة النظام العربي وسياساته. وانتزاع المنظمة لموقعها ومكانتها الفلسطينية والعربية والدولية، وترسيخ ذلك، بصفتها التمثيلية، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، والناطقة باسمه، والمعبرة عن مصالحه. وخاضت المعارك المختلفة بأشكال وأدوات قتالية ودبلوماسية وجماهيرية أثمرت، بفعل الانتفاضة الجماهيرية غير المسلحة ضد الاحتلال العام 1987، الى التوصل الى اتفاق اوسلو التدريجي المتعدد المراحل، والتوقيع عليه في حديقة الورود في ساحة البيت الابيض يوم 13/9/1993، وبعد توقيع ياسر عرفات واسحق رابين على وثيقة الاعتراف المتبادل يوم 9/9/1993. "اوسلو"، وما أسفر عنه، وما انبثق منه، هو الإنجاز الأهم بعد سلسلة طويلة من الإنجازات والإخفاقات التي بدأت مع وبعد تشكيل منظمة التحرير في هذا الشهر من العام 1964، وهزيمة العام 1967، ومعركة الكرامة يوم 21/3/1968، التي شكلت نقلة نوعية ومسار وتاريخ النضال الفلسطيني، حينما تحول الكفاح الفلسطيني المسلح من مجموعة من المغامرين الى حركة جماهيرية واسعة تستقطب المثقفين وقادة المجتمع، ومن فشل المقاومة الفلسطينية في الاردن وهزيمتها 1971، الى الاجتياح الاسرائىلي للبنان العام 1982 وخروج قوات المنظمة من لبنان، الى التحول التاريخي في نقل معركة الشعب الفلسطيني من المنفى الى الوطن، وانفجار الانتفاضة داخل فلسطين العام 1987، واتفاق اوسلو العام 1993 الذي حقق مجموعة من الخطوات العملية على ارض الوطن الفلسطيني تمثلت بما يلي: اولاً: الاعتراف الاميركي الاسرائيلي لأول مرة بحقيقة وجود الشعب الفلسطيني وما يترتب على هذا الاعتراف من تداعيات واستحقاقات. ثانياً: الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني. ثالثاً: الإقرار بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني. رابعاً: الانسحاب الاسرائيلي التدريجي متعدد المراحل عن المدن الفلسطينيةالمحتلة، والذي بدأ من غزة وأريحا اولاً وتتالى مع باقي المدن الفلسطينية باستثناء مدينة القدس. خامساً: عودة الرئيس عرفات الى الوطن، وعاد معه بشكل تدريجي حوالي 320 ألف فلسطيني. سادساً: ولادة السلطة الوطنية ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية واجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية المتكررة والمتعددة. الانتفاضة الفلسطينية الثانية، المسلحة والاستشهادية غير الجماهيرية في تموز 2000، أدت الى اعادة احتلال اسرائيل لكل المواقع التي سبق وانحسر عنها الاحتلال، وفرض الحصار على الرئيس عرفات ومنعه من التنقل والسفر، واغتياله بظروف غامضة، وصعود مكانة حركة حماس التي وقفت ضد اتفاق اوسلو وعملت على إحباطه وفشله ونجاحها في الانتخابات البلدية 2005 والتشريعية الثانية 2006، وتشكيلها لحكومة اسماعيل هنية الحزبية الاولى في 28/3/2006 وحكومة اسماعيل هنية الائتلافية الثانية في 15/2/2007 قبل قيام حماس وكتائب القسام والقوة التنفيذية بالانقلاب يوم 14/6/2007 ضد السلطة الشرعية ومؤسساتها واللجوء الى الحسم والخيار العسكري لحل الخلافات السياسية. تواجه منظمة التحرير سلسلة تحديات داخلية وخارجية، لا تستطيع الصمود في وجهها والحفاظ على مسيرة النضال الفلسطيني وحقوق شعبها بدون تصليب وضعها الداخلي وتمتين الائتلاف الذي يقودها وتعزيز علاقاتها العربية والدولية على المستويات الرسمية والمستويات الحزبية والجماهيرية والنقابية والبرلمانية، اضافة الى اهمية اختراق المجتمع الاسرائيلي وكسب انحيازات اسرائيلية لعدالة قضيتها الوطنية وشرعية نضالها من اجل تحقيق اهدافها السياسية والانسانية النبيلة: اولاً: تعاني مؤسسات منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية والمجلس المركزي ومجلس ادارة الصندوق القومي والمجلس الوطني واللجان العاملة المنبثقة عنه، من هرم وتمزق وغياب المبادرات وثقل المسؤولية الملقاة على أناس بذلوا جهودهم وتعبوا وباتوا بحاجة لضخ دماء جديدة لصفوفهم لعل مؤسسات المنظمة تتحرر من حالة الشلل لبعضها، والضعف لبعضها الآخر، وغياب بعضها الثالث، وهذا لن يتأتى دون عقد مجلس وطني جديد يتحمل مسؤولية برمجة وتنشيط مؤسسات المنظمة وتفعيلها. ثانياً: تواجه منظمة التحرير انشقاقات داخلية وتمزقاً وطنياً سواء بين الفصائل الاساسية الحيوية الفاعلة بين صفوف الشعب الفلسطيني وفي طليعتها الانشقاق الأبرز بين فتح وحماس، وبين صفوف الائتلاف الذي يقود منظمة التحرير والمشكل من فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب حيث يغيب غالباً التفاهم وتحديد الأولويات بين هذه الفصائل، ما يعيق حركتها وتماسكها ويوفر مظلة للمتطرفين والانقلابيين في مواصلة تشددهم وتشكيكهم بالمنظمة وشرعيتها ويضعف دور مؤسساتها. ثالثاً: عدم التفاهم وبالتالي عدم الالتزام بأشكال النضال الكفاحية ضد الاحتلال، حول العمليات الاستشهادية ضد المدنيين، واطلاق الصواريخ، والمفاوضات وغيرها من اشكال العمل السياسي والقتالي والجماهيري والدبلوماسي. رابعاً: غياب الاستراتيجية الوطنية الواضحة الفاعلة في كيفية التعامل مع الجاليات الفلسطينية في المنافي والشتات ويجعلها عرضة للانفصال السياسي عن مهمات النضال السياسي الذي يخدم ويدعم مؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية وخياراتها الكفاحية، مثلما يجعلها عرضة لنفوذ وتأثير التيارات الأصولية والمتطرفة والعمليات الانشقاقية ويرهن قضية اللاجئين ومصالحهم للانتهازيين المتسلقين على أكتاف الشعب الفلسطيني ومصالحه الحيوية. خامساً: غياب البرنامج الوطني العملي والواقعي الواضح في التعامل مع الجزء الثالث من الشعب الفلسطيني المقيم داخل وطنه في مناطق الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وغياب الاستفادة من خبراتهم ودورهم وكفاحهم داخل اسرائيل للحفاظ على هويتهم الوطنية وقوميتهم العربية ودياناتهم الإسلامية والمسيحية والدرزية، وتشجيعهم نحو خيار الانتخابات والذهاب الى صناديق الاقتراع، بهدف زيادة عدد نوابهم في الكنيست وتفعيل دورهم وتأثيرهم على سياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، من أجل لجم العدوانية والتطرف والتمييز العنصري الواقع عليهم، ومن أجل اختراق المجتمع الاسرائيلي وتعزيز فرص وقوى خيارات السلام والتعايش والمساواة والشراكة والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني داخل المجتمع الاسرائيلي، ومن أجل ان يكونوا التيار الثالث في اسرائيل عبر تماسكهم وتحالف أحزابهم وتقوية دورها السياسي والكفاحي لمصلحة شعبهم سواء في مناطق الاحتلال الاولى العام 1948 او مناطق الاحتلال الثانية العام 1967. وبسبب هذه العوامل وتراجعها او غيابها أدت الى هبوط وتراجع وطني فلسطيني شعبي ومؤسسي أمام قوة اندفاع المشروع التوسعي الاستعماري الاسرائىلي سواء باتجاه الاستيطان وتوسيعه وابتلاع الارض وتهويد القدس واستكمال بناء الجدار العازل او باتجاه عدم التجاوب مع استحقاقات التسوية وشروط التعايش والسلام وبما يتناقض مع قرارات الأممالمتحدة وخاصة خارطة طريق اللجنة الرباعية المقرة من قبل مجلس الأمن في القرار1515 . عن صحيفة الايام الفلسطينية 7/5/2008