استراتيجية المراحل الإسرائيلية في غزة عاطف الغمري كلما خرج مسئول من حماس بتصريح ينبئنا فيه بإعادة اقتحام الحدود مع مصر, تردد صدي كلامه مثل عزف علي نغمة اسرائيلية شهيرة. وسواء كان يدري أو لا يدري فالنتيجة واحدة, وهي انهم حتي وان تصوروا انهم يعبرون عن أنفسهم, فما يتم هو في النهاية في خدمة هدف اسرائيلي غير خفي. .. شلومو بن آمي وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق في حكومة ايهود باراك صدر له أخيرا كتاب بعنوان جراح الحرب وندوب السلام, يقول فيه ان8% من الاشتباكات مع سوريا قبل حرب1967, كانت جزءا من تصعيد بتدبير من اسرائيل, للموقف حتي يؤدي الي الحرب[ حرب67]. وهي معلومة سبق أن أفصح عنها موشي ديان قبل وفاته, بأنهم كانوا يدبرون عمليات استفزاز محدودة علي الحدود, بهدف دفع الجانب العربي للرد عليهم, وعندئذ يستغلون ذلك في تصوير أنفسهم أمام العالم, وكأنهم يقومون بالرد علي اعتداء وقع عليهم. أي أنهم يخلقون الظروف التي تدفع الآخرين للاندفاع في طريق, يريدونهم ان يندفعوا فيه. ويشرح بن آمي في كتابه ان اسرائيل تسير منذ آواخر السبعينيات علي ما يسمي استراتيجية المراحل, بنقل الموقف الفلسطيني من مرحلة الي أخري, وصولا الي الهدف النهائي بالإستيلاء علي كل فلسطين. وذلك تطبيقا لخطة وضعتها الحركة الصهيونية من البداية هدفا لها, وهي الTRANSFER( الترانسفير) اي ترحيل الفلسطينيين الي خارج بلادهم. وكلمة الترانسفير أو الترحيل تتردد في اسرائيل في مناسبات مختلفة, وقد اعلنها بوضوح عام1987 عضو الليكود مايكل ديكيل, وأكدها في نفس الوقت جريون بات الوزير في حكومة حزب العمل, الذي دعا لوضع الفلسطينيين في شاحنات, واخراجهم من فلسطين. وهي انعكاس لسياسة ثابتة تظهر كلما سنحت لها الظروف, منذ تيودور هيرتزل وحتي أولمرت. وقد عبر عنها ايهود باراك وزير الدفاع الحالي, الشهر قبل الماضي, من خلال ما نقلته عنه مصادر مقربة منه, بأنه يبحث إمكان اخلاء بعض أحياء غزة, خاصة تلك الواقعة بالقرب من حدود اسرائيل, وقول هذه المصادر ان التفكير في اسرائيل يدور حول ابتكار شكل قانوني لإخلال أحياء غزة, ودفع الفلسطينيين من جديد نحو رفح المصرية. ورغم فشل عملية اقتحام الحدود المصرية قبل شهرين فإن ذلك لم يقض علي فكرة تكرار المحاولة, بمعاودة الحصار والضغط المعيشي علي سكان غزة. والغريب أن أحداثا مأساوية يقع فيها الفرقاء الفلسطينيون, بتدبير اسرائيل, لم يكن أبدا من الاسرار الاسرائيلية المحظورة, بل هي أهداف معلنة ومنشورة. ومع ذلك يندفع البعض من الأخوة الفلسطينيين إلي الوقوع فيها ليتحقق لاسرائيل ماراهنت عليه, وعملت من أجله, وانتظرت حدوثه. فمنذ قبول شارون خريطة الطريق التي اعلنها الرئيس بوش, كانت حسابات اسرائيل ان القبول بها, هو إبراء للذمة, ثم السعي لتدبير وقيعة في الصف الفلسطيني, تخلي مسئوليتها عن عدم تنفيذ ما قبلته والتزمت به, وتلقي بمسئولية الاخفاق والتعثر علي الفلسطينيين أنفسهم.. يومها راهنت اسرائيل علي وقوع حرب أهلية بين الفصائل الفلسطينية, وانتظرت ما سيفعلونه, وكأنها علي ثقة تامة من غياب الفطنة, وأن ما حسبت حسابه, سوف يأتيها علي طبق من فضة, وهو ما حدث بالفعل في غزة, من اقتتال بين فتح وحماس, وانفصال غزة بحكومة منفصلة عن الكيان الفلسطيني, وهنا لا نعفي الطرفين من المسئولية. فهما معا يتحملانها بنفس القدر. ان الأخوة الفلسطينيين فتح وحماس كانوا علي علم بالرهان الاسرائيلي, لكنهم أوقعوا أنفسهم بأنفسهم في حبائل الفخ. دون أي جهد من جانبهم لتفويت الفرصة علي اسرائيل, واحباط خطتها. وهو نفسه ما يحدث في غزة, فهم ليسوا جاهلين بخططها, وبالتاريخ الصهيوني, وبالأهداف الثابتة للاستراتيجية الاسرائيلية, وبخطط إفراغ غزة من سكانها, ودفعهم للهروب الي سيناء, ثم اغلاق ابواب غزة منعا للعودة. وحين تعاود اسرائيل التهديد بتشديد الحصار لايجد مسئول حماس القيادي, لديه ما يواجه به اسرائيل, سوي الإعلان عن انه لا يجد لديه من خيار سوي قوله ان الخيارات مفتوحة, وستبقي مفتوحة, بها فيها إعادة فتح الحدود مع مصر. فإذا لم تكن سيناء من زاوية أطماع اسرائيل, تثير قلقه, أفلا يستثار من أطماعها في بلدة, والتي لم تهدأ يوما, ولا تقوي نزعاتها سوي في مثل مواقف الهروب الي الأمام؟. ان اسرائيل لها هدف نهائي, وآليات للتنفيذ, أهمها [ باعتراف زعمائها ومسئوليها] تشديد الضغوط علي خصومها, وحصارهم داخل حلقة خانقة, تسمح لهم فيه بمنفذ وحيد, ليندفعوا فيه, بارادتها هي.. ويفترض ان الحس الوطني, والادراك السياسي, وقراءة التاريخ الاسرائيلي, يجعل القيادة التي تجد نفسها وقد وقعت في هذا الموقف, ترفض ان تنساق فيما دبرته لها اسرائيل, وليس التحول بوجهها الي الناحية الأخري.. الي الجانب المصري من الحدود, الذي هو الخط الداعم لهم حاضرا ومستقبلا. وليس الوقوع عن طواعية في الفخ الاسرائيلي. عن صحيفة الاهرام المصرية 30/4/2008