أوهم الآخرين بأنك تتحرك.. نواف الزرو غريب أن يتوصل رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض متأخرا جدا إلى الاستخلاص ب «أن إسرائيل لم تفعل شيئا ملموسا على الأرض لمساعدة حكومته»، إذ أوضح فياض في كلمة ألقاها في معهد اسبن الأمريكي الذي يسعى لتنشيط الاستثمارات في المناطق الفلسطينية: «أن إسرائيل لم تفعل شيئا ملموسا على الأرض لمساعدة حكومتي، أقول هذا وأنا حزين».
والأغرب أن يواصل المفاوضون الفلسطينيون التمسك بعملية المفاوضات العقيمة رغم «المحرقة» الصهيونية في غزة أولا، ورغم قناعتهم واستخلاصهم ثانيا بان إسرائيل لم ولن تقدم شيئا حقيقيا لهم على مستوى السيادة والاستقلال وإقامة الدولة!، بل حتى القرار الذي اتخذته السلطة بتجميد المفاوضات بسبب «المحرقة» الإسرائيلية في غزة ليس جادا كما يبدو.
فطالما أن اولمرت يرى على سبيل المثال «أن قضية القدس هي الأكثر تعقيدا من بين قضايا الحل الدائم»، معربا عن خشيته من أن تتعثر المفاوضات مع الفلسطينيين حينما تبدأ المفاوضات حول القدس لذلك يفضل البدء في قضايا أخرى وطالما أن نائبه حاييم رامون يعلن أن الجهود تنصب للتوصل إلى «اتفاق مبادئ» حتى نهاية عام 2008، فان الأفق السياسي التسووي في ضوء ذلك يغدو مغلقا...!
وطالما أن تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل رئيسة طاقم المفاوضات لديهم تؤكد أن لا شيء متفقا عليه في المفاوضات طالما لم يتم الاتفاق على كل شيء.. ، فهذه هي الحقيقة إذن.
وهناك على مستوى الإدارة الأميركية منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر الماضي وزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة في منتصف شهر يناير المنصرم، كتب معلقون وقادة سياسيون أميركيون معروفون بمساندتهم القوية لبوش ولإسرائيل يحثونه على التخلي عن أحلام إحلال السلام في العام الأخير من رئاسته.
وعلى نطاق تفاوضي أوسع شكل الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني فرقاً من خبراء حكوميين لمحاولة إحداث تفاهمات في المحادثات الدائرة بين الجانبين و المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية اريي ميكيل: إن هذه الفرق ستعالج مجموعة من القضايا من الأمن إلى التجارة إلى استخدام المياه التي ستشكل جزءاً من أي اتفاق مع الفلسطينيين.
ولكن - هاهو نتنياهو زعيم الليكود يتنطح لقصة المفاوضات قائلا: إن عملية التسوية مع الفلسطينيين تقوم على أوهام، مضيفا في كلمة ألقاها أمام مؤتمر عقده زعماء المنظمات اليهودية الأميركية في القدس «إن إسرائيل بحاجة إلى سلام حقيقي بدلا من السلام الوهمي الذي تخدع به حكومة إيهود أولمرت نفسها».
ثم تعود ليفني لتعلن من جهتها أمام «مؤتمر أورشليم» الذي تعقده منظمات صهيونية يمينية: أن إسرائيل لا ينبغي أن يكون لها أي دور في حل قضية اللاجئين، متنصلة بذلك من «المسؤولية التاريخية عن التهجير»، ورامية بعرض الحائط كافة القرارات الدولية التي تضمن حق العودة والتعويض، مشككة في إمكانية جسر الهوة بين المواقف مع الفلسطينيين، قائلة: لست أدري إذا كنا قادرين على جسر الهوة بيننا وبين الفلسطينيين، مضيفة: هناك بعض الضوابط التي ينبغي التمسك بها والاستمرار في المفاوضات.
ولكن الجنرال بن إلعيزر يسقط المراهنات قائلا في كلمة ألقاها في مؤتمر حركة «بيت واحد» في تل أبيب إن المراهنة على أبو مازن غير مجدية مضيفا: للأسف من يعقد الآمال على أبو مازن، لا يعرف ماذا يقول، أحترمه وأحترم سلام فياض، هما رجلان طيبان، مدركان، إلا أنني أريد تحقيق نتائج.
والأصل في هذا الصدد في الوعي السياسي الإسرائيلي المتبلور أن هناك إجماعا في إسرائيل على تخليد الاحتلال للضفة، كما أكد الكاتب والمحلل الإسرائيلي الوف بن في هآرتس ، ناهيك عن أن الفجوة السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين كبيرة كما صرح رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العميد عاموس يدلين في كلمة ألقاها أمام مؤتمر الوكالة اليهودية الذي عقد في القدس.
مضيفا انه لا يرى أملا في حل سياسي مع الفلسطينيين فالفجوة السياسية بيننا وبين الفلسطينيين ما زالت كبيرة جدا، مع إسرائيل، وان المواقف الإسرائيلية في المفاوضات بعيدة سنوات ضوئية ليس عن المواقف الفلسطينية بل عن المواقف الإسرائيلية ذاتها في مفاوضات طابا عام 2001 كما وصفها مسؤول إسرائيلي.
ويلحق بهم دوف فايسغلاس مستشار شارون سابقا ليقول من الواضح أن تسوية سياسية متعذرة في هذا الوقت، والحديث عن تسويات «صغيرة»، غير «مبدئية»، وكل واحدة بحد ذاتها ليس لها معنى «سياسي»، ثم ليأتي الثنائي الوف بن وشموئيل روزنر ليوضحا أن الحديث في المفاوضات عن اتفاق رف فقط، ونقل الاثنان على لسان مستشار الأمن القومي لبوش، ستيف هيدلي قوله: لن تقوم دولة فلسطينية في عهد ولاية بوش، والطرفان سيحاولان إنهاء الاتفاق حتى نهاية الولاية ولكن أي اتفاق هذا؟
ليوضح - هيدلي- أن الحديث لا يدور عن «موعد نهائي» بل عن «هدف»، والرئيس منذ زمن بعيد لم يعد يوهم نفسه بالنسبة للدولة حقا، فبناء مؤسسات فلسطينية «سيستغرق زمنا»، وتطبيق خريطة الطريق «سيستغرق بعض الزمن»، وباختصار، الخطوات العملية ستستغرق زمنا أكثر مما يتطلب البحث في المسار والتفاصيل للدولة الفلسطينية.
الجميع يدركون هذه الحقيقة وهذه الخلاصة ولكنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال...!
الحكومة الإسرائيلية تستحضر في هذا السياق مقولة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر التي نظر فيها قائلا: أوهم الآخرين بأنك تتحرك في حين تكون ثابتا، وقد غدت هذه المقولة كما يبدو أساس التحركات الأميركية - الإسرائيلية المشتركة في محور المفاوضات والتسوية ، ما يفيد عمليا أن كل عملية المفاوضات والتحركات السياسية الإعلامية ما هي سوى أكذوبة ونصب واحتيال على الفلسطينيين والعرب كما كان أعلن مرة عميد البيت العربي السيد عمرو موسى، في الوقت الذي تقترف فيه دولة الاحتلال «المحرقة المفتوحة» ضد الشعب الفلسطيني...! عن صحيفة البيان الاماراتية 10/3/2008