أوروبا المسلمة! أسامة الشريف في الوقت الذي أعادت فيه الصحف الدنمركية نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" تضامنا كما يقول ناشروها مع الرسام الذي اقترف إثمه قبل سنوات ، خصصت مجلة "تايم" الأميركية واسعة الانتشار غلافها قبل أسابيع لموضوع "المسلمون في أوروبا". وسلط التحقيق الموسع الضوء على مسلمين ومسلمات من أبناء الجيل الثاني ومنهم رجال أعمال ومحامون وسياسيون وأطباء متفوقون. ما يجمع بين هؤلاء وغيرهم ، بحسب التحقيق ، هو التزامهم بتعاليم دينهم واعتزازهم بثقافتهم الإسلامية دون أن يتعارض ذلك مع تميزهم في عالم المال والأعمال والقانون والسياسة. ومن هنا تبرز الإشكالية بالنسبة للمحافظين والمتعصبين من الأوروبيين الذين يخشون على هوية القارة وتراثها المسيحي من الاضمحلال في ظل النمو المتسارع للديانة الإسلامية وتعاظم نفوذ أبنائها. وفي نظر المحلل السياسي الأميركي تيموثي سافج فان الإسلام يضع أوروبا أمام تحديين رئيسيين ، وقد يكون المشكل الأساس لمستقبلها. أما التحدي الأول فهو دمج الأقلية المسلمة في السياق الأوروبي العام وإخراجها من عزلتها الاقتصادية والسياسية والثقافية (الغيتو) التي تهدد الهوية الجامعة والمبادئ العامة ، والثاني هو في التعامل مع جيران القارة من الدول الإسلامية المضطربة سياسيا ما يهدد الأمن الأوروبي في المدى المنظور. ورغم تباين الأرقام فان سافج يقدر عدد المسلمين في دول أوروبا بحوالي 25 مليون نسمة ، وهم بذلك يشكلون نسبة 5 بالمائة من مجمل سكان الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن الإسلام هو الدين الثاني في 16 من اصل 37 دولة أوروبية إلا أن ثلث هذه الدول لا تعترف به كدين ولا توفر لأتباعه حقوق الأقليات. وفي حال انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فان نسبة المسلمين ستقفز الى 15 بالمائة ، بل ويضيف سافج انه بحلول عام 2050 فان نسبة المسلمين في أوروبا ستتجاوز 20 بالمائة على أقل تقدير. وعلى الرغم من الصورة السلبية للمسلمين ودينهم في أوروبا والتي تعززت في أعقاب ضرب أبراج نيويورك وقطارات مدريد وأنفاق لندن واغتيال النائب الهولندي فان جوخ على خلفية تهجمه على الإسلام ، وما تلى ذلك من توتر وإطلاق لدعوات عنصرية وحملات استفزازية من ضمنها حملة الرسوم الدنمركية وتصريحات بابا الفاتيكان ، إلا أن ذلك لم يمنع أصوات الاعتدال والعقلانية الداعية إلى الحوار والانفتاح من التعبير عن رأيها في محافل عامة. وقد تصدت صحف بريطانية وفرنسية ونرويجية لحملات الكراهية فنشرت تحقيقات حول قصص نجاح لمسلمين أوروبيين في مجالات علمية وثقافية وسياسية ، كما أجرى عدد من الكتاب والمحللين مقاربات أشارت إلى ما تعاني منه مجتمعات أوروبا اليوم من تفكك اسري وانحلال أخلاقي ونوهت الى نجاح الأقليات المسلمة في حماية أبنائها وبناتها من هذه الأخطار. ومؤخرا تعرض أسقف كانتربري لحملة عنيفة بسبب تصريحات دعا فيها إلى إمكانية إدخال بعض أحكام الشريعة الإسلامية في القانون المدني البريطاني للتعامل مع خصوصيات الأقلية المسلمة في بلاده. لكن ذلك لم يمنع غيره من الإشارة إلى دور المهاجرين المسلمين في إثراء الثقافة الأوروبية وإلقاء اللوم على السياسات الرسمية قصيرة النظر والتي حجمت دورهم وعزلتهم وخلقت مناخا للكراهية والتوجس ورفض الآخر أو ما يسمى بالاسلاموفوبيا. وبرأي سافج وغيره فان أوروبا مقبلة على تغييرات جذرية في هويتها ليس اقله حقيقة أن نحو مليون مسلم مهاجر وطالب لجوء يجدون طريقهم إلى القارة الشاسعة سنويا. إضافة الى ذلك فان انخفاض معدلات الولادة بين الأوروبيين يقابله ارتفاع ملحوظ في ذات المعدلات بين أوساط المهاجرين من المسلمين. وفي رأي سافج فان عدد سكان الاتحاد الأوروبي سينخفض بحلول عام 2050 بحوالي مائة مليون نسمة إلى 565 مليون نسمة مع بقاء نسبة النمو الأعلى بين أبناء المسلمين. في ضوء هذه الحقائق والتوقعات تقف أوروبا اليوم أمام تحديات كبرى من ضمنها العداء المتنامي للعرب والمسلمين ، والخوف من تأثير الأقلية المسلمة على الهوية العلمانية للقارة بجذورها المسيحية. ويقول المفكر تيموثي آش في تعليقه على انتشار الإسلام في أوروبا اليوم أنه يبدو أن المسلمين هم الذين انتصروا في معركة بلاط الشهداء (بواتيه) في عام 732 وليس المسيحيون. عن صحيفة الدستور الاردنية 13/3/2008