وكأن اتفاق صنعاء بين حركتي فتح وحماس ولد ميتا، برغم وضوح نقاطه المستندة على المبادرة اليمنية والتي تنص في بنودها على مسائل عملية تساهم في رأب الصدع الفلسطيني .. فطرفا الاتفاق المعنيان بتنفيذه لم يتركا الوقت يمر، حتى يجف حبر توقيعهما عليه، واندلعت حرب الاتهامات والاتهامات المضادة ، على جبهتين: الأولى داخل فتح وفي أوساط كبار المستشارين والمفاوضين ، والثانية ، بين فتح وحماس حول زاوية النظر للمبادرة اليمنية ، هل هي إطار للحوار أم اتفاق واجب التنفيذ والنفاذ ، ليدخل الاتفاق فى نفق مظلم . نص اعلان صنعاء.. (نوافق نحن ممثلى حركتى فتح وحماس على المبادرة اليمنية كإطار لاستئناف الحوار بين الحركتين للعودة بالأوضاع الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل أحداث غزة، تأكيدًا لوحدة الوطن الفلسطينى أرضًا وشعبًا وسلطة واحدة). بهذه الكلمات الوجيزة جاءت الاتفاقية اليمنية والتى وقع عليها من جانب فتح "عزام الاحمد" رئيس كتلة فتح البرلمانية، ومن جانب حماس " موسى ابو مرزوق" نائب رئيس المكتب السياسي لحماس. و لم يمض الوقت حتى اندلع السجال الفلسطينى بين حماس وفتح على تفسير المبادرة ،وامتد هذا السجال حامي الوطيس بين مؤيد ومعارض في اوساط السلطة الفلسطينية وحركة فتح على خلفية توقيع ممثلها عزام الاحمد، على الاعلان من دون العودة للرئيس محمود عباس او اجراء اي مشاورات مع عباس قبل التوقيع. حيث اكد مصدر فى الرئاسة على أنّ الرئيس محمود عباس مازال يصر على موقفه المعلن إزاء المصالحة مع حركة حماس وهو "التراجع عن انقلابها وقبولها بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية، والموافقة على اجراء انتخابات جديدة". البعض اعتبر ان الاعلان كما وقَّع عليه الاحمد يتناقض في احد بنوده الرئيسية مع تصريح الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة، والبيان الرسمي الذي صدر عن الرئاسة بعد الاعلان عن التوقيع على الاتفاق والذي رعاه الرئيس اليمني على عبد الله صالح ، حيث ينص اعلان صنعاء على اعتبار المبادرة اليمنية (كاطار للحوار)، بينما اكد الناطق باسم الرئاسة، وكذلك الاعلان الرئاسي، ان المبادرة اليمنية للتنفيذ وليس للحوار وانها بحاجة الى آليات لتطبيقها . ضغوط خارجية .. الصعوبات التى واجهت اتفاق صنعاء لم تقتصر على الخلاف الفلسطينى – الفلسطينى ، بل قوبل الاتفاق على جانب آخربما يشبه الفيتو الاسرائيلي. حيث اعلنت مصادر اسرائيلية ان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عليه ان يقرر ان كان يريد مواصلة المفاوضات مع اسرائيل او يريد العودة الى تحالف مع حماس لانه لا يستطيع ان يحصل على الاثنين معا.، فلا يمكنه الشراكة مع حماس التي تدعو الى تدمير اسرائيل . وفي السياق نفسه، اعلن نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني ان اي مصالحة بين عباس وحركة حماس مشروطة بتخلي الاخيرة عن السلطة في قطاع غزة. والخلاصة أن "إعلان صنعاء" بدل أن يكون إطارا لاستئناف الحوار ، ومدخلا لاستعادة الوطنية ، أصبح سببا إضافيا في تعميق الفرقة والانقسام ، ليس بين فتح وحماس فحسب ، بل وفي أوساط فتح والسلطة كذلك. خيبة امل فى الشارع الفلسطينى .. الخلاف الحاد بين أقطاب فريق الرئاسة وحركة فتح ، اصاب الشارع الفلسطيني بانتكاسة حطمت آماله وتطلعاته لإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، عقب الجدل والتأويلات التي رافقت التوقيع على المبادرة اليمنية والتى اتضح انها لاتصلح أن تكون أساساً لحل الخلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية، بل زادت الامور تعقيدا بعد ان دخل مستقبل تنفيذ "إعلان صنعاء" نفقاً مظلماً . او كما يرى آخرون ان قدر الاتّفاق أن يموت فى مهده، بعد حجم الضغوط التى واجهها والتى بدت أكبر من طاقة تحمّل هذا الإعلان الوليد .. انه مشهد آخر من مشاهد فوضى السياسة الفلسطينية فى وقت كان فيه الفلسطينيون ينتظرون من يأتيهم من سبأ بنبأ يقين.