النزاع حول نزاع القمّة حازم صاغيّة ينطوي أحد الخلافات التي أثارها موضوع القمّة العربيّة على دلالة رمزيّة وفعليّة في آن، دلالة تتعدّى أطراف السجال أنفسهم، ولو أن التعبير عن ذاك الخلاف ظلّ يترجّح بين الإبهام والإعلان. فقد دافعت الحكومة اللبنانيّة ومن آزرها من حكومات عربيّة عن مبدأ محدّد هو تركيز القمّة على مسألة لبنان، وتحديداً الفراغ الرئاسيّ فيه. أما الحكومة السوريّة فرأت إليها بوصفها قمّة حول قطاع غزّة أساساً، أي حول إسرائيل استطراداً. ونقطة القوّة في النظريّة السوريّة لا تقتصر على دمويّة ما جرى في غزّة، بل تشمل أيضاً واقع ارتباط القمم العربيّة، منذ أنشاص في 1946 ثم القاهرة في 1964، بالموضوع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ. فكأنّما العرب وقممهم، وهي افتراضاً قمم حياتهم السياسيّة، ملخَّصون على نحو لا يقبل الردّ الى الموضوع المذكور. بيد أن الأمر أعقد قليلاً وأكثر التواءً. فالحال أن هذا الارتباط بين القمم ومسألة إسرائيل هو نفسه ما لعب الدور الأبرز والأكبر في إفقاد القمم كلّ معنى وتحويلها محفلاً طقسيّاً لا يغني ولا يسمن من جوع. ذاك أن الجهد العربيّ الجماعيّ المفترض غدا، بنتيجة الارتباط هذا، موصول بالموضوع الذي ينعدم تأثير هذا الجهد عليه. هكذا أضحت القمم قمم أصوات لا قمم أفعال وإرادات. لكنّها أمست أيضاً، بالنسبة الى الأنظمة الراغبة في الهرب من مشكلات وطنيّة أو إقليميّة ملحّة، ملاجئ الهروب السهل والآمن. وهذا ما كان ليحصل بالسهولة التي يحصل فيها إلاّ لأن القضيّة الفلسطينيّة صارت، منذ عقود، قضيّة ميّتة سياسيّاً، يستطيع أيّ كان أن يهرب اليها أو يمثّلها أو ينطق باسمها أو يقرّر عنها قبل أن يغطّ في نوم عميق. وهي، بهذا، إذ تشي بالنيات الفعليّة للسياسيّين العرب المتحمّسين لإبقائها «القضيّة المركزيّة الأولى»، تنمّ عن تردّي الوعي لدى قطاعات جماهيريّة عريضة لا تزال تؤخذ بها، يتصّدرها زجّالو الممانعة «من المحيط الى الخليج». وطبيعيّ أن يتمّ توسّل الجانب الإنسانيّ من الموضوع، وهو مُغرٍ بإبداء الاكتراث وبتبريره، خصوصاً في ظلّ ارتفاع أرقام الأطفال والنساء الضحايا، من أجل إعدام كلّ فعاليّة سياسيّة. على العكس تماماً، فإن تركيز القمم على قضايا حيّة وفاعلة، قابلة للتدخّل والتأثير، إحياءٌ للقمم نفسها وبعث لها من حيّز الموت الى حيّز الأحياء، أو من حقل الصراخ الايديولوجيّ الذي لا يُحاسَب صارخه الى حقل السياسات الفعليّة لدول ومجتمعات فعليّة. فأن نتوحّد جميعاً حول فلسطين، وأن نتوحّد جميعاً ضد اسرائيل، يعني حَرفيّاً، وعملاً بأطنان التجارب التي نعرف، ألاّ نفعل شيئاً. لكنْ أن ننشقّ حول لبنان، أو العراق أو الكويت أو مصر أو المغرب...، فهذا يعني أننا نطأ أرض السياسة، وهي تعريفاً أرض انقسام، ونحاول التأثير والفعاليّة. وغنّي عن القول إن حماسة النظام السوريّ لربط القمم بالموضوع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ تحصيل حاصل. وهو ما لا يعود الى «قومية» ذاك النظام المنصوص عليها ايديولوجيّاً، ولا الى أيّ حبّ استثنائيّ يكنّه للشعب الفلسطينيّ أو أيّ تأثّر فريد بمعاناته. ذاك أن ما يقود خطاه في الاتّجاه هذا عداؤه للسياسة في داخل بلده المحكوم عسكريّاً وعرفيّاً منذ 1963، وعداؤه لمعادلاتها وتوازناتها الإقليميّة التي فرّ منها الى تحالف مع إيران عابر للعرب. ولما تكثّفت هذه النوازع في لبنان، بات الهروب الى موات النزاع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ شرطاً لاستمرار النظام المذكور على نهجه وبقائه صوت الممانعة الذي يلعلع، والممانعة لعلعة صوت، والسلام... عن صحيفة الحياة 25/3/2008