مجلس الوزراء يقر عقوبة الحبس والغرامة لمخالفي قانون الملاحة الداخلية    جهود مكثفة فى أبو حماد وكفر صقر لرفع مستوى الخدمات العامة    «سايلون» الصينية تنشئ مصنع إطارات في مصر باستثمارات مليار دولار    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    الخارجية الروسية: لافروف سيشارك فى القمة الروسية-الأمريكية    وزير الأوقاف: الدكتور على المصيلحى أوصى بالشيخ على جمعة يصلى عليه جنازته    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    1000 لاعب باحتفال اتحاد اللياقة ورياضة الشارع باليوم العالمي للشباب بالأسمرات    القبض على عاطل لاتهامه بسرقة باب كابينة كهربائية فى المقطم    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعاطلين بتهمة الإتجار فى الهيروين بسوهاج    القبض على 3 عاطلين لاتهامهم بسرقة طالب فى الجيزة    وزير الثقاقة: أتابع بنفسى إجراءات خروج جثمان صنع الله إبراهيم    مفتى المجمع الوطنى والشؤون الإسلامية بجنوب أفريقيا: أعتز بانتمائى للأزهر    أكاديمية الفنون تعلن انطلاق فعاليات مهرجان مسرح العرائس في أكتوبر    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    تفاصيل حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام (فيديو)    تنسيق الجامعات 2025.. التعليم العالي تنشر فيديو لتعريف الطلاب بكيفية إجراء "تقليل الاغتراب"    رئيس "المصرية اليابانية": جامعة حكومية بتخصصات متفردة ومنح للدراسة في اليابان    سحب 810 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    التضامن: لدينا 13072 حضانة مركزة في مصر وهدفنا تحسين خدمات الطفولة المبكرة.. صور    وزير الخارجية التركي: حريصون على دعم وحدة سوريا ونرفض التدخل الخارجي بشؤونها    «مدبولي»: مصر لن تغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي    بعد تجاهل رسالته.. مصطفى كامل يتمنى الشفاء العاجل ل"أنغام"    فيلم "درويش" ينطلق اليوم في دور العرض السينمائي    الإسماعيلي ينهي استعداداته لمواجهة بيراميدز بحضور رئيس النادي "صور"    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    السبكي: تطوير التدريب الطبي والبحوث لرفع جودة الخدمات ب«التأمين الشامل»    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويتخذ إجراءات فورية لتحسين الخدمات    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    آخرهم حسام البدري.. 5 مدربين مصريين حصدوا لقب الدوري الليبي عبر التاريخ    المشاط: العلاقات المصرية الأردنية تحظى بدعم مباشر من قيادتي البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    نيوكاسل يتعاقد رسميًا مع ماليك ثياو    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "قوية ورادعة".. وزارة الرياضة تعلق على عقوبات جماهير الزمالك    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    الاحتلال ينسف مجموعة كبيرة من المنازل في حي الزيتون جنوب شرق غزة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وتوتنهام في صراع السوبر الأوروبي    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    شجرة أَرز وموسيقى    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، بأقل التكاليف    رسميًا.. قائمة أسعار الكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية 2025/2026 «تفاصيل وإجراءات الصرف»    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    الحماية المدنية تنقذ أهالي عقار قديم بعد سقوط أجزاء منه بالجمرك    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف سقطت القيادة الفلسطينية ؟ وكيف نتجنب ذات المصير ؟ / محمد سيف الدولة
نشر في محيط يوم 18 - 11 - 2009

كيف سقطت القيادة الفلسطينية ؟
وكيف نتجنب ذات المصير ؟


* محمد سيف الدولة

محمد عصمت سيف الدولة
لم يدهشنى موقف ابو مازن وصحبته من تقرير جولدستون فى اكتوبر 2009، ولا ما يمارسونه كل يوم من تنسيق امنى مع الصهاينة ضد المقاومة الفلسطينية ، ولا ما يصل الينا من انباء على مباركتهم للعدوان الصهيونى الاخير على غزة يناير 2009 .

ذلك لان التنازل الذى تم بموجب اتفاقيات اوسلو هو الاساس لكل تلك الممارسات ، وهو الموقف الاخطر و الأسوأ فى تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايات الصراع قبل قرن من الزمان .

وانما الذى يشغلنى ، والذى اود ان نتدارسه معا ، وان تتدارسه كل القوى الوطنية المعنية بقضية تحرير فلسطين ، هو كيف سقطت القيادات الفلسطينية كل هذا السقوط ، فانقلبت من قوى للثورة والكفاح المسلح والتمسك بالثوابت الوطنية المنصوص عليها فى الميثاق الوطنى الفلسطينى الاصلى الصادر عام 1968 .

نقول كيف انقلبت الى موقفها الحالى والذى انتهجته منذ 1993 ؟ والذى يتلخص فى :

• التنازل عن فلسطين التاريخية ، فلسطين 1948 التى تساوى 78 % من مساحة كل فلسطين

• الاعتراف بدولة اسرائيل وحقها فى الوجود ، وما لها من حقوق تاريخية فى فلسطين .

• التنازل عن حق المقاومة والكفاح المسلح لتحرير ما تبقى من الارض المحتلة ( الضفة وغزة ) ، والالتزام بمطاردة واعتقال ومحاكمة كل مقاوم فلسطينى ، والالتزام بنزع سلاح المقاومة .

و ذلك وفقا لما هو وارد بالنص فى اتفاقيات الستة عشر عاما الاخيرة .


* * *

صحيح ان التراجع والسقوط والانقلاب على الثوابت الوطنية ليس قاصرا على القيادة الفلسطينية ، فهناك مصر الرسمية التى انقلب موقفها 180 درجة بعد كامب ديفيد ، وكذلك باقى الدول العربية ممثلة فى جامعتها التى قامت بالتنازل بالاجماع عن فلسطين 1948 بموجب مبادرة السلام العربية الصادرة فى 2002 ، بالاضافة الى ما رأيناه على مر العقود الماضية من سقوط عديد من القوى السياسية باختلاف اتجاهاتها ، وانتقالها من معسكر المعارضة الوطنية المبدئية الى صفوف انظمتها الحاكمة .

ولكن تظل هناك خصوصية لتجربة منظمة التحرير الفلسطينية ، كحركة شعبية ثورية خاضت معارك حقيقية ضد العدو الصهيونى ونجحت فى استقطاب دعم واعجاب وتأييد كل الشعب العربى بكل طوائفه و قواه فى الفترة من 1964 وحتى 1982.

و تكمن اهمية دراسة هذه التجربة ووضع الأيدى على اسباب السقوط ، فى ضرورة تأمين الذات وتأمين حركات المقاومة الحالية خاصة فى فلسطين ولبنان من الوصول الى ذات النهاية البائسة لا قدر الله .

ان هناك من يطمئننا الى استحالة تكرار ذات المصير للمقاومة الحالية ، لانها تتميز عن التجربة السابقة بمنطلقاتها الاسلامية التى تحصنها وتحميها من السقوط .

وهو كلام صحيح الى حد كبير ، ولكنه غير كافى . فقد ظهرت حركات تحرر اسلامية من قبل فى واقعنا العربى ، بدأت مبدئية وانتهت الى غير ذلك ، من ابرزها الحركة السنوسية فى ليبيا التى كان لها دور كبير فى مقاومة الاحتلال الايطالى ، ثم انقلبت الاجيال الاخيرة من قادتها وتحالفت مع الاحتلال .

كما اننا لا يمكننا ان نتجاهل وجود حركات تحرر وطنى وحركات ثورية من خارج التيار الاسلامى ، تمسكت بمواقفها المبدئية ضد الاحتلال حتى النهاية ، مثل الثورة الجزائرية ومثل الثورة المصرية فى 1956 و كذلك فى 1967 عندما اصرت على مواصلة القتال رغم الهزيمة .

كما ان هناك تجارب ثورية من خارج ارض الوطن فى امم اخرى مثل الصين وفيتنام ، نجحت فى الصمود حتى النصر ، وهى ليست جزءا من العالم الاسلامى من الاصل . والامثلة كثيرة .

اذن ، نحن فى احتياج الى البحث عن الاسباب الأخرى وراء سقوط قيادة م.ت.ف ، خارج مسألة الاصول الفكرية الاسلامية وغير الاسلامية .

فالاسلام فى امتنا هو شرط لازم للصمود والنصر ، ولكنه غير كافى ، كما يقول الفقهاء .


* * *

وحيث ان هذه الورقة هى دعوة للحوار والتفكير والتأمل والتدارس ، فاننى ساقوم بالتركيز على خمسة عوامل رئيسية ، أدت مع عوامل أخرى الى انهزام وتراجع الاولين ، و التى قد تؤدى لا قدر الله الى هزيمتنا جميعا جيلا وراء جيل ان لم نتداركها :

العامل الاول :

هو الحظر المفروض على الشعب العربى خارج الارض المحتلة من الاشتراك فى القتال ضد العدو الصهيونى . وهو حظر قديم يعود الى نهايات الحرب العالمية الاولى ، وما قبلها عندما تقاسمنا المستعمرون المنتصرون كغنائم حرب ، واعادوا صياغة عالمنا فقسموه وجزأوه ، وصنعوا تصنيعا مؤسسات اسموها دولا ، لتحمى هذا التقسيم وهذه التجزئة ، فهذه دولة مصر وتلك دول سوريا ولبنان وفلسطين ..الخ

و سلحوا هذه الدول بآلاف القوانين والاجراءات لحماية التقسيم ومنع التوحد مرة أخرى ، من اول بطاقات الهوية والاناشيد الوطنية . ومرورا بالأعلام مختلفة الالوان والتصميمات . ثم قوانين الجنسية ، وقوانين الاجانب التى حولت كل عربى الى اجنبى يعامل معاملة الخواجة فى الاقطار الأخرى .

ثم الدساتير التى تحدد حقوق وواجبات المواطن فتحجبها ضمنيا عن العربى الآخر ، وتحدد قواعد السيادة على ارض القطر ، وتجرم انتهاكها من العرب الآخرين ، ثم الحدود التى وضعوا عليها حراسا مسلحون اسموهم حرس الحدود ، التى تعتقل وتطارد كل من يتجرأ من مواطنيها او من العرب" الاجانب" من دول الجوار فى الدخول والخروج الا باذنها وتصاريحها . وقد تطلق عليهم النيران وترديهم قتلى ، ان لم يستجيبوا الى نداء التوقيف الشهير " قف من انت ".

ولم يكتفوا بذلك ، فاخذت المؤسسات المصنعة تصنيعا المسماة بالدول العربية ، تسن من القوانين الداخلية ما يحرم حمل السلاح على المواطنين ، وتقصره على قواتها المسلحة ، وتوقع عقوبات مشددة على من يخالف وينتهك هذه القوانين حتى ان كان سلاحه موجها الى العدو .

واصدرت مزيد من القوانين لمنع الناس من تنظيم انفسهم فى جماعات او احزاب حقيقية ولو فى مواجهة العدو ، واعطت نفسها فقط هذا الحق .

وحين غيرت الدول العربية مواقفها من العدو وقررت ان تترك له فلسطين ، لم تسمح لمواطنيها بالاحتفاظ بمواقفهم المبدئية والتعبير عنها ، فاخذت فى مطاردتهم وتصفيتهم اعتقالا وتجريما وسجنا .

وفى النهاية ، نجحت بالفعل هذه التجزئة الظالمة وحماتها من الدول العربية ، ولو الى حين ، فى وأد حركة الدعم الشعبى العربى لفلسطين ، او اضعافها وتحجيمها ، وحرمانها من المشاركة فى القتال . و هو ما أدى الى عزل المقاومة الفلسطينية ، وتركها وحيدة محاصرة ، فى مواجهة آلات الحرب الصهيوينة المدعومة امريكيا ودوليا .

وكان من نتيجة ذلك ان انتصر العدو وساد وتوسع واستقر وكاد ان يصبح أمرا واقعا يصعب انهائه وتصفيته .

انتصر العدو قليل العدد ، قليل الشأن على أمة كاملة عريقة طويلة عريضة ، بدون ان يأخذ شعبها فرصة حقيقية فى القتال .

صحيح اننا فى 1973 ، قد شهدنا قدر من التعاون العربى فى المعركة ، والذىكان له بالغ الأثر ، ولكن سرعان ما تحطم وعادت كل الدول العربية الى حساباتها القطرية الاقليمية المحدودة والمعادية بالضرورة لمصالح الامة الواحدة .

كان وسيظل هذا العامل ، هو العامل الرئيسى وراء عجز كل حركات المقاومة الفلسطينية على امتداد قرن من الزمان ، عن تحرير فلسطين من الصهاينة .

وبالتالى فإن توحيد الشعب العربى فى المعركة ضد العدو ، هو شرطا لازما لتحرير كامل التراب الفلسطين ، قد يطول هذا الامر أو يقصر ، وقد نمل من تكرار هذه الحقيقة فننصرف عنها عاما او عقدا او قرنا . ولكن فلنكن على يقين كامل انه بدون تحقيق هذه الوحدة لن تتحرر فلسطين ، بل قد تضيع الى الابد .

قد يقال ان هذا كلام كبير وصعب وبعيد ، وانه يتطلب جهودا هائلة تفوق الجهود اللازمة لتحرير فلسطين ذاتها ، وكما يقول المثل الشعبى " مووت يا حمار " . و قد يقال انك تضع شرطا مستحيلا . ونحن نرد ونجيب : انه الشرط الصحيح الوحيد ، ففلسطين لن تتحرر ابدا من داخلها فقط ، ولم يحدث على مر العصور ان تحررت الا بقتال عربى اسلامى فلسطينى موحد .


* * *

العامل الثانى :

هو انسحاب الدولة المصرية من الصراع بعد 1973 بموجب اتفاقيات كامب ديفيد . وسرعان ما لحق بها على مراحل ، العديد من الدول العربية ، مهرولة الى الانسحاب من المعركة هى الأخرى ، فى اتجاه نهج طالما تبنته خفية ، ولكنها لم تجرؤ على اعلانه والافصاح عنه من قبل .

ونحن نعلم جيدا من التاريخ القديم والحديث انه لا حرب بدون مصر ، ولا نصر بدون مصر .

ومنذ تم هذا الانسحاب ، ضرب خيار الكفاح المسلح كطريق لتحرير الارض المحتلة . فدخلت القوات الصهيوينة بعد توقيع اتفاقية الصلح المصرية الاسرائيلية بثلاثة سنوات الى لبنان وطردت القوات الفلسطينية بعد صمود دام 83 يوما ونفتهم الى اقصى بقاع الارض العربية ، تحت نظر وصمت ومباركة الدول العربية جميعا . لم يحميهم احد ، لم يشاركهم احد فى القتال ، لم تنطلق رصاصة عربية رسمية واحدة . وتركوهم لمصيرهم تحدده لهم اسرائيل وامريكا .

وهناك فى تونس ، فى المنفى ، تم تسويتهم على نار هادئة ، بحملات من التجاهل والمحاصرة والاتهام بالارهاب ، ومقاطعتهم ورفض اشراكهم فى اى عمليات سياسية او مفاوضات الا اذا اعترفوا باسرائيل . فصمدت القيادة قليلا فى البداية ، ورفضت سنة وسنتين ، ولكن انكسرت ارادتها فى النهاية وخضعت وقررت قبول الاعتراف باسرائيل والتنازل لها عن فلسطين ووقعت معها اتفاقيات اوسلو واخواتها .

ان الشرط الثانى لتحرير فلسطين هو استعادة مصر وتحريرها من كامب ديفيد . كمقدمة لاستعادة باقى الدول العريبة الأخرى الى ساحة المعركة .

* * *

العامل الثالث :

هو الخديعة الرسمية العربية الكبرى ، للفلسطينيين التى تمت عام 1974 فى مؤتمر القمة العربية ، و التى تم تاسيس كل ما تلا ذلك بناءا عليها .

فلقد اجتمع ممثلو الدول العربية حينها ، وقرروا ان منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى و الوحيد للشعب الفلسطينى ، فيما ظهر وقتها انه قرار يستهدف الدفاع عن استقلال المقاومة الفلسطينية وعدم التدخل فى شئونها الداخلية وتحريرها من الضغوط الرسمية العربية التى عانت منها كثيرا .

ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذا القرار كانت هى ، انسحاب كل الدول العربية رسميا من الصراع ضد العدو ، وتخليص انفسهم ، ونفض ايديهم ، من اى مسئولية قتالية عن تحرير فلسطين ، والاكتفاء بالدعم السياسى والمادى . فلقد باعوا القضية كما يقال . و قاموا بتلبيس وتدبيس م.ت.ف والفلسطينين وحدهم بهذه المسئولية كاملة ، وهم وشطارتهم .

ولقد فرحت القيادة الفلسطينية بهذا القرار فى البداية ، ولكنها اكتشفت بعد برهة انه تم توريطها منفردة فى مواجهة عدو يفوقها ويتفوق عليها فى كل شىء . وبالفعل ومع توالى الاحداث انسحب الجميع وبقيت المنظمة ، فانهزمت ، فاستسلمت .

حدث ذلك فى تل الزعتر 1975 ، وفى لبنان عام 1982 ، وفى تونس من 1982 1993 ، وفى الضفة وغزة ايام الانتفاضة الثانية 2000 2004 . والآن يتكرر مع الجيل الجديد من المقاومة 2007 2009 ، وربنا يستر .

* * *

العامل الرابع :

هو عزل المقاومة عن الشعب العربى ، فطوال كل هذه العقود كان اجهزة امن الدول العربية ، تحظر على رجال المقاومة الفلسطينية اى تواصل مع القوى الشعبية العربية ، فمحظور عليهم الاتصال بهم اوالتنسيق معهم او ممارسة اى عمل سياسى فى أى قطر عربى . والا كان العقاب شديدا موجعا ، كالقبض والاعتقال والترحيل والتعذيب والتشهير .

ورويدا رويدا تعلم القادة الفلسطينيون الدرس ، وتابوا وأنابوا ، واغلظوا الايمان انهم لن يتدخلوا فى الشئون الداخلية للدول العربية ، واختاروا ان يدخلوا الاقطار العربية عبر البساط الاحمر فى صحبة وحراسة ورقابة الرسميين العرب . فانفصلوا مكرهين ومرغمين عن القوى الوحيدة التى تدعم قضيتهم بصدق واخلاص وهى قوى الشعب فى الارض العربية .

وعلى الجانب الآخر لم تلتزم الدول العربية وانظمتها وحكامها بالاتفاق على عدم التدخل فى شئون فلسطين . فتدخلوا تارة بالضغط الصريح لارغامهم على القاء سلاحهم والدخول فى عملية التسوية والتنازل . وتارة أخرى بالضغط الضمنى بانسحابهم جميعا بربطة المعلم من ساحة المعركة ، لتختل موازين القوى بشدة ، فينهزموا ، ويستسلموا .

ان البساط الاحمر العربى لن يحرر فلسطين ، بل سيسعى و يعمل طول الوقت على تجريدها من القدرة على المقاومة ، ولا بديل الا بالالتحام بالشارع العربى ، ومشاركته همومه ومعاركه وقضاياه ، ليشاركنا معارك المقاومة والتحرير . ففى النهاية كلنا ضحية لقاهر واحد هو هذا النظام العربى .

* * *

العامل الخامس :

هو سقوطنا جميعا خارج فلسطين فى دوامة همومنا القطرية ، والتى تشغل بعضنا طول الوقت او تشغل معظمنا بعض الوقت . تشغلنا عن استمرار المتابعة والمشاركة فيما يتم داخل الارض المحتلة ، و فيما يتم فى ساحات الصراع المتعددة ضد المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة .

ولنضرب مثلا على ذلك بالعدوان الصهيونى الأخير على غزة يناير 2009 ، فطوال ايام العدوان وبسبب عدد الشهداء وكمية الدماء التى كنا نراها يوميا على شاشات التلفاز ، كنا فى القلب من المعركة غاضبين ، متظاهرين ، ضاغطين .

ولكن بمجرد ان توقف العدوان ، انصرفنا جميعا الى حال سبيلنا ، فعدنا الى سابق قضايانا وهمومنا القطرية الداخلية . وتركنا المقاومة وحيدة فى اشد المراحل حرجا وهى مرحلة تسويات ما بعد الحرب والتى هى أشد خطرا من الحرب ذاتها ، ففيها يتحدد مصير القضية لعقود مقبلة .

تركناها وحيدة فى مواجهة الضغوط الامريكية الصهيوينة الدولية العربية ، داخل الغرف المغلقة وعلى موائد المفاوضات ، يحاولون ان ينتزعوا منها ما لم ينجحوا في انتزاعه خلال الحرب ، وهو الاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين والقاء السلاح والتخلى عن المقاومة التى اسموها ارهابا .

ان الدعم الدائم والمستمر وغير الموسمى لقضية فلسطين ، والربط طول الوقت بين مشاكلنا الداخلية وبين قضية التحرير ، هى ضرورة يجب ان نؤكد عليها ونتمسك بها . فما يحدث لنا هنا وما يحدث لهم هناك ليست الا مخرجات وتفريعات لعدوان غربى امريكى صهيونى واحد على كامل الأمة . وأى فصل بينها يوقعنا جميعا فى دوائر الهزيمة فى كل القضايا وفى كل الساحات .

* * *

كان لهذه العوامل خمس ، مع عوامل أخرى ، بالغ الأثر فى اضعاف وحصار وانهزام القيادة الفلسطينية على امتداد اكثر من ثلاثة عقود . وهى عوامل لاتزال قائمة ، بل اصبحت أكثر قوة وتأثيرا على حركات المقاومة الحديثة ، بالذات فى السنوات القليلة الماضية ، وعلى الأخص بعد انتهاء العدوان الصهيونى الأخير على غزة .

صحيح ان الاستسلام للعدو والخضوع له والتنازل له عن فلسطين ، لا يبرره شيئا على وجه الاطلاق . فهناك كثيرون من نفس ذلك الجيل 1964/1987 صمدوا وواصلوا الكفاح ، او على اضعف الايمان انسحبوا فى صمت ، واعترفوا بهزيمة مشروعهم السياسى ، ولكنهم لم يستسلموا كما فعلت القيادات الحالية للسلطة الفلسطينية .

فالاستسلام يتطلب تكوينا ذاتيا وشخصيا من نوع خاص ، لايتوفر الا فى أردأ العناصر فى اى شعب أو حركة أو جماعة .

كل هذا صحيح ، ولكن تظل العوامل التى تناولناها ، هى عوامل اضعاف وكسر واخضاع لقوى المقاومة وارادتها ، أيا كانت منطلقاتها المبدئية والعقائدية .

وأى تجاهل لهذه العوامل والأسباب ، وتقاعص عن مواجهتها ، والاكتفاء بالرهان على الصلابة اللانهائية لاخواننا فى الداخل ، هو لعب بالنار ، و مشاركة فى الحصار .

* * *
و فى النهاية اتصور ان الخلاصة هى : ان وحدة المقاومة العربية فى مواجهة العدو . و استرداد مصر من كامب ديفيد . وإرغام النظام الرسمى العربى على العودة مرة أخرى الى تحمل مسئولياته فى تحرير فلسطين وفى الاشتباك ضد المشروع الصهيونى الامريكى . والالتحام مع المواطنين البسطاء وقواهم الوطنية ومشاركتهم همومهم وقضاياهم والبعد عن البساط الاحمر . والربط بين مشكلات وقضايا الامة الواحدة ، هى خيارات اساسية فى الطريق الى تحرير الارض المغتصبة . والنجاة من السقوط فيما سقط فيه الاولون . وهو طريق طويل وشاق وملىء بالعقبات الهائلة ، ويحتاج الى خطط عمل كثيرة ومعقدة ، ولكنه يظل هو الطريق الوحيد الممكن والمضمون . والله أعلم .


*كاتب ومفكر مصري
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.