«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف سقطت القيادة الفلسطينية ؟ وكيف نتجنب ذات المصير ؟
نشر في المصريون يوم 07 - 11 - 2009

لم يدهشنى موقف ابو مازن وصحبته من تقرير جولدستون فى اكتوبر 2009، ولا ما يمارسونه كل يوم من تنسيق امنى مع الصهاينة ضد المقاومة الفلسطينية ، ولا ما يصل الينا من انباء على مباركتهم للعدوان الصهيونى الاخير على غزة يناير 2009 .
ذلك لان التنازل الذى تم بموجب اتفاقيات اوسلو هو الاساس لكل تلك الممارسات ، وهو الموقف الاخطر و الأسوأ فى تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايات الصراع قبل قرن من الزمان .
وانما الذى يشغلنى ، والذى اود ان نتدارسه معا ، وان تتدارسه كل القوى الوطنية المعنية بقضية تحرير فلسطين ، هو كيف سقطت القيادات الفلسطينية كل هذا السقوط ، فانقلبت من قوى للثورة والكفاح المسلح والتمسك بالثوابت الوطنية المنصوص عليها فى الميثاق الوطنى الفلسطينى الاصلى الصادر عام 1968 .
نقول كيف انقلبت الى موقفها الحالى والذى انتهجته منذ 1993 ؟ والذى يتلخص فى :
• التنازل عن فلسطين التاريخية ، فلسطين 1948 التى تساوى 78 % من مساحة كل فلسطين
• الاعتراف بدولة اسرائيل وحقها فى الوجود ، وما لها من حقوق تاريخية فى فلسطين .
• التنازل عن حق المقاومة والكفاح المسلح لتحرير ما تبقى من الارض المحتلة ( الضفة وغزة ) ، والالتزام بمطاردة واعتقال ومحاكمة كل مقاوم فلسطينى ، والالتزام بنزع سلاح المقاومة .
و ذلك وفقا لما هو وارد بالنص فى اتفاقيات الستة عشر عاما الاخيرة .
* * *
صحيح ان التراجع والسقوط والانقلاب على الثوابت الوطنية ليس قاصرا على القيادة الفلسطينية ، فهناك مصر الرسمية التى انقلب موقفها 180 درجة بعد كامب ديفيد ، وكذلك باقى الدول العربية ممثلة فى جامعتها التى قامت بالتنازل بالاجماع عن فلسطين 1948 بموجب مبادرة السلام العربية الصادرة فى 2002 ، بالاضافة الى ما رأيناه على مر العقود الماضية من سقوط عديد من القوى السياسية باختلاف اتجاهاتها ، وانتقالها من معسكر المعارضة الوطنية المبدئية الى صفوف انظمتها الحاكمة .
ولكن تظل هناك خصوصية لتجربة منظمة التحرير الفلسطينية ، كحركة شعبية ثورية خاضت معارك حقيقية ضد العدو الصهيونى ونجحت فى استقطاب دعم واعجاب وتأييد كل الشعب العربى بكل طوائفه و قواه فى الفترة من 1964 وحتى 1982.
و تكمن اهمية دراسة هذه التجربة ووضع الأيدى على اسباب السقوط ، فى ضرورة تأمين الذات وتأمين حركات المقاومة الحالية خاصة فى فلسطين ولبنان من الوصول الى ذات النهاية البائسة لا قدر الله .
ان هناك من يطمئننا الى استحالة تكرار ذات المصير للمقاومة الحالية ، لانها تتميز عن التجربة السابقة بمنطلقاتها الاسلامية التى تحصنها وتحميها من السقوط .
وهو كلام صحيح الى حد كبير ، ولكنه غير كافى . فقد ظهرت حركات تحرر اسلامية من قبل فى واقعنا العربى ، بدأت مبدئية وانتهت الى غير ذلك ، من ابرزها الحركة السنوسية فى ليبيا التى كان لها دور كبير فى مقاومة الاحتلال الايطالى ، ثم انقلبت الاجيال الاخيرة من قادتها وتحالفت مع الاحتلال .
كما اننا لا يمكننا ان نتجاهل وجود حركات تحرر وطنى وحركات ثورية من خارج التيار الاسلامى ، تمسكت بمواقفها المبدئية ضد الاحتلال حتى النهاية ، مثل الثورة الجزائرية ومثل الثورة المصرية فى 1956 و كذلك فى 1967 عندما اصرت على مواصلة القتال رغم الهزيمة .
كما ان هناك تجارب ثورية من خارج ارض الوطن فى امم اخرى مثل الصين وفيتنام ، نجحت فى الصمود حتى النصر ، وهى ليست جزءا من العالم الاسلامى من الاصل . والامثلة كثيرة .
اذن ، نحن فى احتياج الى البحث عن الاسباب الأخرى وراء سقوط قيادة م.ت.ف ، خارج مسألة الاصول الفكرية الاسلامية وغير الاسلامية .
فالاسلام فى امتنا هو شرط لازم للصمود والنصر ، ولكنه غير كافى ، كما يقول الفقهاء .
* * *
وحيث ان هذه الورقة هى دعوة للحوار والتفكير والتأمل والتدارس ، فاننى ساقوم بالتركيز على خمسة عوامل رئيسية ، أدت مع عوامل أخرى الى انهزام وتراجع الاولين ، و التى قد تؤدى لا قدر الله الى هزيمتنا جميعا جيلا وراء جيل ان لم نتداركها :
العامل الاول :
هو الحظر المفروض على الشعب العربى خارج الارض المحتلة من الاشتراك فى القتال ضد العدو الصهيونى . وهو حظر قديم يعود الى نهايات الحرب العالمية الاولى ، وما قبلها عندما تقاسمنا المستعمرون المنتصرون كغنائم حرب ، واعادوا صياغة عالمنا فقسموه وجزأوه ، وصنعوا تصنيعا مؤسسات اسموها دولا ، لتحمى هذا التقسيم وهذه التجزئة ، فهذه دولة مصر وتلك دول سوريا ولبنان وفلسطين ..الخ
و سلحوا هذه الدول بآلاف القوانين والاجراءات لحماية التقسيم ومنع التوحد مرة أخرى ، من اول بطاقات الهوية والاناشيد الوطنية . ومرورا بالأعلام مختلفة الالوان والتصميمات . ثم قوانين الجنسية ، وقوانين الاجانب التى حولت كل عربى الى اجنبى يعامل معاملة الخواجة فى الاقطار الأخرى . ثم الدساتير التى تحدد حقوق وواجبات المواطن فتحجبها ضمنيا عن العربى الآخر ، وتحدد قواعد السيادة على ارض القطر ، وتجرم انتهاكها من العرب الآخرين ، ثم الحدود التى وضعوا عليها حراسا مسلحين اسموهم حرس الحدود ، التى تعتقل وتطارد كل من يتجرأ من مواطنيها او من العرب" الاجانب" من دول الجوار فى الدخول والخروج الا باذنها وتصاريحها . وقد تطلق عليهم النيران وترديهم قتلى ، ان لم يستجيبوا الى نداء التوقيف الشهير " قف من انت ".
ولم يكتفوا بذلك ، فاخذت المؤسسات المصنعة تصنيعا المسماة بالدول العربية ، تسن من القوانين الداخلية ما يحرم حمل السلاح على المواطنين ، وتقصره على قواتها المسلحة ، وتوقع عقوبات مشددة على من يخالف وينتهك هذه القوانين حتى ان كان سلاحه موجها الى العدو .
واصدرت مزيد من القوانين لمنع الناس من تنظيم انفسهم فى جماعات او احزاب حقيقية ولو فى مواجهة العدو ، واعطت نفسها فقط هذا الحق .
وحين غيرت الدول العربية مواقفها من العدو وقررت ان تترك له فلسطين ، لم تسمح لمواطنيها بالاحتفاظ بمواقفهم المبدئية والتعبير عنها ، فاخذت فى مطاردتهم وتصفيتهم اعتقالا وتجريما وسجنا .
وفى النهاية ، نجحت بالفعل هذه التجزئة الظالمة وحماتها من الدول العربية ، ولو الى حين ، فى وأد حركة الدعم الشعبى العربى لفلسطين ، او اضعافها وتحجيمها ، وحرمانها من المشاركة فى القتال . و هو ما أدى الى عزل المقاومة الفلسطينية ، وتركها وحيدة محاصرة ، فى مواجهة آلات الحرب الصهيوينة المدعومة امريكيا ودوليا .
وكان من نتيجة ذلك ان انتصر العدو وساد وتوسع واستقر وكاد ان يصبح أمرا واقعا يصعب انهائه وتصفيته .
انتصر العدو قليل العدد ، قليل الشأن على أمة كاملة عريقة طويلة عريضة ، بدون ان يأخذ شعبها فرصة حقيقية فى القتال .
صحيح اننا فى 1973 ، قد شهدنا قدر من التعاون العربى فى المعركة ، والذىكان له بالغ الأثر ، ولكن سرعان ما تحطم وعادت كل الدول العربية الى حساباتها القطرية الاقليمية المحدودة والمعادية بالضرورة لمصالح الامة الواحدة .
كان وسيظل هذا العامل ، هو العامل الرئيسى وراء عجز كل حركات المقاومة الفلسطينية على امتداد قرن من الزمان ، عن تحرير فلسطين من الصهاينة .
وبالتالى فإن توحيد الشعب العربى فى المعركة ضد العدو ، هو شرطا لازما لتحرير كامل التراب الفلسطين ، قد يطول هذا الامر أو يقصر ، وقد نمل من تكرار هذه الحقيقة فننصرف عنها عاما او عقدا او قرنا . ولكن فلنكن على يقين كامل انه بدون تحقيق هذه الوحدة لن تتحرر فلسطين ، بل قد تضيع الى الابد .
قد يقال ان هذا كلام كبير وصعب وبعيد ، وانه يتطلب جهودا هائلة تفوق الجهود اللازمة لتحرير فلسطين ذاتها ، وكما يقول المثل الشعبى " مووت يا حمار " . و قد يقال انك تضع شرطا مستحيلا . ونحن نرد ونجيب : انه الشرط الصحيح الوحيد ، ففلسطين لن تتحرر ابدا من داخلها فقط ، ولم يحدث على مر العصور ان تحررت الا بقتال عربى اسلامى فلسطينى موحد .
* * *
العامل الثانى :
هو انسحاب الدولة المصرية من الصراع بعد 1973 بموجب اتفاقيات كامب ديفيد . وسرعان ما لحق بها على مراحل ، العديد من الدول العربية ، مهرولة الى الانسحاب من المعركة هى الأخرى ، فى اتجاه نهج طالما تبنته خفية ، ولكنها لم تجرؤ على اعلانه والافصاح عنه من قبل .
ونحن نعلم جيدا من التاريخ القديم والحديث انه لا حرب بدون مصر ، ولا نصر بدون مصر .
ومنذ تم هذا الانسحاب ، ضرب خيار الكفاح المسلح كطريق لتحرير الارض المحتلة . فدخلت القوات الصهيوينة بعد توقيع اتفاقية الصلح المصرية الاسرائيلية بثلاثة سنوات الى لبنان وطردت القوات الفلسطينية بعد صمود دام 83 يوما ونفتهم الى اقصى بقاع الارض العربية ، تحت نظر وصمت ومباركة الدول العربية جميعا . لم يحميهم احد ، لم يشاركهم احد فى القتال ، لم تنطلق رصاصة عربية رسمية واحدة . وتركوهم لمصيرهم تحدده لهم اسرائيل وامريكا .
وهناك فى تونس ، فى المنفى ، تم تسويتهم على نار هادئة ، بحملات من التجاهل والمحاصرة والاتهام بالارهاب ، ومقاطعتهم ورفض اشراكهم فى اى عمليات سياسية او مفاوضات الا اذا اعترفوا باسرائيل . فصمدت القيادة قليلا فى البداية ، ورفضت سنة وسنتين ، ولكن انكسرت ارادتها فى النهاية وخضعت وقررت قبول الاعتراف باسرائيل والتنازل لها عن فلسطين ووقعت معها اتفاقيات اوسلو واخواتها .
ان الشرط الثانى لتحرير فلسطين هو استعادة مصر وتحريرها من كامب ديفيد . كمقدمة لاستعادة باقى الدول العريبة الأخرى الى ساحة المعركة .
* * *
العامل الثالث :
هو الخديعة الرسمية العربية الكبرى ، للفلسطينيين التى تمت عام 1974 فى مؤتمر القمة العربية ، و التى تم تاسيس كل ما تلا ذلك بناءا عليها .
فلقد اجتمع ممثلو الدول العربية حينها ، وقرروا ان منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى و الوحيد للشعب الفلسطينى ، فيما ظهر وقتها انه قرار يستهدف الدفاع عن استقلال المقاومة الفلسطينية وعدم التدخل فى شئونها الداخلية وتحريرها من الضغوط الرسمية العربية التى عانت منها كثيرا .
ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذا القرار كانت هى ، انسحاب كل الدول العربية رسميا من الصراع ضد العدو ، وتخليص انفسهم ، ونفض ايديهم ، من اى مسئولية قتالية عن تحرير فلسطين ، والاكتفاء بالدعم السياسى والمادى . فلقد باعوا القضية كما يقال . و قاموا بتلبيس وتدبيس م.ت.ف والفلسطينين وحدهم بهذه المسئولية كاملة ، وهم وشطارتهم .
ولقد فرحت القيادة الفلسطينية بهذا القرار فى البداية ، ولكنها اكتشفت بعد برهة انه تم توريطها منفردة فى مواجهة عدو يفوقها ويتفوق عليها فى كل شىء . وبالفعل ومع توالى الاحداث انسحب الجميع وبقيت المنظمة ، فانهزمت ، فاستسلمت .
حدث ذلك فى تل الزعتر 1975 ، وفى لبنان عام 1982 ، وفى تونس من 1982 1993 ، وفى الضفة وغزة ايام الانتفاضة الثانية 2000 2004 . والآن يتكرر مع الجيل الجديد من المقاومة 2007 2009 ، وربنا يستر .
* * *
العامل الرابع :
هو عزل المقاومة عن الشعب العربى ، فطوال كل هذه العقود كان اجهزة امن الدول العربية ، تحظر على رجال المقاومة الفلسطينية اى تواصل مع القوى الشعبية العربية ، فمحظور عليهم الاتصال بهم اوالتنسيق معهم او ممارسة اى عمل سياسى فى أى قطر عربى . والا كان العقاب شديدا موجعا ، كالقبض والاعتقال والترحيل والتعذيب والتشهير .
ورويدا رويدا تعلم القادة الفلسطينيون الدرس ، وتابوا وأنابوا ، واغلظوا الايمان انهم لن يتدخلوا فى الشئون الداخلية للدول العربية ، واختاروا ان يدخلوا الاقطار العربية عبر البساط الاحمر فى صحبة وحراسة ورقابة الرسميين العرب . فانفصلوا مكرهين ومرغمين عن القوى الوحيدة التى تدعم قضيتهم بصدق واخلاص وهى قوى الشعب فى الارض العربية .
وعلى الجانب الآخر لم تلتزم الدول العربية وانظمتها وحكامها بالاتفاق على عدم التدخل فى شئون فلسطين . فتدخلوا تارة بالضغط الصريح لارغامهم على القاء سلاحهم والدخول فى عملية التسوية والتنازل . وتارة أخرى بالضغط الضمنى بانسحابهم جميعا بربطة المعلم من ساحة المعركة ، لتختل موازين القوى بشدة ، فينهزموا ، ويستسلموا .
ان البساط الاحمر العربى لن يحرر فلسطين ، بل سيسعى و يعمل طول الوقت على تجريدها من القدرة على المقاومة ، ولا بديل الا بالالتحام بالشارع العربى ، ومشاركته همومه ومعاركه وقضاياه ، ليشاركنا معارك المقاومة والتحرير . ففى النهاية كلنا ضحية لقاهر واحد هو هذا النظام العربى .
* * *
العامل الخامس :
هو سقوطنا جميعا خارج فلسطين فى دوامة همومنا القطرية ، والتى تشغل بعضنا طول الوقت او تشغل معظمنا بعض الوقت . تشغلنا عن استمرار المتابعة والمشاركة فيما يتم داخل الارض المحتلة ، و فيما يتم فى ساحات الصراع المتعددة ضد المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة .
ولنضرب مثلا على ذلك بالعدوان الصهيونى الأخير على غزة يناير 2009 ، فطوال ايام العدوان وبسبب عدد الشهداء وكمية الدماء التى كنا نراها يوميا على شاشات التلفاز ، كنا فى القلب من المعركة غاضبين ، متظاهرين ، ضاغطين .
ولكن بمجرد ان توقف العدوان ، انصرفنا جميعا الى حال سبيلنا ، فعدنا الى سابق قضايانا وهمومنا القطرية الداخلية . وتركنا المقاومة وحيدة فى اشد المراحل حرجا وهى مرحلة تسويات ما بعد الحرب والتى هى أشد خطرا من الحرب ذاتها ، ففيها يتحدد مصير القضية لعقود مقبلة .
تركناها وحيدة فى مواجهة الضغوط الامريكية الصهيوينة الدولية العربية ، داخل الغرف المغلقة وعلى موائد المفاوضات ، يحاولون ان ينتزعوا منها ما لم ينجحوا في انتزاعه خلال الحرب ، وهو الاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين والقاء السلاح والتخلى عن المقاومة التى اسموها ارهابا .
ان الدعم الدائم والمستمر وغير الموسمى لقضية فلسطين ، والربط طول الوقت بين مشاكلنا الداخلية وبين قضية التحرير ، هى ضرورة يجب ان نؤكد عليها ونتمسك بها . فما يحدث لنا هنا وما يحدث لهم هناك ليست الا مخرجات وتفريعات لعدوان غربى امريكى صهيونى واحد على كامل الأمة . وأى فصل بينها يوقعنا جميعا فى دوائر الهزيمة فى كل القضايا وفى كل الساحات .
* * *
كان لهذه العوامل خمس ، مع عوامل أخرى ، بالغ الأثر فى اضعاف وحصار وانهزام القيادة الفلسطينية على امتداد اكثر من ثلاثة عقود . وهى عوامل لاتزال قائمة ، بل اصبحت أكثر قوة وتأثيرا على حركات المقاومة الحديثة ، بالذات فى السنوات القليلة الماضية ، وعلى الأخص بعد انتهاء العدوان الصهيونى الأخير على غزة .
صحيح ان الاستسلام للعدو والخضوع له والتنازل له عن فلسطين ، لا يبرره شيئا على وجه الاطلاق . فهناك كثيرون من نفس ذلك الجيل 1964/1987 صمدوا وواصلوا الكفاح ، او على اضعف الايمان انسحبوا فى صمت ، واعترفوا بهزيمة مشروعهم السياسى ، ولكنهم لم يستسلموا كما فعلت القيادات الحالية للسلطة الفلسطينية .
فالاستسلام يتطلب تكوينا ذاتيا وشخصيا من نوع خاص ، لايتوفر الا فى أردأ العناصر فى اى شعب أو حركة أو جماعة .
كل هذا صحيح ، ولكن تظل العوامل التى تناولناها ، هى عوامل اضعاف وكسر واخضاع لقوى المقاومة وارادتها ، أيا كانت منطلقاتها المبدئية والعقائدية .
وأى تجاهل لهذه العوامل والأسباب ، وتقاعص عن مواجهتها ، والاكتفاء بالرهان على الصلابة اللانهائية لاخواننا فى الداخل ، هو لعب بالنار ، و مشاركة فى الحصار .
* * *
و فى النهاية اتصور ان الخلاصة هى : ان وحدة المقاومة العربية فى مواجهة العدو . و استرداد مصر من كامب ديفيد . وإرغام النظام الرسمى العربى على العودة مرة أخرى الى تحمل مسئولياته فى تحرير فلسطين وفى الاشتباك ضد المشروع الصهيونى الامريكى . والالتحام مع المواطنين البسطاء وقواهم الوطنية ومشاركتهم همومهم وقضاياهم والبعد عن البساط الاحمر . والربط بين مشكلات وقضايا الامة الواحدة ، هى خيارات اساسية فى الطريق الى تحرير الارض المغتصبة . والنجاة من السقوط فيما سقط فيه الاولون . وهو طريق طويل وشاق وملىء بالعقبات الهائلة ، ويحتاج الى خطط عمل كثيرة ومعقدة ، ولكنه يظل هو الطريق الوحيد الممكن والمضمون .
والله واعلم .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.