الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والعنصرية حافظ أبو سعدة تفجرت أزمة الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية المسيئة للرسول( ص) مرة أخري, وهذه ليست المرة الاولي, ففي نهاية شهر سبتمبر2005 نشرت صحيفة يولانذر بوسطن, وهي من أوسع الصحف اليومية انتشارا في الدنمارك12 رسما كاريكاتيريا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام, وقد أثيرت آنذاك موجة واسعة من الاحتجاج في العالم الإسلامي. في واقع الأمر إن الاعتراض علي الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية ليس لأنها تسيء الي دين من الأديان, أو إنها تزدري رمزا مقدسا للدين الإسلامي, وإنما الاعتراض بالأساس علي مضمونها. وفي ضوء ذلك, نتساءل: هل أننا أمام حالة من حالات حرية الرأي والتعبير, أما أننا أمام حالة من الممارسة العنصرية ونشر الكراهية المحرمة دوليا ؟. في الواقع ان الفيصل هنا هو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تحمي حرية الرأي والتعبير وتجرم الممارسات العنصرية وجرائم الكراهية في الوقت نفسه. ويمكن بيان ذلك علي هذا النحو: ديباجة ميثاق الأممالمتحدة نصت علي ان الهدف من هذا الميثاق هو تطبيق التسامح بين الشعوب لتحقيق وحدتها. وأكدت المادة3(1) من الميثاق هذا المعني, إذ بينت أن من الأهداف الرئيسية لإنشاء منظمة الأممالمتحدة تشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية للجميع من غير تمييز ضد العرق او الجنس او اللغة او الدين. وغني عن القول إن نبذ دين الإسلام وربطه بالإرهاب في شكل رسوم كاريكاتيرية امر لا يحمل احتراما لأتباع هذا الدين. كما نص إعلان مباديء القانون الدولي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم2625(1970) علي أنه ينبغي علي الدول ان تتعاون فيما بينها لتعزيز الاحترام الدولي ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ولإزالة التعصب الديني. ومن الواضح ان التعرض للأنبياء الذين يمثلون رموز الأديان أمر لا يعين علي إزالة التعصب الديني, بل غالبا ما يكون سببا في زيادته!. وتبع هذا القرار إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص إلغاء جميع اشكال عنصرية الأديان والمعتقدات بموجب القرار رقم55/36(1981), والذي يقضي في المادة3 بأن إهانة واحتقار الأديان يعتبر خرقا لميثاق الأممالمتحدة, إذ هو يعتبر عائقا امام تحقيق العلاقات الأخوية السلمية بين الدول الأعضاء, كما بينت المادة4 من الإعلان السابق انه يجب علي جميع الدول ان تأخذ الخطوات الكفيلة بمنع وإزالة التعصب المبني علي أسس دينية او عقائدية. وبالتالي فإن المسئولية القانونية الدولية للدولة تلزمها باتخاذ إجراءات معينة ضد الإهانات التي تلحق بالأديان. وبالإضافة إلي ما سبق, نجد أن الرسوم الدنماركية تمثل انتهاكا للاتفاقية الدولية للقضاء علي التمييز العنصري, والتي نصت علي إلزام الحكومات بأن تحظر تهديد الأشخاص, أو التهكم عليهم, أو إهانتهم بسبب الجنس او الاصل العرقي, بل تلزم الحكومات ايضا بمنع الدعاية المحرضة علي الكراهية الدينية, والتي بدورها تثير التمييز, والعنصرية والعنف. بل تضمن القانون الجنائي الدنماركي مواد عدة ضد العنصرية, إذ نصت المادة140 منه علي ان كل شخص يسخر او يستهزيء علنا بأي من العقائد الدينية أو الشعائر التعبدية الخاصة بأي جماعة دينية موجودة بصورة قانونية داخل البلد, يعرض نفسه للسجن مدة لا تزيد علي اربعة اشهر. في حين نصت المادة266 مكرر علي أن أي شخص يقوم بصورة علنية او بهدف النشر علي نطاق واسع, بالتصريح او بالإدلاء بمعلومات من شأنها ان تكون مصدر تهديد لجماعة من الأفراد, أو تجعلهم مثار تهكم او احتقار, وذلك بسبب الجنس او اللون, أو الاصل القومي أو العرقي, فإنه بذلك يعرض نفسه للغرامة أو السجن مدة غير محددة, شرط ألا تزيد علي عامين. بل جاءت المواثيق الدولية لتؤكد ان مكافحة العنصرية يتماشي مع حرية التعبير, ففي إحدي توصيات لجنة الأممالمتحدة للقضاء علي التمييز العنصري الصادرة في مارس1993, جاء في التوصية رقم15: حظر انتشار الأفكار القائمة علي مبدأ التفوق العرقي أو الكراهية العرقية يتماشي مع حرية التعبير, وتقتضي ممارسة حرية التعبير وجود واجبات ومسئوليات بما فيها الالتزام بعدم نشر افكار عرقية. بل في الوقت نفسه تم تقييد حرية التعبير حول الأديان, إذ نصت المادة18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي وجوب احترام ومراعاة الأديان, والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي نص في المادة18(3) علي وجوب أن تكون حرية التعبير حول الأديان مقيدة بضوابط الأخلاق العامة. وجاء تأكيد لهذا المعني الأخير في المادة9(2) من الميثاق الاوروبي لحقوق الانسان, إذ نص علي أن حرية التعبير عن الأديان يجب ان تكون مقيدة بضوابط القانون التي تحقق المصالح العامة لحماية الحياة والأخلاق والحقوق والحريات ولحماية حقوق الآخرين. وفي ضوء ما سبق, نطرح تساؤلا مفاده: أين يجب رسم الخط الفاصل بين حماية حرية التعبير, ومنع التحريض علي الكراهية الدينية والعرقية ؟. بالاجابة عن هذا التساؤل, نجد انه ينبغي علي الدول ان تلتزم بتعزيز عدم التمييز ومنع وقوع الجرائم العنصرية, ولكنها تستطيع الوفاء بهذا الالتزام دون الحد من حرية التعبير, إذ ينبغي عدم وضع اي قيد علي حرية التعبير, إلا إذا توافر القصد الواضح للتحريض علي الكراهية العنصرية او الدينية, لا حيث يكون القصد التعبير عن الرأي مهما يكن مر المذاق, فحرية التعبير عنصر اساسي من عناصر الحق في اختلاف الآراء, فإذا غاب الاختلاف تعرض الحق في حرية التعبير للخطر, وإذا غاب الاختلاف اختنقت الحرية. ونخلص مما سبق, بنتيجة مفادها ان الرسوم الدنماركية لا تندرج بأي شكل من الاشكال تحت بند حرية الرأي والتعبير, بل تعد أحد اشكال الممارسات العنصرية في أفج صورها ضد العرب والمسلمين, مما يجعلنا مطالبين بإعادة فتح الملف الخاص بحوار الحضارات أو تعايش الحضارات وليس صدام الحضارات, لكون هذه الرسوم جاءت خالية من اي قيمة فنية, ماعدا ترسيخ الصورة النمطية المتوارثة عن المسلمين, وهي وصمهم بالارهاب, لذا يجب ان نسعي الي تغيير الصورة النمطية لكل طرف, علي أساس من الاحترام المتبادل, ونبذ كل صور العنصرية والكراهية ضد العرب والمسلمين. عن صحيفة الاهرام المصرية 27/2/2008