قبل بضعة أشهر، أعلن الرئيس الرواندي، بول كاغامي، صراحة إن مستقبل القارة الإفريقية يعتمد على ما ستخرج به المفاوضات حول تغير المناخ.
لقد حاجج بأن إفريقيا تحتاج إلى اتفاقية جيدة بشأن المناخ، وبسرعة، لكي يتم وضع الانبعاثات العالمية تحت السيطرة بأسرع وقت ممكن. كما دعا إلى وضع آليات قوية لمساعدة القارة على التحرك نحو مسار نمو قليل الاعتماد على الكربون ولتعزيز صمودها من أجل التصدي للتأثيرات التي لا يمكن تجنبها.
لقد أصاب الرئيس كاغامي لب المسألة.
نحن نعلم أن تأثيرات تغير المناخ ستصيب أول ما تصيب الفئات الأشد فقراً وضعفاً الذين سيكونون الأكثر تأثراً. ولهذا السبب يجب أن تكون الاتفاقية الجديدة بشأن تغير المناخ التي يبذل الكثيرون جهودا كبيرة من أجل إقرارها، اتفاقية من أجل التنمية أيضاً.
يجب أن يتم بذل الجهود الرامية لمكافحة الفقر وحماية كوكبنا في وقت واحد. إن ظواهر انحسار الغابات، وتوسع الصحراء، وتغير أنماط تساقط الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر تجعل الناس عالقين في المصاعب وتقوض مستقبلهم. وقد أظهرت الدراسات في أثيوبيا أن الأطفال الذين يختبرون فترات قحط وجفاف في طفولتهم المبكرة يواجهون احتملاً أكبر بالمعاناة من سوء التغذية بعد خمس سنوات من ذلك.
وبسبب تغير المناخ، تورد التقديرات أن 600 مليون شخص إضافيين في إفريقيا قد يواجهون سوء التغذية إذ تنهار الأنظمة الزراعية؛ كما قد يواجه 1.8 بليون شخص إضافيين نقصاً في الموارد المائية، خصوصاً في آسيا؛ كما أن ما يزيد عن 70 مليون شخص في بنغلاديش و22 مليون شخص في فييت نام و 6 ملايين شخص في مصر قد يتأثرون بفيضانات ترتبط بتغير المناخ. والأسوأ من ذلك، أن الأدلة العلمية الجديدة تشير إلى أن درجة حرارة المحيطات ترتفع إلى مستويات قياسية. وهذا سيضع مزيداً من الأعباء على النظم البيئية الساحلية وعلى الناس الذين يعتمدون عليها من أجل بقائهم.
لقد حان الوقت كي نبذل الجهود وندفع برؤية من أجل عالم أفضل وأنظف وأكثر استدامة من أجلنا جميعاً.
ليس لدينا سوى كوكب واحد لنعيش عليه. فيجب علينا أن نضمن أن طريقة عيشنا وتنميتنا تتسق مع الحفاظ على توازن الأنظمة البيئية. ويجب علينا أن نعمل بصفة جماعية لكي نجد طريقة مختلفة وأكثر استدامة لإنماء اقتصاداتنا وضمان إتاحة الفرص للفقراء والأمم الفقيرة لإيجاد حياة أفضل لأنفسهم.
وفي حين أن تغير المناخ يتضمن تحديات كبيرة، إلا أنه يقدم فرصاً لنا جميعا من أجل أن نتحرك نحو التنمية المستدامة. وإذا تمكنت الأمم من تحقيق تقدم في المفاوضات حول المناخ التي ستجري في كوبنهاغن، فإن ذلك سيقود إلى تقليص الانبعاثات؛ وتطوير عمليات إنتاج واستهلاك أقل اعتماداً على الكربون؛ وتوجيه التمويل المتعلق بالمناخ نحو دعم النمو الاقتصادي العالمي؛ وإيجاد مسارات شاملة للجميع ومستدامة للدول الأشد فقراً بغية الخروج من الفقر.
يجب على المفاوضات بشأن تغير المناخ، وكحدٍ أدنى، أن تأخذ الضرورات الثلاث التالية للبلدان النامية:
أولاً، يجب أن تكون البلدان النامية قادرة على النمو وأن تأخذ بالاعتبار حاجة مواطنيها للعيش عيشاً كريماً. فإذا لم تتوفر للناس على الأقل إمكانية الحصول على المياه، وخدمات الصرف الصحي، والطعام، والطاقة، ومؤسسات فاعلة، وطريقة للمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم، فلن يتمكنوا من التصدي للعبء الإضافي الناجم عن تغير المناخ.
ثانياً، يحتاج الناس في البلدان النامية إلى دعم مستهدف من أجل تنمية قدراتهم على التكيّف مع تغير المناخ – ابتداءا من المزارع الفقير الذي يريد زراعة محاصيل أكثر مقاومة لعوامل المناخ، إلى الأسرة التي تريد أن يتحمل بيتها الفيضانات المتزايدة. وهذا يعني مساعدة البلدان على وضع مسألة التكيف مع تغير المناخ في صلب جميع جهودها للتصدي للفقر، مع إيلاء الاهتمام الملائم لاحتياجات الفئات المستضعفة، بما في ذلك النساء والسكان الأصليين. ويجب أن تتسم جهود التكيّف بمرونة وعزم كافيين للتصدي للتحديات التي يمكن لتغير المناخ أن يفرضها في المستقبل.
ثالثاً، البلدان النامية بحاجة إلى دعم الشركاء للتحرك في مسار التنمية قليلة الاعتماد على الكربون. فهي تحتاج إلى سبل أفضل للحصول على التمويل المرتبط بالكربون من أجل تغطية تكاليف المضي في هذا المسار، إضافة إلى المهارات اللازمة لتشغيل هذه الأموال في المواضع الملائمة. وهذا يتضمن توجيه التمويل الخاص والعام نحو استثمار أنظف في الطاقة والمواصلات والبنى التحتية والصناعات الأخرى.
وإذا ما تمت مساعدة البلدان النامية على هذا النحو، فإنها ستتمكن من المساهمة في الجهود العالمية للتعامل مع تغير المناخ بينما تواصل مسيرتها الإنمائية التي تطمح لها شعوبها.
إن التوصل لاتفاقية جديدة حول تغير المناخ سيتطلب إرادة سياسية لا تلين، بحيث لا تؤدي المصالح الوطنية إلى إعاقة إنجاز ما هو أفضل لكوكبنا بمجمله. وإذا كانت الاتفاقية التي سيتم التوصل إليها تخص التنمية أيضاً، فيمكننا تهيئة الظروف للأجيال القادمة كي تعيش بسلام وازدهار أكبر في كافة أرجاء العالم. نحن بحاجة للاستثمار في ذلك مقدماً من أجل حماية مناخنا وحماية حياتنا جميعاً وحياة الذين سيتحدرون منا.
نحن نعلم ما يتعين علينا عمله، ونحن نعلم أننا وبصفة جماعية نواجه خيارات محددة. يمكننا أن نمتنع عن فعل أي شيء، أو أن نفعل القليل وحسب، أو يمكن لعالمنا أن يتخذ إجراءات جماعية جريئة لمواجهة تحدي تغير المناخ.
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، في كوبنهاغن، أتمنى أن نقوم باستجماع شجاعتنا بصفة جماعية للقيام بما هو واجب.