عين على رفح.. وعيون على الضفة!! هاني حبيب قد يمضي وقت ليس بالطويل، قبل أن نتلمس النتائج المترتبة على اقتحام معبر رفح، الا أننا مع ذلك ندرك آنياً بعض هذه الآثار حتى قبل ان تنتهي قصة اقتحام المعبر بشكل تام، ولعل اعادة "غزة" الى خارطة الأحداث المثيرة والخطيرة على المستويين الإقليمي والدولي، هي الدلالة على اهمية النتائج التي من الممكن أن تتضح بمرور الوقت. تشكل غزة، كما هو معروف، اكبر تجمع سكاني في العالم قياساً الى مساحتها، ورغم انتقالها خلال السنوات الستين الماضية، عبر "سيادات" مختلفة، الا انها ظلت تشكل هاجساً لدولة الجوار - اسرائيل - فمع ولادة الدولة العبرية والنتائج التي أفضت اليها حرب 1948، خضعت غزة للوصاية المصرية، ومع وصول الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر الى السلطة في مصر، وتشكل المد القومي والعروبي، تحولت الرعاية المصرية لقطاع غزة، الى رعاية نضالية، عندما تشكلت خلايا الفدائيين بقيادة مصطفى حافظ، وعند احتلال اسرائيل لقطاع غزة كإحدى نتائج حرب 1967، حاولت الدولة العبرية "تدجين" مواطني القطاع من خلال إنعاش الحياة الاقتصادية، بالترافق مع سلسلة من القرارات العسكرية، بدءاً من اليوم التالي لتلك الحرب عندما اعلن عن قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة، كما جاء في القرار العسكري رقم واحد الصادر عن الاحتلال، الا ان الانتفاضة الاولى عصفت بكل امكانية لتدجين هذا القطاع الصاخب بكل الاحتمالات بالنسبة لجيرانه الإسرائيليين المحتلين. اتفاق اوسلو الذي وقع فيما بعد، كان نتيجة من نتائج البحث عن مخرج بالنسبة لإسرائيل "للانفصال" عن القطاع المشاغب، جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية بفضل هذا الاتفاق، وكان "غزة أولاً" الا ان ذلك لم يمنع قيام انتفاضة ثانية. محاولات اسرائيل التخلص من قطاع غزة تمثلت في عديد من السيناريوهات والمشاريع والخطط و"الأقاويل"، عادت للتداول مع اقتحام المعبر، والذي ينظر اليه البعض بعنصر مهم وخطير من عناصر هذه الخطط، ولعل اندفاع مواطني قطاع غزة "جنوباً" للبحث عن لقمة العيش له أكثر من دلالة على هذا الصعيد، فهم اندفعوا حيث تريد لهم اسرائيل أن يندفعوا، وباندفاعهم هذا انما يبتعدون، عضوياً عن اسرائيل، وسياسياً عن مسؤولياتها القانونية كدولة احتلال. معبر رفح النقطة الأكثر هشاشة ضمن سلسلة من المعابر، كونه يشكل المعبر الاساسي لحركة الافراد المواطنين، والأهم كونه المعبر العربي الوحيد مع قطاع غزة، حساسية الوضع المصري، السياسي والأمني، تجعل من معبر رفح المعادلة الأكثر صعوبة في سياق البحث عن حلول للأزمات المستعصية، وبهذا الصدد يمكن الإشارة الى ان معبر رفح هو صيغة اتفاق كامب ديفيد بين جمهورية مصر العربية واسرائيل، او الى ذلك الحين، كان معبر رفح الفلسطيني الى العالم العربي، يتخذ من مدينة العريش مركزاً له، والأقاويل التي تم تداولها مؤخراً، بين اوساط رسمية وشعبية، اعادت الى الواجهة معبر العريش من جديد، ربما للبحث عن مخرج من الوضع المتأزم على كل الصعد بالنسبة للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة، رغم التأكيد ان مثل هذا الامر لن يحدث لأن قواعد اللعب قد اختلفت عما كانت عليه، مع رغبة متبادلة، مصرية - فلسطينية بالإبقاء على المسؤولية القانونية لدولة الاحتلال على قطاع غزة، ما يقطع الطريق على الأقاويل المتداولة حول اعادة الإدارة المصرية الى قطاع غزة، انطلاقاً من "اختلاق" اقتحام معبر رفح. الاندفاعة نحو الجنوب، من قبل المواطنين الفلسطينيين بعد اقتحام معبر رفح، كان يمكن ان لا تحدث بالطريقة التي تابعناها وعشناها، تم اقتحام المعبر ذاته العام 5002، ولكن لم تحدث مثل هذه الاندفاعة الاخيرة، السبب بنظر البعض يتعلق بتغير الظروف، في المرة الاولى، كان الحصار ينحصر في حركة الركاب، أما اليوم فالأمر يتعلق بحصار للأفراد، مواطنين وطلاب ومرضى، اضافة الى الدواء والغذاء وكل متطلبات الحياة، لكن البعض لا يرى في ذلك سبباً كافياً لما حدث، بل يربطون ذلك بمحاولة قطع الطريق على مبادرة السلطة الوطنية بفتح المعابر بعد أن تتسلمها في اطار مبادرة تعيد التقيد بالتفاهمات حول المعابر التي جرت العام 5002، اقتحام المعبر جاء وفقاً لهذا الرأي ليعيد خلط الاوراق، الا ان تداعيات ما حدث، ربما تؤدي الى خلاف ما أرادته أجندة من أرادوا قطع الطريق على مبادرة السلطة لاستلام المعابر. من التطورات المحتملة لما يجري اليوم على معبر رفح، معادلة جديدة، تقضي بأن أمن سديروت، يقابله الأمن القومي المصري(!) على جمهورية مصر العربية توفير الأمن لسديروت اذا ارادت ان تحافظ على أمنها القومي، الاندفاعة الفلسطينية مجرد إنذار للقبول بمثل هذه المعادلة وعلى الجانب المصري أن يتصرف وفقاً لهذه المعادلة، واسرائيل عندما قالت انها توافق على اي تفاهم بين القاهرة والسلطة الفلسطينية حول ادارة المعابر، معبر رفح تحديداً، كانت ترمي الكرة بعيداً عنها، اسرائيل غير متمسكة بتفاهمات تشرين الاول من 2005 حول معبر رفح، اذا كانت هناك بدائل افضل، خاصة ان تلك التفاهمات لم تصل الى اتفاق مبرم (اذ لم يتم التوقيع على تلك التفاهمات). اسرائيل، ربما ترحب فعلاً بتداعيات اقتحام معبر رفح، والتنصل من اتفاق معبر رفح 2005، لأن ذلك يسمح لها باتخاذ خطوات تعتبرها متقابلة مع ما تم، اي اتخاذ اجراءات "من جانب واحد" بدورها، خاصة في الضفة الغربية، وكأنها لم تتخذ في السابق مثل هذه الخطوات ومن جانب واحد، يضاف الى ذلك، انها كانت طرفاً في تفاهمات معبر رفح، باعتبارها دولة محتلة، "عزوفها" عن المشاركة العلنية والواضحة في اتفاق جديد، يجعلها اكثر قدرة على الادعاء بأنها فعلاً ليست دولة احتلال بعد "انسحابها" من قطاع غزة. في عملية التسوية، كما في "المقاومة"، فإن اهمية قطاع غزة تأتي لاحقاً لأهمية الضفة الغربية، الضم والتهويد والجدار وخطة الفصل كلها ذات علاقة بالضفة الغربية تحديداً، ما جرى في قطاع غزة، يحرف الأنظار عن تلك القضايا المفصلية في الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، الخطوات احادية الجانب من قبل اسرائيل كلها تنطلق في الضفة الغربية والعملية التفاوضية وقضايا الحل النهائي في معظمها لها علاقة مباشرة بالضفة الغربية، قطاع غزة مشكلة أمنية، مستقبل اسرائيل يتم رسمه في الضفة الغربية، وبالرغم من مكانة وأهمية قطاع غزة، فإن اسرائيل ارسلت رسالتها للعالم عندما اعلنت عن انسحابها منه، ثم اعلانها عنه كمنطقة معادية، واجراءاتها المتعلقة بالحصار تنطلق من هذا الفهم الاسرائيلي. تم تفجير المعبر، معبر رفح، لكن لم تفتح الحدود، ولم يذهب الطلاب المحاصرون الى جامعاتهم، ولا العاملون الفلسطينيون في الخليج ومناطق اخرى الى أعمالهم، ولم يصل المرضى الفلسطينيون الى المشافي، ولم تحل مشكلة وصول المواد الاساسية الى قطاع غزة، كانت لحظة للفلسطينيين في قطاع غزة للتنفس، وهذا جيد بطبيعة الحال، لكن تداعيات ما جرى، اذا لم يتم استيعابه بشكل جيد وعلاج آثاره، ستجعل من اقتحام المعبر بداية مرحلة قد تكون شديدة الأهمية والتأثير على مجرى الصراع، ويمكن ومن خلال اعادة خلط اوراق اللعب، أن تجعل جهود كافة الاطراف منشدة نحو ايجاد حل، ليس بالضرورة أن يرضي الاطراف التي حاولت من خلال ما جرى كسب المزيد من الاوراق، ولكن الامر قد يفلت من بين اصابعها. اعتقدنا في البداية، ان اعادة خلط الاوراق قد تجعل من الحوار الوطني الفلسطيني في متناول اليد، ولكن تداعيات ما جرى تجعلنا الآن اكثر اعتقاداً بأنه بات صعب المنال، اعادة اغلاق الثغرات في معبر رفح، جعلت فتح ثغرات في مواقف الاستقطاب الداخلي الفلسطيني أمراً اكثر صعوبة، ولا يبدو في الأفق ان هناك اي تقدم على هذا المسار بقدر ما أن هناك عوائق اضافية تجعل من تمسك الاطراف بمواقفها مبرراً لتقدم جهات عربية واقليمية للتدخل بشكل او بآخر، مع اننا نعتقد ان هناك امكانية الآن، لتحرك جماهيري، او بداية تحرك لفرض مصلحة الجمهور والوطن على الأجندات الفصائلية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 3/2/2008