"اعلان صنعاء "!! هاني حبيب كان من المفترض ان يشكل "اعلان صنعاء" خطوة على طريق تبني المبادرة اليمنية والشروع الفوري بتنفيذها، لم يكن في خلد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح ان جهوده ستثمر عن خلاف جديد، لا يعيق فقط تنفيذ مبادرته، بل يجعل الطرفين اكثر تشدداً وتحفظاً ازاء اية مبادرة جديدة، فقد اصبح "اعلان صنعاء" عنواناً للخلاف والتعارض والتناقض. ولم يشكل اتفاقاً بقدر ما شكل احباطاً اضافياً، ما يشير الى حقيقة تناولناها اكثر من مرة في هذا المكان، من انه لا تتوفر ارادة حقيقية للخروج من هذا المستنقع، وان اطرافاً عديدة تمتلك من النفوذ والقوة والسيطرة على الارض صاحبة مصلحة مطلقة بالابقاء على الوضع الراهن، بل وتعزيزه بما يجعل الانقسام الحاصل واقعاً لا يمكن الفكاك منه، والتفسيرات التي صدرت من الجانبين حول دلالات "اعلان صنعاء" زادت من عمق الاختلاف والازمة، وشكلت ارضية مناسبة للقوى التي تعارض اي اتفاق كي تمعن في تعزيز سيطرتها ونفوذها مستفيدة من تفسير ما تم في صنعاء لتبرير مواقفها - غير المعلنة في الغالب- ولكي تجعل من الانقسام امراً واقعاً وقدراً محتوماً للتسليم به. اننا نعتقد انه من الخطأ التركيز على فحوى "اعلان صنعاء" ومضمونه، ولا التوقف عند العبارات والصياغات والجمل، كوننا نرى في هذا الاعلان مجرد محاولة مخادعة لمجاملة الرئيس اليمني، واكثر من ذلك تنصلاً دبلوماسياً "لبقاً" للاعتراض على المبادرة اليمنية، والصخب الدائر حول تفسير هذا الاعلان، ما هو الاّ محاولة ناجحة للخداع المزدوج، خداع الرئيس اليمني، وخداع الجمهور الفلسطيني، الذي نعتقد انه لم يول المباحثات في صنعاء اية اهمية حقيقية، كونه يدرك ان النوايا الطيبة كانت الغائب الأكبر في هذه المفاوضات، والرهانات على ان مشاورات صنعاء قد تصل الى نهاية باتفاق كانت محدودة ان لم تكن مفقودة. لم يكن الرئيس اليمني يسعى الى اضافة مشكلة حقيقية الى قائمة المشاكل التي لا تزال تحول دون التوصل الى اتفاق ينهي حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، كان يعتقد - باعتقادنا- ان مجرد جلوس ممثلي الطرفين على طاولة ويقومان بالتوقيع على وثيقة أمام كاميرات وكالات الانباء والفضائيات، سبب كافي لكي تنجح مبادرته في رأب الصدع في الساحة الفلسطينية، كان يسعى الرئيس اليمني ان تشكل صنعاء عاصمة اللقاء الفلسطيني - الفلسطيني برعاية يمنية مخلصة. لكن تعقيدات الوضع الفلسطيني، غابت على الارجح عن الجانب اليمني، وبات "اعلان صنعاء" مشكلة عوض عن ان يكون حلاً، لم يكن الرئيس علي عبد الله صالح يدرك ان مساعيه الحميدة ستحول الخلاف بين "فتح" و"حماس" الى خلاف داخل الاولى اضافة الى خلافات بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبعض قيادات حركة "فتح"، وبداية لانطلاق اشكال من الصراعات المصلحية غير المبدئية بين تيارات متباينة داخل حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية تنطلق من التفسيرات المتعلقة بما ورد في "اعلان صنعاء" الاحتفالي. الرئيس اليمني، كان جاداً في مسعاه الى الحد الذي اعتقد ان "النجاح" الذي تحقق بالتوقيع على اعلان صنعاء، يخوله الحق في تعريب مبادرته من خلال طرحها على مؤتمر القمة العربي في دمشق، كي تتحول الى ارادة عربية لوقف النزف الفلسطيني، وكأن هذا الامر قد يجعل من تحقيق وتنفيذ مبادرته ممكناً، دون ان يتذكر ان مجلس الجامعة العربية، سبق وان تبنى مبادرة حول اطلاق مفاوضات فلسطينية - فلسطينية، لكن هذه المبادرة لم تر النور، وحتى ان الجامعة نفسها نسيتها ولم تعد تتحدث او تشير اليها، وغاب - كذلك- عن ذاكرة الرئيس اليمني ان المجموعة العربية ممثلة بوزراء خارجية الدول العربية، قد تبنت مبادرة لحل الازمة اللبنانية، وها هي تمر الشهور والدهور. دون ان تجد هذه المبادرة اي وسيلة للحيلولة دون ما يهدد لبنان الشقيق من مخاوف ومحاذير، والفرق، ان الفرقاء في لبنان، وافقوا كلهم على قرار مجلس الجامعة العربية بخصوص لبنان، مع ذلك، فان هذا القرار، ما زال قراراً غير قابل للتنفيذ، فما بالك بالوضع الفلسطيني الذي من الصعب ان تحظى مبادرة الرئيس اليمني بمباركة مؤتمر القمة العربي نظراً لاستثمار بعض الدول الانقسام الفلسطيني لصالح اجندة هذا النظام او ذاك، وحتى اذا تم التغلب على هذا العامل، فان "المبادرة العربية" وارثة "المبادرة اليمنية" لن يكون لها اي حظ من التنفيذ بفعل العناصر التي تحدثت عنها، وبالتالي فان تعريب المبادرة لن يضيف بالمعنى الحقيقي اية قيمة فعلية على "المبادرة اليمنية"! اننا نعتقد ان تداعيات "اعلان صنعاء" ستزيد من الصعوبات التي تواجه الجهود التي تبذلها عدة اطراف من اجل التوصل الى اطلاق مباحثات فلسطينية داخلية وستتكئ عليها قوى مختلفة للتحفظ على اية جهود جادة على هذا الصعيد، وستزيد من "الحذر الصياغي" في المرات القادمة في حال توفر شروط للتفاوض، والاخطر ان هذا الاعلان سيفتح الباب واسعاً أمام اجتهادات وتفسيرات تغذي خلافات المصالح بين اقطاب قيادية خاصة في حركة "فتح"، ما يجعلنا بحاجة الى جهد الرئيس اليمني من جديد، لاستضافة اطراف حركة "فتح" والخروج "باعلان صنعاء - 2"، وايضاً، لن يكون نهاية المطاف. اذ سيشكل بداية لاطلاق تكتلات ودكاكين وائتلافات لا مبدئية جديدة، تعيد رسم الخارطة التنظيمية وفقاً لتفسيرات وتداعيات "اعلان صنعاء - 2" وسنعيد الى الذاكرة، مقولة الحكومة الاسرائيلية حول ان الانقسام في الساحة الفلسطينية يحول دون التوصل الى اتفاق مع الجانب الفلسطيني - ليس هناك شريك- والحال تتكرر بشكل اكثر مأساوية هذه المرة- اذ لا شريك في حركة "فتح" للتوصل الى اتفاق مع حركة "حماس"، "حماس" لا تقول ذلك، ولكن هم اقطاب في حركة "فتح" وبعض الفصائل الأخرى، الذين يستثمرون الانقسام داخل "فتح" للحيلولة دون بدء عملية تفاوضية داخل الساحة الفلسطينية!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 26/3/2008