علينا استعادة صورة أميركا الضائعة موريس ديفيس قبل 27 عاماً أو خلال الأيام الأخيرة لأزمة الرهائن في إيران، قابل توم اهيرن، مدير محطة سي.آي.ايه في إيران المحقق الإيراني الذي تولى التحقيق معه قبل أن يطلق سراحه مع باقي الرهائن، بدأ المحقق الإيراني بتوجيه كلامه إلى اهيرن قائلا إن الاساءات التي تعرض لها خلال التحقيق معه تتعارض مع القيم الإسلامية وعرض عليه اعطاءه الفرصة للاساءة اليه ليكون هناك تعادل في الاساءات. نظر اهيرن في عيني المحقق وقال له «إننا لا نعذب أحدا على هذا النحو». ولو قدر لاهيرن ان يقول شيئا الآن لقال «إننا لا نعذب أحدا على هذا النحو غالباً» أو ربما قال إننا على العموم لا نعذب احداً على هذا النحو». إن هذا الأمر مخجل فالفضيلة هي الفضيلة، ولا يصح في النهاية إلا الصحيح، فعندما يقول أحدهم «عموماً» و«غالباً» فإن هذا لا يعني انه يكذب، فإما اننا نعذب المعتقلين أو لا نعذبهم، ولا يوجد هناك شيء وسط. من مصحلتنا القومية ان نستعيد سمعتنا التي فقدناها خلال الحرب التي اطلقنا عليها الحرب ضد الإرهاب. فبعد اذلال السجناء في سجن أبوغريب من خلال اجبارهم على التعري ووضعهم فوق بعضهم البعض كحطب التدفئة، أو تغطيس رؤوسهم في الماء باسلوب تعذيب يطلق عليه الايهام بالغرق من أجل انتزاع اعترافات منهم، ليس بوسعنا ان نقول «إننا لا نعذب احدا على هذا النحو». جاءت الطامة الكبرى لسمعة أميركا عندما اصدرت كندا دليلاً في الشهر الماضي خاصا بالدبلوماسيين الكنديين أدرجت فيه اسم الولاياتالمتحدة لبلد يمارس التعذيب ضد السجناء، ويشير ذلك الدليل بالتأكيد إلى معسكر غوانتانامو، إن هذا الأمر محرج بالنسبة لكنداوالولاياتالمتحدة على حد سواء. خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، استسلمت القوات المسلحة العراقية بعشرات الآلاف، لانها اعتقدت ان الولاياتالمتحدة ستتعامل مع من يقع في الأسر بصورة إنسانية، استطاعت قواتنا الوصول إلى ضواحي بغداد خلال 100 ساعة ولم نخسر سوى 150 جنديا ويعود الفضل في ذلك إلى عمليات الاستسلام تلك. كاد الوضع يختلف لو ان افراد الجيش العراقي الذين استسلموا يعرفون ان الجيش الأميركي يلجأ لأساليب التعذيب والاذلال، هذا الشيء كان سيدفع عشرات الآلاف من الجيش العراقي للتمسك بسلاحهم على اعتبار انهم سيعذبون ويذلون، كان ذلك سيدفعهم لاختيار القتال وكانت الحرب ستطول لفترة أطول وستكون خسائرنا أكبر بكثير مما سجل. فكرة العراقيين عنا اننا اناس لطفاء افادتنا، ولم تضرنا وخدمت مصالحنا، من هذا المنطلق اقول إنه يتوجب علينا العمل على استرداد سمعتنا وتلميعها في عيون العالم. بإمكاننا البدء بذلك اذا اعلنا عن استنكارنا للقسوة واللا إنسانية والاذلال الذي يلحق بالمعتقلين وان نعلن تمسكنا بقانون معاملة السجناء الذي أقره الكونغرس عام 2005 والذي لم نطبق ما ورد فيه بسبب توجهات الرئيس بوش. علينا ان نعيد تأكيد التزامنا بميثاق الأممالمتحدة ضد التعذيب الذي صدق عليه مجلس الشيوخ في 1990. علينا ان نتوقف عن الاخذ بأسلوب الايهام بالغرق من أجل انتزاع معلومات السجناء، هناك بعض التقدم سجل مؤخراً مدير سي.آي.ايه مايكل هيدن، ذكر امام الكونغرس ان هذه الممارسة قد تكون غير قانونية بموجب القانون الحالي. من جانبه ذكر مدير الاستخبارات الوطنية مايكل ماكونيل «إذا كان هذا الأسلوب بالنسبة للبعض لا يعني التعذيب، فإنه بالنسبة لي يعتبر تعذيبا بحق». ليس بوسعنا استعادة صورتنا أمام العالم إذا واصلنا الدفاع عن الأساليب التي يؤخذ بها في التحقيقات ويتفق العالم أجمع انها ترقى إلى مستوى التعذيب. علينا ان نوقف فورا الممارسة المعروفة بالايهام بالغرق وألا نقبل الأخذ بالمعلومات التي انتزعت من السجاء باستخدامها ضدهم على اعتبار انها اجراء اجرامي استخدم بحق السجناء. لنتخيل مقدار الغضب الذي سيصيبنا لو ان الحكومة الإيرانية على سبيل المثال استخدمت هذا الأسلوب ضد مواطن أميركي وأوهمته بأن امامه خياران لا ثالث لهما وهما إما ان يتعاون أو ان يموت، ثم تستخدم اعترافاته التي أدلى بها تحت التهديد او التعذيب كأدلة ضده خلال محاكمته. للأسف لم تقبل الجهات المختصة وجهة نظري حول هذا الموضوع مما اضطرني في النهاية لتقديم استقالتي من عملي كمدير عام للجان العسكرية في غوانتانامو. لاشك ان هناك بعض الرجال السيئين في غوانتانامو وان قلة منهم تستحق الاعدام ولكن من خلال محاكمتهم بصورة نزيهة وعادلة ومفتوحة، علينا أن نرفض الأخذ بكل الاعترافات التي انتزعت نتيجة لأسلوب الايهام بالغرق وحظر استخدام هذا الأسلوب في النظام القضائي ككل. علينا ان نستعيد صورتنا وسمعتنا كاناس طيبين لا يقبلون على أنفسهم أن ينزلوا إلى مستوى خصومهم، إننا أميركيون وعلينا أن نكون دائما قادرين على القول «إننا لا نعذب أحداً على هذا النحو». عن صحيفة الوطن القطرية 3/3/2008