ثلاثون عاماً على تأسيس حركة "السلام الآن" الإسرائيلية حمادة فراعنة وحده النائب مروان البرغوثي، عضو المجلس الثوري لحركة فتح الأسير منذ سنوات في سجون الاحتلال، وحده تذكر مرور ثلاثين عاماً على تشكيل وتأسيس حركة السلام الآن الاسرائيلية المناهضة للاحتلال والرافضة للمشاريع التوسعية الاسرائيلية على حساب الشعب العربي الفلسطيني. تذكر النائب مروان البرغوثي لم يكن مبعثُه أنه سجين يستجدي الحرية، ولم يكن بسبب ثقافته الديمقراطية كنائب منتخب ممثل لشعبه او في المجلس التشريعي، ولم يكن بسبب موقعه القيادي في حركة فتح وفي الشارع وفي قيادة الانتفاضة الفلسطينية في وجه الظلم والاحتلال والاستعمار، وانما كانت دوافعُه لأنه يدرك بالملموس أهمية اختراق المجتمع الاسرائيلي وأهمية كسب انحيازات اسرائيلية لعدالة قضية شعبه الفلسطيني، وأهمية مخاطبة الرأي العام والقوى الحية لدى الاسرائيليين خدمة للقضية الفلسطينية وكسب اصدقاء لها، إنها ميزة تفتقد لشجاعتها الاغلبية الساحقة من القيادات الفلسطينية، التي غدت أسيرةَ حصار جيش الاحتلال الاسرائيلي، وحصار اجهزته الامنية وغدت اسيرةَ الأجندة الرسمية الاسرائيلية، مثلما غدت أسيرةً لبرنامج حركة حماس الاستفزازي الانفرادي احادي الجانب الذي لا يقيم وزناً لدور الاسرائيليين وأهميتهم في مناهضة الاحتلال وتعريته وكشف أوراقه العنصرية. كان ياسر عبد ربه مع يوسي بيلين، وسري نسيبة مع عامي ايالون يجيدون هذه السياسة المحنكة الشجاعة، ولكنهما تخليا عنها، لأن أجندةَ الانتفاضة غير المدنية وغير السلمية والمسلحة والاستشهادية هزمت توجهاتهما في اختراق المجتمع الاسرائيلي، بعد سيطرة المناخ المتطرف على المزاج الفلسطيني بفعل عمليات "حماس" الاستشهادية، وبفعل جرائم الاحتلال وعملياته العدوانية والانتقامية. ما ادى الى تدمير فرص التعاون او التنسيق او التفاهم بين القوى والتيارات والاتجاهات الديمقراطية في صفوف الفلسطينيين والاسرائيليين على السواء. في ظل هذا المناخ الانهزامي، والتراجع المبدئي والتكتيك المتصادم مع مشاريع الاحتلال التي تتوسل القطيعة والانغلاق، وقف مروان البرغوثي شجاعاً من سجنه الاسرائيلي ليخاطب ود وتقدير ومكانة حركة "السلام الآن" الاسرائيلية، ومن خلالها مخاطبة المجتمع الاسرائيلي لادراكه أهميةَ إيجاد الخلل وفتح ثغرة في جدار التماسك الاسرائيلي المكرس لمصلحة اليمين والمستوطنين والتوسع والاستعمار. حركة السلام الآن الاسرائيلية بنشاطاتها ورفضها للاستيطان ونضالها الباسل الذي لا يلين، تستحق مد اليد العربية لها لتحيتها وتقدير تضحيات العاملين فيها والمتطوعين في صفوفها، فهم يواجهون بعداء مفرط من قبل المستوطنين وغلاة اليمين ويتلقون اتهامات الخيانة بسبب دفاعهم عن حق الفلسطينيين بأرضهم، بالقدر الذي يُعبّر فيه قادةُ السلام الآن عن شعورهم بالخجل بسبب السياسات الرسمية الاسرائيلية. كتب أرئيل روبنشتاين في يديعوت أحرونوت مقالاً حمل عنوان "ثلاثون عاماً على تأسيس حركة السلام الآن" قال فيه: "هناك مسألة تؤثر علي بصورة لا تُمحى وتدفعني الى سؤال نفسي: هل كنت اتمنى ان يعيش ابنائي في ارض اسرائيل الاحتلالية الاستيطانية التي تتنكر لانسانية أبناء شعب آخر"؟ ويجيب روبنشتاين على سؤاله بقوله: "لن اسلم بفكرة وجود ابنائي في اسرائيل الاستيطانية التي تنكل بالآخرين وتسيء لهم". ويتابع: "تركيز حركة السلام الآن على قضايا الاحتلال والاستيطان لم يكن نزوة سياسية وانما تعبيراً عن النظرة أن الشعب الاسرائيلي بمظهره يتضامن مع الشعب الرازح تحت الاحتلال والذي يعاني ويتنكر للمحتلين وللغاصبين، ورفض السيطرة على شعب آخر". ومن جهتنا نقول إن وجود حركة السلام الآن الاسرائيلية ونضالها وتضحيات وجهد وبسالة المتطوعين والعاملين فيها يدلل على وجود موقف ورأي آخر وتوجه غير تلك التي نشاهدها على إثر محارق غزة على أيدي جيش الاحتلال، وتتناقض مع تصريحات قادة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وتعكس وجودَ قواسم مشتركة بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي يمكن ان تشكل أساساً للتعايش والشراكة بين الشعبين على الأرض الواحدة، سواء باقامة دولتين متجاورتين تتقاسمان الأرض، او في اطار دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية متعددة الديانات يتقاسم فيها الشعبان العربي الفلسطيني واليهودي الاسرائيلي، السلطة على اساس صناديق الاقتراع. مروان البرغوثي طليعي وشجاع يتوسل رفع المعاناة عن شعبه ويعمل على اختراق الحواجز والقضبان والتسلل الى قلب المجتمع الاسرائيلي ليعيد تشكيل مواقفه ودفعه للاقتراب وفهم عدالة قضيته، ولكنه في نفس الوقت يقرأ المستقبل ويبني مداميكَ ويعد لرصف الطريق نحو هذا المستقبل المنشود. عن صحيفة الايام الفلسطينية 13/4/2008