أزمة القمة.. أم أزمة النظام العربي ؟ جلال عارف عندما تبنت مصر قضية عقد القمم العربية بصورة دورية وفي موعد محدد ومنتظم كانت تنطلق من واقع كادت فيه مؤسسة الجامعة العربية أن تفقد ما تبقى لها من فاعلية وأن تصبح القمة العربية مشروعاً مؤجلاً على الدوام بفعل الخلافات بين الدول الأعضاء.
وبفعل الضغوط الخارجية (الأميركية أساساً) والتي كانت ترى أن أي حديث مرتبط ب «عروبة» المنطقة هو رجس من عمل الشيطان، وأن على العرب أن ينسوا عروبتهم وأن يستعدوا للانخراط في «شرق أوسط» كبير أو متسع أو حسب المقاس الذي يتيح لإسرائيل أن تكون الطرف الأقوى فيه، وللولايات المتحدة أن تكون القوة المهيمنة على مصير المنطقة.. وعلى ثرواتها!!
وكان المقترح المصري الذي تبنته الدول العربية بعد جهود كبيرة يرتكز على مقارنة بدت مؤسفة بالنسبة للعرب، بين واقع الجامعة العربية وبين منظمة الوحدة الافريقية يومئذ والتي كانت مصر أحد مؤسسيها الرئيسيين في الستينات، والتي استمرت تعقد قمتها السنوية بانتظام حتى الآن رغم المشاكل العاصفة التي ورثتها والانقسامات والحروب والخلافات العميقة، فتوفرت للدول الافريقية من خلال القمم المنتظمة ساحة للحوار وفرصة للحلول الوسط .
وعندما تبنت الدول العربية اقتراح دورية القمة ووضعته موضوع التنفيذ، تفاءلنا جميعاً خيراً.. فقد كنا ندرك أنه قد مضى ذلك الزمن الذي يسمح لرجل مثل عبد الناصر أن يدعو القمة للاجتماع خلال 48 ساعة لينجح القادة العرب في وقف مذبحة أيلول الأسود ثم يمضى إلى جوار ربه.
ومضى الزمن الذي كان فيه رجال مثل الرئيس الجزائري الأسبق بو مدين والعاهل السعودي الراحل الملك فيصل يملكون الوعي بأن مصير الأمة كله في خطر بعد هزيمة 67، وأن على الجميع أن يرتفعوا فوق الخلافات وان يحققوا أقصى درجات التضامن ويوفروا كل الإمكانيات حتى يثأروا من الهزيمة.
وكنا ندرك انه منذ نجح الأعداء في ضرب التحالف العربي الذي خاض حرب أكتوبر وانتصر فيها والذي ضم دول القتال ودول المساندة والدول التي خاضت حرب البترول.. منذ ذلك الوقت والأوضاع العربية تسوء والصراعات العربية العربية تشتد رغم جهود قادة توافقيين من أمثال الشيخ زايد رحمه الله في رأب الصدع الذي حدث بعد كامب ديفيد، ولم ينته بانتهاء القطعية بين معظم الدول العربية وعودة الجامعة العربية إلى مقرها بالقاهرة.
ومن هنا كانت الآمال كبيرة بإقرار دورية القمة العربية، وزاد من الآمال أن يترافق مع إقرار دورية القمة الإعلان عن برنامج شامل لإصلاح الجامعة العربية وتفعيل أجهزتها، واختيار شخصية ديناميكية مثل عمرو موسى أميناً عاماً ليتحمل مسؤولية أداء هذه المهمة الصعبة والضرورية.
لكن الظروف كانت أقوى من الآمال، وضغوط الداخل والخارج كانت اقوى من الإرادة والقدرة على المواجهة. وكان على النظام العربي أن يدفع الثمن الباهظ لما جرى بعد 11 سبتمبر، ولمخططات وجدت فرصة التنفيذ لتدمير العراق واحتلاله، ولإطلاق ما أسموه ب «الفوضى الخلاقة» في المنطقة، ولإعلان عن البدء في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولتأكيد أميركا أن هدفها هو إعادة رسم خريطة المنطقة بما يلائم المصالح الأميركية وحدها.
ثم في «اكتشاف» أميركا أخيراً أن الرابح الأساسي من سياستها الحمقاء في المنطقة كان إيران، ومحاولتها تكوين تحالف عربي لمواجهة ذلك، والضغط من أجل أن يتناسى العرب الخطر الحقيقي المتمثل في إسرائيل ليؤازروا الحملة على إيران.
وقد انعكس ذلك كله على مؤسسة القمة العربية التي جسدت حالة الضعف العربي في مواجهة التحديات، واختفاء الرؤية الإستراتيجية العربية للتعامل مع أوضاع صعبة ومعقدة، وتباين المواقف من قضايا مصيرية، وحيرة الأنظمة بين ضغط الرأي العام من ناحية والضغوط الأميركية من ناحية أخرى والتي مارست درجة عالية من غطرسة القوة ومحاولة إملاء المواقف على الأطراف العربية.
وهكذا أصبح عقد القمة العربية قضية تحاط على الدوام بالمشاكل والشكوك. ففي قمة تونس قررت الدولة المضيفة تأجيل القمة دون تشاور بعد أن كانت الوفود المشاركة قد بدأت بالفعل في الوصول. وكانت مشكلة استغرقت وقتاً وجهداً لحلها، وعكست عمق الضغوط الخارجية التي كانت وراء ما حدث!
وفي قمة الرياض، كانت المملكة السعودية قد طلبت نقل القمة إلى شرم الشيخ، ثم عادت عن ذلك بعد أن تم ضمان عدم تفجير الموقف بسبب الخلاف مع القيادة الليبية، وبعد تسوية الخلاف الآخر مع الرئيس السوري الذي ثار على خلفية حرب لبنان واختلاف المواقف الرسمية العربية حولها وحول دور «حزب الله» وتصريحات الرئيس السوري التي اعتبرتها بعض القيادات العربية مساساً بها.
ورغم عبور الأزمة في قمة الرياض، فقد تفاقم الأمر بعد ذلك في ضوء تباعد المواقف حيال الأزمة اللبنانية التي ألقت بظلها على قمة دمشق، والتي تعكس في النهاية الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة حيث مستقبل المنطقة (العربية!!) يحدده الصراع أو التوافق بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل وإيران، أما العرب فهم حريصون كل الحرص حتى من خلال القمة على تأكيد غيابهم الذي طال، ويبدو أنه سيطول أكثر. عن صحيفة البيان الاماراتية 29/3/2008