الماضي هو المستقبل.. إلا صحوة القوميات د. أنور عبد الملك عود إلي عرض الأفكار والمخططات التي تقدمها وسائل الإعلام المؤثرة في دائرة الأطلنطي, بدءا من مركزها القيادي الثابت في الولاياتالمتحدة وقد رأينا أن نتوقف لتحية انتخاب رئيس روسيا الجديد وسيكون لنا عودة لبرنامجه الرئيسي تو إعلانه. كان لقاؤنا الأول منذ أسبوعين مع رؤية جون إيكنيري واليوم ننتقل إلي رؤية روبريت كاجان, الخبير المعروف صاحب الكتاب الشهير حول الفارق بين أوروبا من الملائكة وأمريكا وهي من النار في مؤسسة كارنيجي يختلف كاجان مع زميله إيكنيري منذ البداية إذ يعلن أن رؤية إيكنيري الي النظام العالمي أو الكوكبي ممكنة لو كانت الدول الكبري تشترك في إيمانها بنفس المبادئ السياسية ولكن الأمر, كما هو معلوم, ليس كذلك بحال من الأحوال, روسيا والصين والولاياتالمتحدة بين مجموعة الدول الكبري, لاتتفق من حيث فهم الأمور ولا المصالح, مما سوف يؤدي إلي النظام العالمي الكوكبي كما تصوره إيكنيري. كيف إذا يكون العالم الجديد, مادام أنه لامفر من الجديد في العالم؟ أولا: وعند كاجان أن هذا العالم سوف ينتظم حول أركان ثلاثة: 1 استمرار السيطرة الأمريكية أولا, وهنا يتصور كاجان أن الولاياتالمتحدة سوف تستمر في مكانة التفوق من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية, وذلك رغم مايطلق عليه أحداث السنوات القليلة الماضية, ولايذكر بالطبع ماهي هذه الأحداث وكيف يمكن تفسير فشل أكبر قوة عسكرية دون النووية في مطلع القرن الحادي والعشرين في الانتصار علي العراق بعد تدميره وأفغانستان رغم التسلط علي دولتها المفتعلة؟ أليس هذا الفشل يمثل هزيمة بكل معاني الكلمة؟ وإلا: كيف يمكن تسميتها؟ وأيا كانت التسمية, فما هي أسباب الفشل؟ لاشيء: لاسؤال, ولاجواب, ويؤكد خبير مركز كارنيجي أن العالم سوف يشهد وجود قوة عالمية كوكبية واحدة خلال المستقبل الكبير أي أمريكا ويضيف أنه سوف يكون هناك عدد من القوي الإقليمية أيضا والتحليل يبدأ وينتهي من رصد مستوي وحجم التسلح, وكذا تصور تفوق الاقتصاد الأمريكي, دون ان يتساءل الخبير المرموق: هل القوة تتمثل في مجرد تراكم الأسلحة مصحوبة بسيطرة علي الأسواق؟ افلا يري بعينه عجز الدولة العظمي في حروب ثانوية مع دول وقوي من طراز بسيط, هذا بينما تنتشر الأزمة المالية وينهار الدولار وترتفع معدلات البطالة في ديار القطب الأوحد, لايري, لايسمع؟ لايتذكر, لايفهم؟ 2 ثم يري كاجان ارتفاع ظاهره القومية من جديد, بما سوف يترتب عليها من منافسات إقليمية وعن الظاهرة القومية التي يؤكد محوريتها يضيف كاجان أنها لم تختف في الواقع أبدا, وفي هذا يتقدم الخبير الأمريكي بجرأة, إلي واقع أمور الدنيا وهو أمر زاد الكثير من أنصاره في ديارنا. ثم ينتقل كاجان ليحدد هذه الصراعات الإقليمية كما يتصورها: الصين سوف تتنافس مع اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا, وكذا الأمر بالنسبة لروسيا في مواجهة جاراتها في أوروبا الوسطي, أما في شرقنا الأوسط فإنه يري أن إيران سوف تسعي إلي السيطرة علي من؟ ولماذا؟ لا كلمة عن العالم العربي ولاذكر لاسرائيل النووية. أما الركن الثالث فسوف يتمثل في التنافس بين الديمقراطية والنظام الاستبدادي. ذلك ان الديمقراطية كانت تسير إلي الأمام منذ سنوات, حسب قوله أما اليوم فإن روسيا والصين وعدة دول أخري صاحبة مصلحة في انتشار النظم الاستبدادية والحد من حركات الإصلاح الديمقراطي. ويخلص كاجان الي تصور المستقبل معلنا أن الولاياتالمتحدة سوف تعمل علي تجديد الصراعات الإقليمية, ثم تبدأ في اكتساح موجة النظم الاستبدادية. وهنا يشير إلي أن الولاياتالمتحدة سوف تظل اشد المدافعين عن الحرية وهنا, فجأة, وبعد ذكر العديد من الدول الكبري فيما سبق, يتجه إلي الإسلام عدو التحديث الذي سوف تواجهه الولاياتالمتحدة علي وجه التخصيص مؤكدا بذلك رسالته صهيونيا مخضرما من الأعماق, أن تفوق أمريكا, حسبما يري الرجل, سوف يستمر دون هوادة بوصفه الحاجز الاوحد الذي يصون عالمنا من التراجع إلي عالم أكثر خطورة. ثانيا: إلي هنا ينتهي عرض كاجان لرؤيته الجديدة القديمة لعالم المستقبل ومن اللافت أنه, وكذا زميله إيكنيري, لايستعملان تعبيرالعالم الجديد, في النظام العالمي. عالم المستقبل لن يكون إلا استمرارا للنظام العالمي حول قطب الهيمنة الأمريكي وهو عندهم الجوهر مع بعض التنوع في أعمال هذه الهيمنة. أن مجرد تصور عالم متعدد الاقطاب, دعنا من تراجع القطب الأمريكي في المكانة الأولي, لايتطرق إلي بال الخبيرين الكبيرين في بلادهما بطبيعة الأمر إلي درجة تدفع القارئ للتساؤل: أين العالم؟ أين القوي الأخري؟ أين ذلك العالم الذي قالوا عنه إنه ثالث, وهو اليوم يرفع الوية الصعود ليس فقط حول الصين, القوة العظمي الصاعدة في العالم الجديد باعتراف الجميع, ولكن أيضا في روسياواليابان والهند وفيتنام والبرازيل وفنزويلا, ثم ماالقول في مشروعات تجمع عددا مهما من الدول الكبيرة والوسطي مثل مشروعات الاتحاد الأوروبي. وآسيا والميركو ثم: كيف فات علي كل من المفكرين الأمريكيين ذكر مجرد ذكر, منظمة شانجهاي للتعاون, كبري التجمعات في العالم قاطبة رغم الاعادي؟ شعور بعدم الانسجام, أو انعدام الرؤية الواسعة الجامعة انتشر بين جميع المشاركين في الاجتماع الذي عرض فيه إيكنيري وكاجان الورقتين الرئيسيتين في شهر مايو2007 في مركز ميلر للشئون العامة بجامعة فيرجينيا الأمريكية ذلك أن الكاتب الصحفي ديفيد بروكس الذي رصد هذا الاجتماع المهم هيرالد تريبيون2007/6/20 وقد عبر عن هذا المأزق بكلمات دالة عدد من كبار المفكرين اجتمعوا لمناقشة مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية, فهل نتصور ماحدث؟ إنهم لم يتفقوا. لم يتفقوا حول إذا ماسوف تحل الصين مكان الولاياتالمتحدة بوصفها الدولة العالمية القائدة, لم يتفقوا حول مستقبل التطرف الإسلامي وهل سوف يكون مركزيا أو هامشيا في السنوات المقبلة. لم يتفقوا حول مغزي انعدام شعبية أمريكا. تساءلت, وقد يشاركني في ذلك العديد من الناس اللي تحت وربما بعض الناس اللي فوق: هل يمكن تري ان نقدم بعض الأفكار لمشاركة زملائنا حيرتهم رغم مايحيط من إمكانات في قلب ترسانة الفكر والعمل في الدولة العظمي الاحادية؟ 1 مسألة المنهج أولا, ألا يدرك صفوة المفكرين الأمريكيين أن لا شيء يبدأ من فراغ أي أن قوة اليوم هي ناتج عملية تاريخية جبارة قد نختلف علي تحديد لحظة انطلاقها وإن كان من المعقول ان تعتبر أن المرحلة بين القرنين الرابع والسادس عشر من الاكتشافات البحرية وقيام الثورات الثلاث العلمية والصناعية والرأسمالية هي التي تمثل البداية؟ وإن كان الأمر كذلك, افلا يجدر بعلماء سياسة الهيمنة أن يقفوا علي أحوال العالم قبل هذه القرون الست؟ أم أن كونهم من أبناء الولاياتالمتحدة, الأمة الجديدة الوحيدة بمعني الكلمة علي حد تعبير توماس جيفرسون, يحجب ادراكهم أن العالم قام علي أركان الحضارات التاريخية الكبري في الشرق في مصر وبلاد الفرس والصين علي وجه التحديد بينما أجدادهم كانوا من الرعاة الهائمين علي ساحات لاتعرف الاستقرار, دعنا من الزراعة والصناعة والعلوم وفنون الإدارة والحرب. وكذا افلا يجدر بهم أن يدركوا ان التاريخ عملية جدلية لم ولن تنتهي, وأن ماهو قائم اليوم سوف يتغير, دون ان يعني هذا بالضرورة زوال المراكز العظمي, وإنما إعادة ترتيب أمور الدنيا إلي عالم جديد قلنا ونؤكد أنه دخل مرحلة الصياغة, وإنه يتجه إلي عالم جديد لن يكون نظاما جديدا تعمل القوي الجديدة العريقة معا لصياغته علي صورة تفسح المجال لافساح المجال أمامهم لتعدد الاقطاب والمراكز والثقافات. أي في كلمة: لماذا هذا الجمود الفكري؟ أم أنهم يدركون ولايفصحون؟ أم ماذا؟.. 2 مما يقودنا إلي ظاهرة القومية, أي وجود واستمرار الأمم الأوطان حول دولها, هذا كتاب جديد يحتاج إلي تفكير في الاعماق, حول التساؤل الملح: ماهو مقام الأمم والدولة الوطنية في عصر العولمة؟ هل صحيح أنها إلي ذوبان بعد تضاؤل نفوذ الأمم والدول المتوسطة والصغيرة؟ ولماذا لايواجه كبار المفكرين في ديار الهيمنة والعالم الغربي هذه المسألة الملحة؟ هل تري أنهم من أنصار نظرية ذوبان الأمم وتفكك الدول بما في ذلك دول العالم العربي ذاته؟ أم أن الأمر يحتاج إلي التمعن في دراسة التفاعل الجدلي بين العولمة في صياغتها المعاصرة من ناحية والأمم ودولها الوطنية في مطلع القرن الحادي والعشرين من ناحية أخري. قال صاحبي: ياأخي, ياأخي, كفاية الكتابة المرة تلو المرة هذه الأيام عن خفايا نيات العدو وخطط دائرة الهيمنة السوداء! كفاية؟ لماذا لاتعود بنا إلي مستقبل شم النسيم علي أرضنا المحروسة؟.. ماذا؟ ماذا تقول؟ إنه لابد من كشف أوراق أفكار ومخططات الحرب لإجهاض مستقبلنا ما دام أن المارينز العرب مازالوا يصرون علي موقف التبعية والتنكر لتغيير العالم, ينشرون الآمال الكاذبة دون تردد, دعنا من الخجل, وقد أصبح الخجل من تراث الماضي الوطني اللعين.. ان غدا لناظره قريب. أليس كذلك.. عن صحيفة الاهرام المصرية 6/5/2008