الناتو يحاصر روسيا ويستنجد بها! ليونيد ألكسندروفتش لا يخفى على أحد الخطط التوسعية لحلف شمال الأطلسي تجاه الحدود الروسية، حيث ضم الحلف لعضويته عدة دول في شرق أوروبا كانت في السابق عضوة في حلف وارسو الذي كان يقوده الاتحاد السوفييتي السابق، والآن يسعى الحلف لضم جمهوريات سوفييتية سابقة مثل جورجيا وأوكرانيا وغيرهما، ورغم استنكار موسكو الدائم لهذه التصرفات واعتبارها مساساً وتهديداً لأمنها القومي إلا أن الحلف ماض في خططه، والأنظمة الحاكمة في هذه الجمهوريات متحمسة للانضمام للحلف رغم الاعتراضات الشعبية الكبيرة في هذه الدول ضد أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها.
روسيا في مواجهة هذه التصرفات لم تفقد حتى الآن الوسيلة لردع الحلف عن طموحاته وتوسعاته، وكانت البداية في نهاية العام الماضي عندما علقت روسيا مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، هذه المعاهدة التي التزمت بها روسيا ولم تلتزم بها ولم تصدق عليها الدول الأوروبية، وبتعليق مشاركتها في المعاهدة عادت روسيا لتنشر أسلحتها المتوسطة والقصيرة المدى على حدودها الغربية في مواجهة أوروبا، وعادت روسيا تطور ترسانة أسلحتها الاستراتيجية وتعيد للخدمة طائراتها الاستراتيجية الحاملة للرؤوس النووية، والتي بدأت منذ منتصف العام الماضي تجوب الأجواء الدولية وتحلق فوق القواعد العسكرية الأميركية في المحيطات، وتثير الفزع والرعب لدى قادة حلف الناتو.
كما سعت روسيا ومعها الصين من خلال منظمة شنغهاي للتعاون إلى الحد من التواجد العسكري الأميركي في وسط آسيا، هذا التواجد الذي بدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بنشر قواعد عسكرية أميركية في بعض دول وسط آسيا مثل أوزبكستان وقيرغيزيا، وكانت البداية بقرار الحكومة الأوزبكية في عام 2005 بطرد القاعدة العسكرية الأميركية من أراضيها والذي تم تنفيذه بالفعل، وقد كانت هذه القاعدة على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للقوات الأميركية العاملة في أفغانستان وأيضاً لقوات حلف الناتو هناك حيث كانت أقرب قاعدة لتمويل الطائرات العسكرية المتجهة لأفغانستان، ولم يبق للقوات الأميركية وقوات حلف الناتو سوى قاعدة «ماناس» في قيرغيزيا والتي تستأجرها البنتاجون الأميركي مقابل مليوني دولار سنوياً.
وقد طلب الرئيس القيرغيزي كرمان بك باقييف أكثر من مرة بإجلاء القاعدة من أراضي بلاده، وزار قيرغيزيا وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس ليعرض على الرئيس القيرغيزي رفع إيجار القاعدة إلى 18 مليون دولار إلا أن الرئيس باقييف لم يقبل العرض ولم يحسم الأمر ومازال يلوح بطرد القاعدة، وفي منتصف فبراير المنصرم توجهت إلى قيرغيزيا ممثلة الخارجية الأميركية لشؤون آسيا الوسطى «باميلا سيراتلن» في محاولة لإثناء الرئيس القيرغيزي عن قرار إجلاء القاعدة الأميركية بعد أن بات الأمر على وشك التنفيذ.
في ظل هذه الأجواء لا يخفى على أحد الصعوبات والمشكلات التي تواجهها قوات حلف الناتو في أفغانستان، بعد أن قررت ألمانيا وفرنسا وغيرهما عدم نقل قواتهم من شمال أفغانستان إلى جنوبها.
حيث تدور المعارك مع قوات طالبان وتتكبد فيها قوات الحلف خسائر عديدة، وعلى ما يبدو أن إخلاء القاعدة العسكرية في أوزبكستان يؤثر بشكل كبير على وصول الإمدادات لقوات حلف الناتو في الجنوب نظراً لابتعاد المسافات وعدم قدرة الطائرات على الطيران لمسافات طويلة بدون إمدادات، وإذا تم بالفعل إجلاء القاعدة الأميركية من قيرغيزيا فسوف تصبح قوات الحلف في مأزق كبير قد يضطرها لمغادرة أفغانستان وتركها لقوات طالبان تفعل ما تشاء.
من هذا المنطلق لم تجد واشنطن مفراً من اللجوء لموسكو لطلب المعونة منها، باعتبار أن روسيا هي أيضاً صاحبة مصلحة أساسية في عدم عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان.
وبالفعل تقدمت قيادة حلف الناتو بطلب لروسيا تطلب منها دعماً لوجستياً لقوات الحلف في أفغانستان، وقد ناقشت رباعية وزراء الخارجية والدفاع الروسية والأميركية هذه المسألة في لقائهم الأخير في موسكو منذ أيام، وعلى ما يبدو أن الجانب الروسي قد أبدى موافقته على التعاون ولكن بشروط، حيث صرح نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر جروشكو لمحطة بي بي سي بأن لروسيا مصالح أمنية مهمة على الحلف مراعاتها وحسمها قبل التعاون معه في أفغانستان، ومن هذه المصالح أو الشروط تراجع الحلف عن فكرة ضم جورجيا وأوكرانيا لعضويته، وهي الفكرة المطروحة للنقاش في قمة الحلف المقبلة بعد أيام في بروكسل.
روسيا ترى نفسها الآن في موقع القوة الذي يسمح لها أن تملي شروطها باعتبار أن قوات حلف الناتو في أفغانستان تمر بتعقيدات كبيرة بسبب نقص الإمدادات، وروسيا القريبة من حيث الموقع وصاحبة التأثير على جمهوريات آسيا الوسطى يمكنها أن تساعد الحلف في توصيل هذه الإمدادات عن طريق فتح ترانزيت لطائرات الحلف على أراضيها أو على أراضي دول مجاورة قريبة من أفغانستان، حيث ان أقرب قواعد للحلف من أفغانستان توجد في تركيا وأوروبا، ولا يمكن الاعتماد عليها وحدها بسبب الظروف المشتعلة والمتطورة في أفغانستان.
موسكو الحريصة على تميز سياستها الخارجية عن السياسة الأميركية المنفردة قررت ألا تنفرد وحدها بقرار تقديم الدعم اللوجستي لقوات الناتو في أفغانستان، ولهذا دعت لانعقاد اجتماع طارئ الأسبوع الماضي للدول الأعضاء في معاهدة الأمن الجماعي من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق لمناقشة القضية.
كما قررت طرحها للنقاش أيضاً مع الصين في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، وهي خطوة ذكية من جانب موسكو حتى لا تتصور هذه الدول أن هناك إغراءات أميركية خضعت لها موسكو بقبولها التعاون مع الناتو، خاصة وأن قمة منظمة شنغهاي للتعاون عام 2005 كانت قد اتخذت قراراً بإخلاء منطقة وسط آسيا من القواعد الأميركية، وقبول روسيا التعاون مع الناتو وواشنطن في تقديم الدعم اللوجستي بقرار منفرد بدون مناقشة هذه الدول المجاورة سيعد إخلالاً من جانب روسيا بالتزاماتها الإقليمية، ولهذا حرصت موسكو على مناقشة الدعم اللوجستي مع جيرانها و أصدقائها، ربما لأنها أيضاً لا تأمن لواشنطن في هذا الأمر من أن تشعل فتيل الخلافات بين موسكو وجيرانها فيما بعد.
هكذا تضطر واشنطن مجبرة لطلب العون من خصمها اللدود روسيا بعد أن تخلى عنها حلفاؤها الأوروبيون القدامى الذين اتهمتهم واشنطن منذ أيام على لسان وزير دفاعها جيتس بأنهم يخططون لانهيار حلف الناتو وجعل أفغانستان مقبرة للقوات الأميركية. عن صحيفة البيان الاماراتية 3/4/2008