عن أعداء العولمة علي بن طلال الجهني يشكو ألان غرينسبان من أعداء العولمة في الولاياتالمتحدة. وهذا الرجل، الذي تجاوز الثمانين ببضع سنوات، وقضى ما يزيد على ثمانية عشر عاماً محافظاً لأهم بنك مركزي في العالم، قد يكون من أعرف الناس بالاقتصاد الأميركي، وليس كل اقتصادي أميركي خبيراً في الاقتصاد الأميركي، لأن كل اقتصادي حقيقي خبير في علم الاقتصاد المجرد. اما معرفة أي اقتصادي، من أية جنسية، باقتصاد وطن معين فيعود إلى مدى اطلاعه على المكونات «المؤسساتية» لذلك الاقتصاد الوطني. ومصدر معرفة غرينسبان بالاقتصاد الأميركي خصوصاً، التي توسعت بكل تأكيد بعد توليه قيادة البنك المركزي، هو علاقته، منذ كان طالباً في الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، بمؤسسة بحثية خاصة، وهي المؤسسة التي وضعت أسس وقواعد الإحصاء لقياس ما يُعرف ب «الدخول الوطنية». ويعرف ذوو الاختصاص داخل أميركا وخارجها أن المؤثرين في سياسة الولاياتالمتحدة النقدية يؤثرون، بقصد أو بغير قصد، في مستويات بقية عملات العالم الصعبة. (أي القابلة للتحويل، من دون تدخل حكومي، ووفقاً لقوى السوق). ومن هم أعداء العولمة ولماذا يشكو منهم هذا المصرفي المخضرم؟ إن أعداء العولمة في أميركا يختلفون جذرياً عن أعدائها في أوروبا كما يختلفون عمن يعلنون عداوتها في العالم الإسلامي وفي أميركا الجنوبية. فأعداء العولمة في أوروبا هم بالدرجة الأولى الفوضويون وبقايا الأحزاب الشيوعية التي كانت لها أهمية ملموسة في الستينات من القرن الماضي، وفقدتها تماماً في يومنا هذا، وفي جنوب أميركا يكره العولمة من لهم ميول يسارية. وفي العالم العربي والإسلامي يلتقي أقصى اليمين السياسي - الذي يتخذ الإسلام غطاءً لأهداف سياسية - مع أقصى اليسار في صف واحد لمناهضة العولمة وإعلان حرب عليها. أما أعداؤها في الولاياتالمتحدة فيتكونون من بعض قدامى المحافظين الانعزاليين (البيض المسيحيين) الذين يودون المحافظة على «نقاء» الولاياتالمتحدة العرقي والديني، ومن قادة نقابات العمال الذين يريدون المحافظة على وظائف أعضاء نقاباتهم، مهما تدنت كفاءتهم الإنتاجية وارتفعت مستويات أجورهم. أما أسباب شكوى محافظ البنك المركزي الأميركي من «أعداء العولمة» التي من المؤكد أن يشترك معه فيها كل محافظ بنك مركزي له أهمية في العالم أجمع، وكل اقتصادي، وكل مسؤول مالي، فكثيرة. ولعل أهمها: أن العداء للعولمة عداء للتجارة الدولية - أي سهولة انتقال وبيع وشراء السلع والخدمات التي تُنتجها دول العالم بحسب ظروف كل منها، والعداء لحرية التجارة الدولية معناه التقوقع والعزلة. ويؤدي التقوقع والعزلة إلى التخلف العلمي والتقني، ما ستكون نتيجته لا محالة انخفاض مستوى معيشة مواطني مناطق التقوقع. وغياب تبادل المصالح بين الدول والشعوب يشجع على حل الخلافات عن طريق العنف الرسمي أو الفردي والإرهابي المنظم. ومن الواضح أنه يتبع تنامي وانتشار العولمة ما سماه المؤرخ لعلم الاقتصاد الشهير، جوزيف شيبمتر، التطور الإنتاجي المدمر. أي ما معناه، العولمة تنقل التقنية الأحدث والأكفأ، والتقنية الأكفأ بدورها تؤدي إلى تدمير التقنية التي سبقتها مهما كانت درجة كفاءتها سابقاً. ويترتب على هذا تردي الأحوال الاقتصادية لمن لا يزالون ينتجون التقنية القديمة. كما يترتب على ذلك تضاؤل أجور أو فقد مصادر العيش للكثيرين. وهذا ما حدث في بريطانيا، مقارنة بألمانيا والدول الاسكندنافية، قبل انتخاب مارغريت ثاتشر، التي اتخذت التخصيص، وفعلاً نجحت، كأفضل أداة للتحديث حتى تفوق الاقتصاد البريطاني على كثير من نظرائه في أوروبا. والتطور الإنتاجي المدمر هو سبب أنك قد تجد أحدث السيارات حتى في الدول النامية التي فيها درجة عالية من حريات الأسواق، ولا تجد أفضل من موديلات الخمسينات في بلد ككوبا ومثيلاتها في العالم العربي التي تشجب العولمة. وحتى من يرفعون شعار الإسلام كغطاء لسعيهم لتولي السلطة، يستخدمون أحدث السيارات من اليابان وأوروبا وأميركا وينشرون سمومهم من خلال أحدث أجهزة الكومبيوتر وينفثونها عن طريق الإنترنت. وهذه الشبكة وما يرافقها من أدوات البحث ك «غوغل»، هي عنوان العولمة وأهم رموزها. ومن الغباء المطلق وقصر النظر أن يحارب مواطنو بلد مصدر للنفط، العولمة. فلولا التجارة الدولية وهي أهم أجزاء العولمة، فأين ولمن يبيعون نفطهم؟ ومن أين يستوردون سياراتهم وطائراتهم وبقية وسائل معيشتهم؟ إن من يحذرون من العولمة، كمن يحذرون من سيل لا محالة آت. ومن يحثون مجتمعاتهم على محاربتها ومقاومتها، كمن يطلب من الأفراد سد سيل قوي هادر، بعباءاتهم، كما يقول المثل الشائع في الجزيرة العربية. والله من وراء القصد. عن صحيفة الحياة 22/1/2008