الرد المضاد علي اختراق حدود مصر د. محمد عبد السلام إن الدرس الذي تعلمناه من أزمة انهيار حدود مصر مع قطاع غزة بسيط للغاية وهو أن ذلك لايجب أن يتكرر مرة أخري, أيا كانت الظروف فقد بدا للحظة وكأننا علي وشك أن نفقد مناعتنا الدفاعية, في ظل اندفاع حشود بشرية وعناصر مسلحة وإجرام منظم ومشروعات توطين ودولارات مزيفة وأعلام فلسطينية إلي داخل الحدود فيما يشبه غزو تحولت معه الكارثة الإنسانية التي سببتها إسرائيل بسرعة مذهلة إلي تهديد أمني من المستويات الحرجة ولسنا في حاجة لوقوع ذلك ثانية لكي نتعلم الدرس, فماحدث يكفي. لكن لدينا مشكلة, وهي أن هناك طرفا علي الجانب الآخر من الحدود, قام بعملية التحويل إسمه' حركة حماس' لديه أوهام قوة تصل إلي حد الخطر ويتصور أنه قام بغزوة كبري غيرت الموازين المحيطةبه, ويهدد بأنه لن يقبل عودة مايعتبر أنها ترتيبات الماضي إلي ماكانت عليه ولايمكن الثقة في أية تعهدات من جانبه بضبط الحدود, ويحاول وهذه هي المأساة- لي ذراع مصر لقبول ترتيبات أمر واقع مختلفة في ظل حالة اطمئنان مثيرة لما يعتقد أنه حدود لرد فعل القاهرة بصورة لاتترك مجالا لمصر إلا أن تحدث تحولا كبيرا في سياستها تجاه حماس وأن تظهر بعض الأنياب. لقد كان من المتصور أننا أدركنا من خبرة فترة عصيبة سابقة, سيطر فيها حسن الترابي علي السلطة في السودان أنه لايوجد مجال للتعامل بمنطق دفاعي أو بواقعية باردة مع أنظمة سياسية دينية متطرفة, ففي الوقت الذي لم نكن نأمل فيه إلا في' حسن الجوار' المستند علي تعايش سلمي مع أمر واقع سييء, قاموا بإثارة مشكلة حدودية نائمة مع التهديد بكارت المياه وإغلاق المصالح المصرية واستضافة أسامة بن لادن وتهريب الأسلحة عبر الحدود والتحالف مع القوي المناوئة لمصر, ثم المشاركة في تدبير حادث أديس أبابا عام1995. لكن السيناريو يتكرر مرة أخري, في ظل أوضاع أكثر سوءا ترتبط بتنظيم آخر ذي مرجعية دينية يتحكم في' قنبلة ديموجرافية' مجاورة, فقد أدت البرجماتية الزائدة والحساسية الزائدة والاحترام الزائد إلي فهم سياسة مصر بصورة خاطئة رغم أنه لايوجد أدني شك لدي أحد في أن تقديرات مصر بشأن توجهات حماس تتسم بدقة مذهلة, إذ تم التجاوز عن عدة وقائع كان من المفترض أن يتم الرد عليها بما تستحقه كما تفعل عواصم أخري في المنطقة لكي تفكر حماس عدة مرات قبل أن تحاول اختبار إرادة مصر بتلك الطريقة علي الحدود. إن المطلوب الآن ببساطة أيضا, هو رسم' خط أحمر' علي خط الحدود بين مصر وقطاع غزة, بحيث يدرك أي مسلح أو ملثم أو متسلل يقترب منه أو يفكر في اختراقه أنه سيكون في خطر وأنه سيصبح هدفا مشروعا علي الفور لإنهاء هذه المسألة أولا, فالطريق إلي القدس لايمر بالعريش, إن كانت قيادات حماس تهتم بالقدس أصلا, فحصانة الحدود علي الأرض بكل الوسائل مسألة لاينبغي التردد بشأنها كثيرا خاصة وأنه اتضح أن لدينا في مصر أيضا تيارات تحتاج إلي وضعها في مستشفي للحالات الحرجة إلي أن تشفي من أمراضها المزمنة أو أحلامها القديمة. أن مشكلة التعامل مع الحدود كخط احمر هي أنها لايجب أن تترك مجالا للشك في مصداقيتها, وبالتالي ستكون مصر في مواجهة سيناريوهات لم ترغب أبدا في إتباعها لدي مواجهة أية محاولة لاختبار تلك السياسة, ولن يكون لديها خيار آخر في تلك الحالة إلا أن تثبت أنها مصممة علي تنفيذ توجهاتها مهما كان الثمن, وإذا كان هناك من يفكر في رد الفعل الداخلي تجاه أية حركات خشنة, فإن عليه أن يفكر فيما إذا كان الرأي العام الداخلي, بعيدا عن الدراويش سيقبل استمرار سيناريوهات الاختراقات الحدودية إلي مداها الذي كان متصورا قبلها أو الذي اتضح خلالها دون أن يحمل الحكومة مسئوليتها في النهاية. إن حصانة الحدود ليست موجهة للشعب الفلسطيني وإنما للفصائل المسلحة والتنظيمات المتطرفة والقيادات المتغطرسة وحفاروا الأنفاق, فقد كانت إدارة المعابر تسير بشكل جيد قبل أن تستولي حماس علي غزة وعلي مصر بالتوازي مع ذلك أن تعمل بنفس الصرامة مع كل الأطراف لمنع أية محاولات لخنق أو عزل أو حصار القطاع وأن تقدم هي ذاتها تسهيلات جديدة لحركة الفلسطينيين بما يقلل إلي أقصي حد من أية دوافع لدي المواطنين الفلسطينيين للقيام بحركات يائسة تعرضهم للمخاطر في سبيل الحصول علي احتياجات معيشية بسيطة أو حتي تنفس الهواء الطلق بعيدا عن الملل القاتل في غزة. لكن حصانة الحدود لاتكفي إذ لايوجد- كما يقال أحيانا- دفاع لايمكن اختراقه, فالأهم سوف يأتي بعد ذلك وهو تغيير قواعد الاشتباك مع حركة حماس إلي أن تحل المعضلة القائمة بينها وبين السلطة الفلسطينية فلابد من أن يتم دفع ثمن لما حدث علي الحدود من جانب من قرر القيام بحركات زائدة يدرك أنها تمس أمن مصر فلم يحدث أن اتخذت مصر إجراءات حادة عندما اجتاز الفلسطينيون الحدود بمئات الآلاف إثر الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام2005 فقد كانت العملية وقتها إنسانية بالكامل لكن هذه المرة مختلفة. لقد بدت مصر وكأنها تسمع تفسيرات حماس لانقلاب غزة خلال عام2007 علي أنه عملية ربما خرجت عن نطاق السيطرة أو أن حركة المسلحين قد سبقت قرارات السياسيين وواجه الجميع أمرا واقعا كان من الصعب العودة عنه ولايعرف أحد ماإذا كان من الممكن قبول أي تفسيرات من تلك النوعية هذه المرة أم لا وبالتالي فإن التحقيق المشترك أو المنفرد وتحميل المسئوليات, وربما اتخاذ بعض الإجراءات يمثل بداية أولي لعدم تكرار ماجري. يأتي بعد ذلك التفكير في قواعد اشتباك أخري فيما وراء الحدود علي الجانب الآخر طالما أن الأمور قد أصبحت قضية أمن قومي تتطلب سياسة نشيطة لاتحمل أي شبهة علاقات عامة, فمصر لاترغب علي الإطلاق في أن تعود لإدارة غزة وربما تسببت حساسيتها السابقة إزاء أية سلوكيات تحمل شبهة تدخل من هذا النوع في التغاضي عن مواقف كانت تتطلب العكس كما أنها قد توقفت خلال العقود الأخيرة عن القيام بأعمال تدخلية حادة من النوعية التي تقوم بها دول عربية حاليا إزاء الجوار وإزاء الفلسطينيين أيضا. لكن طالما أن مايحدث في غزة يمكن أن يؤدي إلي مشاكل داخل مصر, وطالما أن هناك سياسيين يمارسون' البلطجة' ويعتقدون أنهم أذكياء, وطالما وضح أن أية شبهة ضعف أو فوضي يمكن أن تؤدي إلي أسوأ صور الاستغلال الأبله أو غير المسئول من كثيرين, فإن علي السياسة المصرية أن تبدأ في توضيح أنها ضد أي فصل لغزة عن الضفة الغربية وأنها ضد أي محاولة لإقامة إمارة إسلامية فيها وأنها ضد السماح بتنامي حركات تطرف عنيفة في القطاع وأنها ضد تلك الارتباطات الإقليمية التي تستعمل قضية نبيلة ككارت سياسي وهناك مايمكن فعله عمليا بهذا الشأن. إن هناك بالطبع حذرا مصريا شديدا من الاقتراب غير المحسوب من تلك المساحات, فلا أحد يرغب في أن تبدو مصر وكأنها تشن حملة بدون تمييز ضد فلسطينيين أو يمكن أن تؤدي إلي ذلك ويمكن بالطبع الاستمرار في إدارة الأمور بصورة هادئة إلي أن يذهبوا كما ذهب حسن الترابي أو يتعقلوا لكن معظم قيادات حماس الحالية لن تذهب أو تتعقل بهدوء وحماس في النهاية جزء أصيل من الشعب الفلسطيني وبالتالي علي مصر أن تتصرف بجدية معلنة فيما يخص حقوقها لعدم تكرار ماحدث حتي تتمكن علي الأقل من القيام بدورها الأهم لخدمة القضية الفلسطينية بدون إزعاج. عن صحيفة الاهرام المصرية 5/2/2008