القومية العربية، الوحدة العربية، السوق العربية، القضية العربية، العملة العربية الموحدة، اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وغيرها العديد؛ كلها اصطلاحات دأب السياسيون والحكام على ترديدها على مسامعنا عبر ستة وستين عاما هي عمر الجامعة العربية، فإذا نظرنا إلى الساحة العربية؛ وجدنا أننا لا نحن أو آباءنا رأى أيا منها يتحقق؛ ويجب علينا تدارس الأسباب التي أدت إلى الفشل العربي. في رأيي..لن يجد كُتّاب التاريخ نموذجا للفشل والتخبط والضبابية أفضل من نموذج جامعة الدول العربية، فما تعرضت له الأمة من مواقف عبر تاريخها منذ إنشائها؛ وما تمخضت عنه رحم الجامعة حين تدلي بدلوها في كل هذه المواقف؛ على مستوى القمة أو مستوى وزراء الخارجية أو حتى على مستوى المندوبين الدائمين؛ كان قرارات وبيانات لم تتعد الشجب أو الإدانة أو المساندة المعنوية؛ عمرها ما كانت عسكرية إلا في حالة الهجوم على العراق؛ أو التأييد أو المعارضة، وينطبق عليها دوما المثل العربي: تمخض الجبل فولد فأرا، يجتمع الرؤساء والملوك والأمراء في مؤتمرات القمة، ولا يخرجون من اجتماعاتهم بأي اتفاق، وتعالوا نلقي نظرة على التاريخ لنعرف عم نتحدث. تأسست الجامعة العربية عام 1945 وبعدها بثلاث سنوات احتُلت فلسطين، والقادة العرب يتفرجون، هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر عام 1956، والقادة العرب يتفرجون والأمر لا يعنيهم، احتلت إسرائيل باقي فلسطين وسيناء والجولان في 1967، والقادة العرب يتفرجون، وفي 1969 ارتكب الملك حسين مذابح أيلول الأسود في الأردن، وقتل فيها من قتل، والقادة يتفرجون، دارت رحى الحرب الأهلية في لبنان عام 1974، وقتل العرب فيها العرب وقادتهم يتفرجون، عقد السادات اتفاق السلام مع إسرائيل، وانقسمت الجامعة ونُقل مقرها إلى تونس ولا زال القادة يتفرجون، عادت الجامعة بالسلامة إلى القاهرة بعد اغتيال السادات، وشوية أحضان وقبلات، وعاد القادة يتفرجون، اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان وارتكبت المذابح عام 1982، والقادة يدينون ويتفرجون، ثم كانت الطامة الكبرى عام 1990 حين اجتاح العراق الكويت واحتلها، هنا غير القادة العرب عادتهم فلم يكتفوا بالفرجة؛ وإنما اجتمعوا ليتفقوا على ذبح العراق ويؤيدوا عدوان أمريكا عليه، وشاركوا في عملية تحرير الكويت بالمال والجنود والدعم اللوجيستي، وبعدها عادوا ليتفرجوا لعدة سنوات، حتى احتل المارد الأمريكي العراق فكانت تلك الضربة القاضية والحكم النهائي على أحلام القومية العربية المعتمدة على تجمع الحكام وتفريق الشعوب. وبرغم إطلاق رصاصة الرحمة على الجامعة باحتلال العراق؛ بقي القادة العرب يقفون ويقعدون، ويتشاجرون ويتصالحون، ويشجبون ويدينون، مرة بالراحة ومرة بالزعيق، حتى بدأ العام الأول من العقد الثاني في القرن الحادي والعشرين، وقامت الشعوب في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، يجمعها وحدة المأساة ووحدة المعاناة ووحدة الظلم ووحدة القهر ووحدة الحق الضائع ووحدة الخرَس لعشرات السنين، وتمخض جبل الجامعة العربية فولد فأر الشجب والقلق ومحاولات التهدئة وحماية الأنظمة، وتعالت أصوات القادة العرب كالعادة، المؤامرة.. كل ما يحدث في العالم العربي من ثورات هو نتاج مؤامرة كبرى على العرب ! ونتساءل.. هل المؤامرة التي يدّعيها هؤلاء الظُلّام على الجامعة العربية ؟ أم على الأنظمة العربية ؟ أم على الشعوب العربية ؟ هل حيكت خيوط هذا المؤامرة بليل للتمكين لإسرائيل ؟ هل للسيطرة على منابع النفط ؟ وأقول: إن مؤامرة رهيبة فعلا حيكت خيوطها، ولكن في منتصف القرن الماضي، بالتحديد عام 1945، عام إنشاء الجامعة العربية، والثمار المتعفنة لهذه المؤامرة على الشعوب هي تولية أمورها للحكام المعيّنين الموظفين، وقد حرص كل منهم على القيام بدوره المرسوم له، حربا وسلاما، ظلما لشعبه وطغيانا، وقضيته الأهم هي بقاؤه على مقعد السلطة أطول فترة ممكنة، حبذا لو كانت حتى الممات ليرثه الابن أو ولي العهد، وخلال العقود الستة الماضية؛ لم يكن للشعوب صوت ولا تأثير، وعاشوا خلالها كالأغنام يسوقهم الرعاة إلى حيثما وأينما وكيفما شاءوا، فإن علا صوت أحدهم أو تجرأ وفكر في مستقبل أبنائه؛ كان قطع الرأس هو العلاج الناجع، أو الإلقاء في غياهب السجون حيث لا يعلم أحد عنه شيئا، وطوال هذه الستين عاما كان أمن إسرائيل هو شغل الحكام الشاغل باستثناء حرب أكتوبر 1973، مهما ادعوا الصمود والتصدي والمواجهة، بل إن كل الحكام العرب اجتمعوا عدة مرات ليتخذوا قراراتهم في شرم الشيخ لحماية إسرائيل وأمنها من هجمات حماس من غزة، واشتركوا جميعا في حصار غزة منذ عدة سنوات، ولم يخترق الحصار إلا السفن التركية، بينما العرب تغط شعوبهم في نوم عميق، والسادة الحكام يجتمعون وينفضّون في مبنى الجامعة على النيل. كل هذا يوضح بجلاء أن السبب الرئيس للفشل العربي هو جامعة الدول العربية التي كان يجب أن تسمى جامعة الأنظمة العربية، واسلمي يا مصر.