هل انتهى عصر الثورات؟ محمد خالد أكبر حزب ثوري في التاريخ هو الرغيف (...) القانون الأزلي للثورة: "اذا لم يجد الفقراء خبزاً يملأون به بطونهم، فإنهم يملؤونها بالثورة"، إنه هو الأقدم والأكثر عنفاً من وسائل التغيير الاخرى. من هذه الوسائل نختار سِتاً: الديمقراطية، التحرر الوطني، الانقلاب العسكري، الحرب الخارجية، الحرب الأهلية، والثورة الداخلية. الديمقراطية: هي التغيير السلمي للنظام عن طريق صندوق الاقتراع، وغالباً ما يكون التغيير متدرجاً من تبديل حزب حاكم بحزب آخر، أو انتقال المعارضة الى الحكم، أو تبديل حاكم بآخر، ونادراً ما يكون جذرياً بتغيير طبقة بطبقة أخرى. التحرر الوطني: هو طرد المستعمر وتحقيق الاستقلال وقيام سلطة وطنية، وغالباً ما يكون ذلك بالوسائل العنفية كالكفاح المسلح (الجزائر) أو العصيان المدني (الهند) وكما قال غاندي: "إنني أدعو الى اللاعنف، ولكن بين الجبن والعنف فإنني أختار العنف". من أروع أنواع التحرر الوطني عن طريق الكفاح المسلح ما قادته فيتنام عبر ربع قرن أدى الى هزيمة امبراطوريتين: الامبراطورية الفرنسية، ولاحقاً الامبراطورية الأمريكية. الانقلاب العسكري: إنه أسوأ أنواع التغيير حيث انه يستبدل السلطة المدنية بسلطة عسكرية تؤدي في معظم الأحيان الى الدكتاتورية والقمع والاضطهاد وسرقة المال العام وإفقار البلاد. إنها تبديل زمرة بزمرة اسوأ منها. تبديل طربوش أحمر بطربوش أكثر احمراراً. وخلال نصف قرن قام في الوطن العربي 18 انقلاباً عسكرياً أدى الى هزائم سياسية واجتماعية واقتصادية داخلياً، كما أدى الى هزائم عسكرية مفجعة مع العدو، وأصابت الجماهير حالة من اليأس والإحباط بحيث ترحمت فيها على الأنظمة السابقة (ملكية حقيقية أفضل من جمهورية مزورة). الحرب الخارجية: هي الحروب التي تقع بين الدول، وأكبر مثالين على ذلك هما الحربان العالميتان الأولى والثانية، حيث جرى تغيير جذري في دول عدة قائمة، ولحق ذلك بتدمير امبراطوريات وتفكيكها مثل الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وانشقاق دول كثيرة عنها، وكذلك تبديل أنظمة حكم في الحرب العالمية الثانية مثل اليابان وألمانيا ودول أوروبا الشرقية بحيث إن المنتصر كان يفرض شروطه على المهزوم. وللحروب الخارجية أسباب متعددة يأتي على رأسها مصالح الدول المتحاربة وخاصة المصالح الاقتصادية. يقول ديغول: "لا تفتشوا عن أسباب الحرب في براميل البارود، بل في اهراءات القمح". الحرب الأهلية: تنطلق الحرب الأهلية من مقولة: "إذا وقف الهرم الاجتماعي على رأسه، فإن جدول أعمال الوطن ينحصر في اثنتين: العدالة أو الحرب الأهلية". هي حرب داخلية قد تكون مذهبية أو طائفية أو عشائرية أو عرقية وقد تكون حرباً جذرية ضد الظلم والاضطهاد. والحروب الأهلية التي لا ينتصر فيها فريق انتصاراً كاملاً فإن ذلك يفتح الطريق لحكم العسكر. الثورات الداخلية: الثورات الداخلية الكبرى هي ثورات جذرية حيث ان طبقة جديدة تطرد طبقة حكم قديمة ما يؤدي الى تغيير نظام الملكية من أساسه، وذلك على قاعدة المقولة الثورية: "ليس ثمة ثورة من دون تغيير نظام الملكية". من الثورات التاريخية الكبرى نختار ثلاثاً: الثورة الفرنسية عام ،1789 الثورة الروسية عام ،1917 الثورة الصينية عام 1948. الثورة الفرنسية: هي ثورة الطبقة البورجوازية العلمانية ضد تحالف الاقطاع مع الدين، وهي ثورة جذرية اقتلعت النظام القديم من جذوره. يومها ظهر شعار "لنشنق آخر اقطاعي بأمعاء آخر قسيس". لم تستخدم المشنقة في الثورة الفرنسية لأنها أداة بطيئة بالنسبة لإيقاع الثورة السريع، فتم اختراع المقصلة التي قطعت رؤوس أعدائها ورؤوس أبنائها معاً، على قاعدة ان الثورة تأكل أبناءها. وعندما سقط الاقطاعي ورجل الدين وتأخر البورجوازي العلماني في استلام الحكم، تقدم العسكري (نابليون) فملأ الفراغ وفرنسا الآن هي أكثر الأنظمة العلمانية في أوروبا حيث تم فصل الدين عن الدولة بشكل نهائي. الثورة الروسية: على عكس ما تنبأ به معلم الاشتراكية الأول (كارل ماركس) من أن الثورة ستقوم في بلد صناعي تشكل الطبقة العاملة عمودها الفقري (المانيا) فقد قامت أول ثورة اشتراكية في التاريخ في بلد زراعي متخلف صناعياً، حيث قاد لينين الثوري حزباً ثورياً هو الحزب الشيوعي، مسترشداً بنظرية ثورية في ظل حالة شعبية ثورية هي عدم قدرة الجماهير الاستمرار على العيش. إذ رغم ان البلاشفة كانوا أقلية إلا أن لينين صاغ شعارات الثورة التي تبنتها الجماهير: "الأرض للفلاحين - السلم للجنود، كل السلطة للسوفييت". سقطت الثورة البلشفية عام 1990 وهي رحلة بائسة قطعها الاتحاد السوفييتي خلال 73 عاماً من ماركس الى "ماركس اند سبنسر". الثورة الصينية: كانت الثورة الاشتراكية الصينية ثورة خلاصية بحتة بقيادة ماوتسي تونغ حيث انتصرت طبقة الفلاحين على طبقة الاقطاع المتحالف مع العسكر، ولا تزال الصين قلعة اشتراكية تتطور نحو الليبرالية متفادية اخطاء الاتحاد السوفييتي. ولا يزال السؤال قائماً: هل انتهى عصر الثورات الكبرى؟ الجواب في بطن التاريخ لا على سطح الجغرافيا. عن صحيفة الخليج الاماراتية 5/5/2008