قمة دمشق.. هل تضع مشاكلنا على جدول أعمالها؟ أشرف أحمد عطية الله
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُّرا ... وإذا افترقن تكسرت آحادا
هذا البيت الشعري يعكس واقع العرب اليوم، وهو واقع ذو شجون، فهذا البيت الشعري في شطريه يجسد حال الأمة العربية في مرحلتين من عمر التاريخ، المرحلة الأولى التي تداعب خيالاتنا من حين لآخر، كلما مرت الأمة العربية بمأساة وما أكثر مآسيها فنحنُّ إليها، إلى أيام كانت أمة العرب فيها أمة واحدة، تنبض بقلب واحد، هو قلب العروبة، وتتنفس هواء واحدا، هو هواء العروبة، وتتطلع لطموحات واحدة، وتسعى لأهداف واحدة، وقتئذ، كانت الأمة العربية تمثل صدر البيت الشعري السابق، ولم يكن يجرؤ كائن من كان على مواجهتها أو الإساءة إليها، فكانت كحزمة رماح متجمعة غير قابلة للكسر.
والآن، في عصرنا هذا، انقلب الحال، فصار كل رمح يغرد منفردا، أو بمعنى أدق ينوح منفردا، فصارت الأمة لينة، قابلة للاختراق، عاجزة عن التصدي ولو لذبابة عابرة، صارت وللأسف مثالا ونموذجا حيا لعَجَز البيت الشعري السابق.
هذه مقدمة موجزة وجدت من المناسب أن أستهل بها مقالتي، وأتوجه بها إلى قادتنا العرب، وأوجه لهم سؤالا بصفتي فردا من شعوبهم: إلامَ تهدفون من قمتكم القادمة؟ وما طموحاتكم منها؟ وهل ستنتهي هذه القمة كما انتهت سابقاتها بقرارات وتوصيات توضع في أدراج تغلق عليها ويُنسى مفتاحها ولا تتذكرون مكانه إلا في موعد القمة التالية؟ أم أنكم تعتزمون حقا الخروج من هذه القمة بقرارات مختلفة؟
أكاد أُجزم أن الشارع العربي الآن لا يلقي بالا للقمة العربية القادمة، والتي من المقرر أن تعقد في دمشق في الأسبوع الأخير من مارس، بل إنه لا يعول عليها في شيء بعدما أصابه الإحباط واليأس من كثرة القمم العربية وعدم تفعيل قراراتها هذا إذا خرجت بقرارات مجدية.
أعجبني جدا تعليق للدكتور شاهر النهاري من السعودية، يجسد فيه حال الأمة العربية وموقف الشعوب العربية من قمم قادتها، حيث يرى أن الدول العربية أو بالأحرى الشعوب العربية تعيش كما تعودت دائما بأزمات سياسية حادة مع ذاتها ومع غيرها، وتصدعات في روابط المحبة التي يدَّعون وجودها بين القادة والرؤساء، «الأشقاء»، ومشاحنات مرئية ومخفية بين الزعماء، وهزائم منكرة للشعوب العربية التي سُحبت منها الحريات وغابت عنها الديمقراطية، وفقر مدقع وجهل متأصل وفساد يسد عين الشمس، وأمراض صحية ونفسية لا علاج لها، وبيئة تزداد سمومها وتنضج وتتشكل، ومشاريع وهمية تبرق بلا روح، وأمراض اجتماعية قبلية عنصرية تتفجر، وتخلف عن ركب الحضارة العالمية، وقهر، وهجرة للعقول المكبوتة، وضياع للشباب العاطل المستهان، وحيرة تحملها الشعوب المغلوب على أمرها، ولوثة فكرية وثقافية أضحت سمة تميز مجتمعاتنا العربية، فلم نعرف معها هل نحن معتدلون أم متطرفون أم إرهابيون، وشجب للواقع واستنكار للماضي وكره للمستقبل، وتأتي القمة بعد القمة، لنتفرج، وليتفرج علينا العالم بأسره، وتدار المسرحية الفكاهية بمخرجين متعددي المواقع والمواهب والمرئيات، ولا مانع من حركات بهلوانية وضرب بالصحون وسكب للعسل وكسر للفخار وحكمة للجنون، ويصفق الحضور وينزل الستار ببيان حفظناه عن ظهر قلب، وألفناه وتآلفنا معه، ثم يأتي من ينادي بقمة جديدة.
هذه هي رؤية الشارع العربي للقمم العربية، وهذا هو لسان حاله الذي يعيشه ويعبر عنه كل فرد منه.
إن القمم العربية تعقد من أجل مناقشة المشكلات السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية، و.. و..، التي تخص الجماهير العربية، فإذا فشلت هذه القمم وهذا يقيننا كشعوب في حل أية قضية سياسية من قضايانا، وترك حكامنا وقادتنا هذه القضايا في أيدي أعدائنا يوجهونها صوب مصالحهم الخاصة، وإذا ما فشل القادة والحكام والرؤساء العرب في اتخاذ قرار واحد في قضية واحدة تخص شأنهم السياسي، وتفعيله على مدار أكثر من 60 عاما، منذ قمة أنشاص 1946 إلى قمة الرياض في 2007، وإذا كانت هذه القمم مجرد لقاءات دورية تعقد لاتخاذ قرارات واهية، تحفظ في أدراج مكاتب جامعة الدول العربية، ولا يجرؤ قائد ولا رئيس عربي على المطالبة بتفعيل أي منها، وإذا كانت الشعوب العربية قد ألفت ذلك واعتادت عليه، وعلمت وتيقنت أن مصائرها السياسية في أيدي أعدائها، لا في أيدي حكامها، وسلمت بذلك، فهل تأمل هذه الشعوب من قادتها وحكامها أن يناقشوا في قمتهم القادمة قضايا داخلية بعيدة عن السياسة، على أن تُفعَّل القرارات التي تتخذ بشأنها؟! هل تطمح الشعوب العربية إلى إيجاد حلول لقضايا الفقر والبطالة والجوع والتشرد والتلوث والأمراض المتوطنة والقهر والتهميش؟ هل تطمح إلى مناقشة قضايا البطالة والشباب العاطل الذي بلغ عدده الملايين في الدول العربية؟ هل تطمح إلى مناقشة قضايا الفساد الذي ينخر في الأجهزة الحكومية، واللوثة الفكرية التي أصابت بعض مبدعينا أو من يدعون أنهم كذلك فصار كل يوم يخرج علينا أحدهم بسخافة جديدة يسميها حرية إبداع، يعتدي فيها على المقدسات والثوابت؟!
مادام قادتنا قد فشلوا على مدار قممهم السابقة في حل قضية سياسية، واستكانوا ورضخوا وتركوا أمر قضاياهم المصيرية السياسية في أيدي أعدائهم، فإن شعوبهم تناشدهم ولو من باب ذر الرماد في العيون أن يبرهنوا أنهم مازالوا على قيد الحياة، يتنفسون هواء أوطانهم، وأنهم مازالوا قادرين على فعل شيء، ولو على الصعيد المحلي.
أما قضايا فلسطين ولبنان والعراق والكيان الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي والتربص الغربي، و.. و..، واللكمات التي تنهال اللكمة وراء الأخرى على دولنا العربية، فلا داعي لقرارات الشجب والإدانة والاستنكار توفيرا لثمن الحبر الذي تكتب به، وليكتف القادة العرب في قمتهم بالتوجه إلى الله تعالى بالدعاء على أميركا وإسرائيل. عن صحيفة الوطن القطرية 2/3/2008